يرى محللون أن المملكة تتبع مؤخراً استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، وأنها لم تعد خاضعة لأحلاف تبنيها أطراف دولية أخرى، وأنها ستبادر بطريقة مستقلة إلى التخطيط وإنجاز سياساتها التي يمكن أن تغير وجه المنطقة.
بعد نحو 12 عاماً من طرد سوريا من جامعة الدول العربية إثر انتفاضة شعبية تمّ قمعها بالقوة، وتحوّلت إلى نزاع دموي، شارك الرئيس السوري، بشار الأسد، في القمة العربية التي عقدت في جدّة أمس الجمعة، بعدما وجه إليه الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، دعوة رسمية.
وتشير صحيفة هآرتس العبرية إلى أن الأسد هو الزعيم العربي الوحيد الذي استطاع الصمود في السلطة بعد الربيع العربي، وأنه كان شاهداً خلال الحقبة الماضية على سقوط عدة أنظمة عربية.
عودة سوريا التدريجية
يضيف المحلل زفي بارئيل في الصحيفة أن الأسد نجح كذلك في استعادة معظم الأراضي التي فقدتها الحكومة في العقد الأخير، بمساعدة روسيا وإيران، والآن ينجح في العودة إلى الساحة العربية بعدما مهّدت الإمارات منذ 2018 لهذه العودة، متخذة القرار وقتئذ تجديد العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.
ولكن في تلك الفترة كانت بلدان كثيرة لا تزال تعارض الفكرة الإماراتية، أبرزها السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة. الأخيرة فرضت خلال حقبة ترامب عقوبات جديدة على سوريا، أبرزها قانون قيصر، ما جعل التقرب من دمشق خطيراً على حلفاء واشنطن.
ويشير بارئيل إلى أن السعوديين قرروا تطبيع العلاقات مع سوريا وأنهم جاهزون لبدء النقاش في تعاون اقتصادي رغم أن العقوبات الأمريكية لا تزال سارية المفعول.
وجاءت الخطوة السعودية الأخيرة بشكل متوازٍ تقريباً مع خطوة أكبر، مفاجئة، كانت تطبيع العلاقات مع إيران، بوساطة صينية.
وكان محللون سعوديون مقرّبون من ولي العهد، محمد بن سلمان، حذروا سابقاً من أنّ الموقف البارد الذي أظهره البيت الأبيض تجاه ولي العهد بن سلمان، سيدفع به في نهاية المطاف إلى البحث عن شركاء جدد.
ولم تغيّر زيارة بايدن إلى السعودية كثيراً في ذلك: لقد استجابت السعودية إلى حدّ ما إلى طلب بايدن بضخّ المزيد من النفط في الأسواق ولكنها بعد ثلاثة أشهر تراجعت عنه وقررت مع مجموعة أوبك خفض الإنتاج، القرار الذي قالت هآرتس إنه كان بمثابة “إهانة للبيت الأبيض”.
ويشير الكاتب في الصحيفة المرموقة إلى أن السعودية مؤخراً لم تخفِ نشاطها الدبلوماسي عن الأمريكيين ولا طلبت منهم الإذن ولا أخذت مخاوفهم بعين الاعتبار.
استراتيجية سعودية جديدة
يرى بارئيل أن المملكة تتبع مؤخراً استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، وأنها لم تعد خاضعة لأحلاف تبنيها أطراف دولية أخرى، وأنها ستبادر بطريقة مستقلة إلى التخطيط وإنجاز سياساتها التي يمكن أن تغير وجه المنطقة.
وحتى قبل إعادة تفعيل العلاقات مع طهران، كانت الرياض تحركت باتجاه تحسين علاقاتها مع تركيا التي خاض رئيسُها، رجب طيب إردوغان، حملة دولية كبيرة على السعودية إثر مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في مطلع أكتوبر 2018.
وأدى ذلك إلى دعم الاقتصاد التركي المتعثر.
ويشير المحلل السياسي، إلى أن دعوة سوريا إلى القمة العربية ليست فقط تسلسلاً منطقياً لإعادة تفعيل علاقات الرياض وطهران، ولكن الدعوة تندرج ضمن استراتيجية سعودية أوسع، تسعى إلى وضع حدّ للحروب والتوتر في منطقة الشرق الأوسط.
فبدل أن تستمر السعودية في قيادة تحالف مناوئ لإيران، اختار بن سلمان بناء “توازن في الردع” سيجبر إيران إلى حدّ ما على تنسيق سياساتها مع سياسات الدول العربية، خصوصاً السعودية، وتحصل بمقابله إيران على مكاسب سياسية تؤمنها المملكة.
والتطبيع المستجد للعلاقات يعطي إيران وسوريا شرعية عربية أكبر، وقد تتحول مستقبلاً إلى شرعية دولية. وتوازياً مع ذلك، قد يمنح هذا التطبيع السعودية الأدوات المطلوبة لإنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان والحرب في اليمن.
وتشير هآرتس، إلى أن الخطوة الكبيرة المقبلة ستكون تجديد العلاقات المصرية-الإيرانية.
ومن المتوقع أن يلتقي مسؤولون إيرانيون وسعوديون مجدداً في تموز/يوليو المقبل بعدما تمّ لقاء بينهما في آذار/مارس الماضي في بغداد وآخر في بكين في نيسان/أبريل.
وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، قال سابقاً إن يتوقع “كسر الجمود” في العلاقات بين طهران والقاهرة بينما بدأ محللون سياسيون في إيران الحديث عن لقاء بين الرئيسين المصري، عبد الفتاح السيسي، والإيراني إبراهيم رئيسي.
ولم تكن مصر، بحسب الصحيفة، لتخاطر بهذا اللقاء، من دون ضوء سعودي أهضر.
إسرائيل تراقب انهيار الحلف المناوئ لإيران
تشير هآرتس إلى أن إسرائيل تراقب انهيار الحلف القديم المناوئ لإيران بعد كل هذه التحركات الدبلوماسية المستجدة التي تقودها السعودية، لا بل أن تلّ أبيب أيضاً تشهد على انهيار نهج سياسي تقليدي مفاده أن حلفاء أمريكا في المنطقة لا يمكن أن يكونوا شركاء مع إيران.
ويضيف المحرر أن معادلة “إما أن تكون معنا أو ضدّنا” تتغيّر كلياً مؤخراً، والذي يقوم بتغييرها ليس الجانب الإسرائيلي إنما السعودي.
ومن المرجح أيضاً أن تؤدي الاستراتيجية السعودية الجديدة في الشرق الأوسط إلى تقييد حرية إسرائيل في العمل في سوريا. فسوريا التي استعادت عضويتها في جامعة الدول العربية، والتي على وشك تجديد العلاقات مع تركيا ولا تزال تتمتع بالدعم الروسي، قد تتمكن من حشد شركائها الجدد لإنهاء العمليات الإسرائيلية في أراضيها.
المصدر: يورو نيوز