يهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تحقيق الفوز في انتخابات الرئاسة لتمديد حكمه إلى عقد ثالث، والحفاظ على مزيج السياسات الخارجية والاقتصادية التي ميزت البلاد على الساحة العالمية.
تحدّى أردوغان (69 عاماً) استطلاعات الرأي التي رجحت بنسبة ضئيلة فوزاً لخصمه كمال كيليغدار أوغلو (74 عاماً) في الجولة الأولى من التصويت على الرئاسة قبل أسبوعين، مما أدى إلى دفع عملة البلاد إلى أعماق جديدة، وتراجعت سندات الشركات والأسهم.
يواجه الثنائي الآن بعضهما في جولة الإعادة اليوم الأحد، مع زخم دعم الرئيس الحالي بعد أن احتفظ التحالف الحاكم بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه بأغلبية في البرلمان.
بدأ التصويت في الساعة 8 صباحاً بالتوقيت المحلي، ومن المقرر غلق باب الاقتراع في الساعة 5 مساءً، ومن المتوقَّع ظهور النتائج الأولى بعدها بساعات قليلة.
الثقة بالاستثمار
ركز كيليغدار أوغلو حملته على استعادة مصداقية تركيا بين المستثمرين الدوليين، وإنهاء الأسلوب الذي وصفه بالاستبدادي للقيادة الحالية، واستئصال الفساد من مؤسسات الدولة.
فالفوز بالنسبة له سيعني نهاية إملاءات أردوغان بأنَّ الطريقة الوحيدة لمحاربة التضخم هي خفض أسعار الفائدة بدلاً من رفعها، وعلى الرغم من ذلك؛ يبدو فوزه الآن أقل احتمالاً والأسواق المالية تستعد لمزيد من الألم.
يبدو أنَّ سلطة الرئيس أردوغان لم تتضاءل بسبب أسوأ أزمة في تكلفة المعيشة منذ عقود، ومزاعم الإهمال في أعقاب الزلازل الكارثية التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص في فبراير.
كما حصل على شهرة بين الناخبين لقيادته في تأمين إمدادات الحبوب من أوكرانيا ولوقوفه في مواجهة حلفاء الناتو مثل الولايات المتحدة بشأن محاولة السويد للانضمام إلى العضوية.
بمساعدة الآلة الإعلامية الحكومية؛ زرع أردوغان الانقسام بين تحالف المعارضة.
وضاعف زعيم تركيا الأطول خدمةً من الخطاب القومي والديني لتعبئة قاعدته الشعبية والمحاكم الإسلامية واليمين، بينما اتهم المعارضة بالفشل في محاربة الإرهاب.
كما لعب على نفور الناخبين من التحالفات الواسعة في أعقاب انهيار الحكومات في التسعينيات.
ما يزال من الممكن حدوث مفاجأة في نتيجة الانتخابات، لكنَّ أردوغان برز على أنَّه أكثر إقناعاً من كيليغدار أوغلو، وفقاً لما قاله كان سلجوكي، المدير الإداري لاستطلاعات الرأي في “إسطنبول إيكونوميكس ريسيرش”.
وقال: “الأمر يتعلق بالثقة، وقد نجح أردوغان في إرساء الثقة من خلال بقائه في السلطة لمدة 20 عاماً”.
يتوقَّع المتداولون انتصاراً واضحاً لأردوغان.
لذا؛ ارتفعت تكلفة حماية المستثمرين من التخلف عن السداد على السندات التركية بعد الجولة الأولى من التصويت، عندما فاز أردوغان بنسبة 49.5%. وسجلت الليرة أدنى مستوياتها القياسية الجديدة، إذ انخفضت إلى 20 مقابل الدولار.
مارس الزعيم التركي سيطرة أكبر على المشهد الإعلامي، حيث خصصت الشبكات الرئيسية وقت البث في الغالب لمقابلاته وتجمعاته. كما سيطر على المدن باللافتات والصور المصحوبة بملاحظات: “الزمان المناسب، الرجل المناسب”.
خلال مسيراته وعشرات المقابلات المتلفزة؛ كان السرد الذي دفعه أردوغان للناخبين الأكثر تحفظاً الذين يحتاجهم لضمان النصر هو أنَّ كيليجدار أوغلو وحلفاءه يسترضون المسلحين الأكراد والمؤيدين لمجتمع الميم.
قال أردوغان إنَّه يأمل أن “يلقن شعبه الوطني القومي المعارضة درساً” في صناديق الاقتراع.
استهداف المخاوف
قال كيليغدار أوغلو أكثر من مرة إنَّه يدين جميع أشكال الإرهاب، كما كثف من لهجته القومية، ووعد بطرد المهاجرين، ونجح في الحصول على تأييد حزب ظافر اليميني الصغير، برغم أنَّ الخطر يكمن في فقد بعض الدعم الكردي الذي حصل عليه في الجولة الأولى، والذي يحتاجه للإطاحة بأردوغان.
استهدف كيليغدار مخاوف بعض الناخبين هامشياً من تحالف أردوغان الانتخابي الذي يضم أحزاباً إسلامية.
بالنسبة للعديد من الأتراك المؤيدين للعلمانية؛ فإنَّ التصويت يرقى إلى مستوى استفتاء على تحديات الحياة اليومية في ظل حكومة استبدادية بشكل متزايد تظهر وجهة إسلامية.
قال كيليغدار أوغلو: “ماذا سيحدث عندما تأتي العقلية التي تحدق في بناتنا بعيون شريرة ؟.. لا تنس أنَّك تدلي بهذا التصويت ليس لي، ولكن لابنتك”.
ولكن مهما كانت النتيجة؛ فإنَّ التحدي الأكثر إلحاحاً بالنسبة لتركيا فيمن سينتصر يوم الأحد؛ هو الاقتصاد.
سيواجه الرئيس القادم ضعف العملة، واحتياطيات العملات الأجنبية المتناقصة، وتشابك اللوائح التي تنفذها الدائرة الداخلية لأردوغان من التكنوقراط التي تسببت في حدوث فوضى في القطاع المصرفي.
نهج غير تقليدي
دفع تركيز أردوغان على تكاليف الاقتراض المنخفضة للغاية المستثمرين الأجانب إلى الخروج وتجاوز التضخم 85% العام الماضي. حذر كبار الاقتصاديين في المعارضة من أنَّ البلاد تتجه نحو أزمة في ميزان المدفوعات.
على النقيض من ذلك؛ قال أردوغان إنَّ تركيا ستحصل قريباً على فائض في الحساب الجاري، وواصل الدفاع بلا هوادة عن الرأي القائل بإمكانية خفض التضخم مع انخفاض تكاليف الاقتراض.
وللتعويض عن تآكل القوة الشرائية؛ رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات، ووسّع التقاعد المبكر وفواتير الخدمات العامة المدعومة لتصل إلى 32 مليار دولار في أحدث ميزانية.
بينما يقول الاقتصاديون إنَّ تركيا ستضطر للعودة إلى صنع السياسات التقليدية؛ فإنَّ هذا الانتقال سيكون أبطأ في ظل حكم أردوغان. ستكون استعادة المستثمرين العالميين “مهمة ضخمة”، مما يتطلب عدم انتقاء كامل لمزيج السياسة الاقتصادية للبلاد، وفقاً لسيلفا بهار بازيكي من “بلومبرغ إيكونوميكس”.
قال هاميش كينير، كبير المحللين في شركة “فيريسك مابليكروفت” لإدارة المخاطر: “يجب ألا يتوقَّع المستثمرون تحولاً جوهرياً في نهج تركيا غير التقليدي في صنع السياسة الاقتصادية في أي وقت قريب.. إيمان أردوغان بأنَّ أسعار الفائدة المنخفضة تؤدي إلى انخفاض التضخم، الذي يؤثر على السياسة النقدية، سيستمر في إثارة مخاوف الأسواق”.
المصدر: الشرق