توصل تقرير وضعته جمعية خيرية بريطانية كبرى، إلى خلاصة مفادها بأن مستشفيات السلامة العقلية للأطفال في المملكة المتحدة تسهم في تفاقم حالات المتعالجين، بحيث أبلغ أكثر من نصف عدد المتعالجين الذين يتلقون العلاج في تلك المستشفيات، عن تجارب سلبية.
وأفاد التقرير الذي أصدرته جمعية “مايند” Mind الخيرية للصحة العقلية، بأن وحدات الرعاية الصحية الذهنية للأطفال المتعالجين الداخليين الذين يحتاجون إلى العلاج في بريطانيا، تستخدم كـ”أماكن احتجاز”، وأن تلك الوحدات تتقاعس عن تحسين الصحة النفسية للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.
الطيور تعزز الصحة العقلية
وتقول المؤسسة الخيرية إن النتائج التي توصلت إليها دراسة استقصائية أجرتها أخيراً على الأطفال في المستشفيات، هي من الخطورة بمكان بحيث يتعين على الحكومة أن “توقف المسار الراهن” الذي تتبعه، داعية إلى فتح تحقيق عام في خدمات السلامة العقلية للمتعالجين الداخليين.
وسجل التقرير الذي تمت مشاركته مع “اندبندنت” أن نحو نصف عدد الأطفال قالوا إن صحتهم الذهنية ساءت بعد دخولهم إلى المستشفيات، فيما أكد نحو 70 في المئة أن تجربتهم لم تكن إيجابية في وحدات رعاية المتعالجين الداخليين.
تيوا وهي شابة من لندن تبلغ من العمر 20 سنة، وصفت لـ”اندبندنت” تجربتها المؤلمة في ثلاث وحدات للعلاج الداخلي، إذ أدت تلك التجربة إلى تعرضها لصدمة أكبر من تلك التي كانت تعانيها قبل الدخول إلى الوحدة.
وأكدت أنها ما زالت تعاني كوابيس متعلقة بالفترة التي أمضتها هناك.
يأتي ذلك بعد أن كانت “اندبندنت” كشفت عن مزاعم متعلقة بـ”سوء معاملة منهجية” أفاد عنها نحو 50 مريضاً عبر مستشفيات السلامة العقلية للأطفال التي تديرها “مجموعة هانتركومب” The Huntercombe Group، التي بيعت في عام 2021.
وأشار تقرير صادر في عام 2021 عن هيئة “خدمة الصحة الوطنية” (أن إتش أس) NHS في شأن رعاية السلامة العقلية للأطفال، أن صغاراً يافعين يعانون تقييداً لحركتهم داخل تلك المستشفيات بوتيرة تفوق ستة أضعاف المعدل المسجل لدى البالغين. وفي الوقت نفسه، تظهر أحدث بيانات “أن إتش أس” في شأن الإجراءات التقييدية في مستشفيات السلامة العقلية، أن ما لا يقل عن 200 طفل يتعرضون لشكل من أشكال تقييد الحركة كل شهر. ويمكن أن يشمل ذلك تثبيت المريض أرضاً وإدارة وجهه إلى أسفل، أو وضعه في غرف منعزلة أياماً عدة كل مرة.
حياتنا ستنتهي الليلة
أدخلت تيوا إلى مستشفى للصحة العقلية للأطفال في لندن في عام 2019، عندما كان عمرها 16 سنة.
ووصفت الرعاية التي تلقتها في الوحدة على هذا النحو: “كانت هناك أوقات يجرى خلالها تقييدي مرات عدة في اليوم، وإعطائي حقناً لتهدئتي. كانت هذه العملية تتكرر في الواقع على نحو مستمر … كنت مراهقة آنذاك، وفجأة، كنت أجد أمامي خمسة رجال أقوياء البنية (يحاولون تقييدي) لم أرهم من قبل لأنهم يعملون في أجنحة أخرى”.
وأضافت: “كان الأمر مؤلماً للغاية. ولا يزال مثيراً للألم. فالكوابيس تنتابني حقاً كل ليلة. (المستشفى) لم يجعلني في حال أفضل، فقد دخلت إليه في حال من الصدمة، وخرجت منه بصدمة حجمها تفوق الأولى بـ 10 أضعاف”.
كلير مردوك مديرة السلامة العقلية في هيئة “خدمة الصحة الوطنية”، أبلغت لجنة الحسابات العامة الشهر الماضي، بأن وحدات المتعالجين الداخليين للحالات الحادة في إنجلترا، لديها معدلات شغور في الموظفين بنسبة تزيد على 20 في المئة.
تيوا أكدت ذلك بالإشارة إلى، أن النقص في عدد الموظفين أدى إلى تمضيتها ليالي في المستشفى، تعرضت خلالها حياتها وسلامة المتعالجين الآخرين للخطر.
وتذكر في هذا الإطار إحدى تلك الليالي، عندما طغى “الرعب” على أربعة موظفين كانوا “يذرفون الدموع” وهم يحاولون معالجة 11 مريضاً مصاباً بضيق نفسي.
وأضافت: “شاهدت أصدقائي وهم على وشك الموت في مناسبات عدة، وكانت هناك أوقات اعتقدت خلالها أن “بعضاً منا قد لا يتمكن من البقاء على قيد الحياة الليلة”.
وأكدت في المقابل أن بعض الموظفين أنقذوا حياتها وبذلوا قصارى جهدهم لمساعدتها، لكن النقص في النظام الصحي العقلي قيد عملهم. وذكرت أنه جرى نقلها ما بين الوحدات من دون سابق إنذار، وأنه على رغم توسلها للعاملين عدم وضعها في الحجز، أو في سيارة إسعاف، أو داخل قفص، فقد تم تجاهل نداءاتها.
نظام فاشل
تضمن تقرير مؤسسة “مايند” عن وضع خدمات المتعالجين الداخليين للأطفال، تجارب عاشها أكثر من 400 طفل وشاب، قال معظمهم إنهم أدخلوا إلى تلك الوحدات في مناسبات عدة.
ولفت التقرير إلى عدد من الإخفاقات في وحدات المتعالجين الداخليين، بما فيها النقص في عدد العاملين، والإفراط في استخدام تقييد حركة المتعالجين وإعطاء الأدوية، ووضع الأطفال “بشكل غير لائق” في أجنحة المتعالجين الداخليين البالغين.
إلا أن الأمر الأكثر إثارة للصدمة يتمثل في أن الأطفال الذين أدخلوا “بشكل غير رسمي” إلى وحدات المتعالجين الداخليين من دون أن يخضعوا لـ”عملية فرز”، لا يتمتعون بالحقوق القانونية كأولئك المحتجزين بشكل قسري.
وتعلق جيما بيرن رئيسة السياسات في مؤسسة “مايند” لـ”اندبندنت” على ذلك بالقول: “إن ما نراه في رعاية المتعالجين الداخليين هو أمر غير مقبول على الإطلاق. فقد شاهدنا حالات إساءة معاملة وإهمال ورعاية غير آمنة. ومن المثير للقلق أن البيئات نفسها تفتقر للصفات العلاجية. وفي كثير من الأحيان لا تظهر الرعاية التي يحصل عليها الناس، تعاطفاً بما فيه الكفاية.
وأضافت: “وصف لنا الأطفال نظاماً فاشلاً يعرضهم أحياناً للخطر، ويزيد من تدهور سلامتهم العقلية… إن ذلك يجب أن يثني الحكومة عن المضي في هذا المنحى، وأن يدفعها إلى التفكير والتساؤل ’عن مدى صحة ما يحدث، وعن مكمن الخطأ فيه؟ ونحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية‘”.
متحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية، علق على ما تقدم بالقول إن أي شخص يتلقى علاجاً في وحدات المتعالجين الداخليين، يستحق رعاية عالية الجودة، ويستحق أيضاً أن يحظى بالعناية اللازمة بكرامة واحترام.
ومن المتوقع أن تنشر في وقت قريب في المملكة المتحدة، نتائج مراجعة عاجلة في أداء خدمات السلامة العقلية للمتعالجين الداخليين، طلبت إجراءها وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية.
وأعربت الدكتورة روزينا ألين خان، وزيرة السلامة العقلية في حكومة الظل “العمالية” المعارضة، عن مخاوفها قائلة: “إن المتعالجين يتعرضون للإحباط كنتيجة مباشرة لسوء تعامل الحكومة مع أزمة السلامة العقلية.
ويواجه الشباب صعوبات متزايدة في الحصول على العلاج المناسب للصحة العقلية، في وقت تفشل فيه الحكومة في ضمان الرعاية التي يحتاجون إليها للتعافي”.
وخلصت إلى التأكيد على “ضرورة إجراء مراجعة شاملة لخدمات المتعالجين الداخليين في جميع أنحاء إنجلترا، مع وضع وجهات نظر المتعالجين في صلبها. فمن الأهمية بمكان التركيز على الوقاية وتنفيذ الإصلاحات في خدمات السلامة العقلية لضمان توفير أعلى مستوى من العلاج للجميع”.