توصلت دراسة جديدة قادها باحثون من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إلى أن البشر يحملون مادة وراثية من إنسان نياندرتال (الإنسان البدائي)، تؤثر على شكل أنوفنا.
وذكرت الدراسة الجديدة المنشورة في دورية “كومينكيشن بيولوجي” أن “جيناً معيناً، والذي يؤدي إلى أنف أطول من أعلى إلى أسفل، ربما يكون نتاجاً للانتقاء الطبيعي، إذ تكيف البشر القدامى مع المناخات الباردة بعد مغادرة إفريقيا”.
وحدد العلماء جينات معينة موروثة من إنسان نياندرتال، ويعتقد أن بعض هذه الجينات لعبت دوراً في تكيف الإنسان مع البيئات الجديدة.
وعلى سبيل المثال، تم ربط الحمض النووي لإنسان نياندرتال بسمات، مثل تصبغ الجلد والشعر والمناعة والتمثيل الغذائي.
ومع ذلك، فإن الوظائف الدقيقة للعديد من جينات الإنسان البدائي في الإنسان الحديث لا تزال غير مفهومة تماماً، ولا يزال البحث مستمراً لمعرفة أوجه التشابه الجيني مع أبناء عمومتنا من البشر القدامى، وفق الدراسة.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور كاوستوب أديكاري، وهو باحث علم الوراثة والتطور في جامعة كاليفورنيا، إنه في السنوات الـ15 الماضية، ومنذ تسلسل جينوم الإنسان البدائي “تمكنا من معرفة أن أسلافنا تزاوجوا على ما يبدو مع إنسان نياندرتال، ما يتركنا مع أجزاء صغيرة من حمضهم النووي”.
وأضاف: “هنا، نجد أن بعض الحمض النووي الموروث من إنسان نياندرتال يؤثر على شكل وجوهنا. كان من الممكن أن يكون هذا مفيداً لأسلافنا، إذ تم تناقله لآلاف الأجيال”.
وتشير الدراسات العلمية إلى أن البشر المعاصرين ورثوا كمية صغيرة من الحمض النووي من إنسان نياندرتال، من خلال التزاوج الذي حدث منذ عشرات الآلاف من السنين.
وتقدر الدراسات الحديثة أن البشر المعاصرين من أصل غير إفريقي، يحملون ما بين 1 إلى 4% من الحمض النووي لإنسان نياندرتال في جينومهم، في حين أن أولئك المنحدرين من أصل إفريقي لديهم حمض نووي أقل لإنسان نياندرتال.
ووفق بعض الدراسات، فإن تزاوجاً بين البشر المعاصرين وإنسان نياندرتال، حدث عندما هاجر البشر المعاصرون من إفريقيا والتقوا بإنسان نياندرتال في أوراسيا. بمرور الوقت، عندما تزاوج هؤلاء السكان، تم نقل بعض جينات الإنسان البدائي إلى الإنسان الحديث.
أكثر من 6 آلاف متطوع
واستخدمت الدراسة بيانات أكثر من 6 آلاف متطوع من جميع أنحاء أميركا اللاتينية، من أصول مختلطة من أوروبا وأميركا وإفريقيا.
وقارن الباحثون المعلومات الجينية من المشاركين بصور وجوههم، وتحديداً بالنظر إلى المسافات بين النقاط على وجوههم، مثل طرف الأنف أو حافة الشفاه، لمعرفة كيف ارتبطت سمات الوجه المختلفة بوجود علامات وراثية مختلفة.
وحدّد الباحثون 33 منطقة جينوم مرتبطة بشكل الوجه، 26 منها تمكنوا من رصدها في مقارنات مع بيانات من أعراق أخرى باستخدام مشاركين في شرق آسيا أو أوروبا أو إفريقيا.
وفي إحدى مناطق الجينوم على وجه الخصوص، والتي يطلق عليها “ATF3″، وجد الباحثون أن العديد من الأشخاص في دراستهم من أصل أميركي، بالإضافة إلى آخرين من أصل شرق آسيوي من مجموعة أخرى، لديهم مادة وراثية في هذا الجين موروثة من إنسان نياندرتال، ما يساهم في زيادة ارتفاع الأنف.
كما وجدوا أيضاً أن هذه المنطقة الجينية بها علامات على الانتقاء الطبيعي، ما يشير إلى أنها تمنح ميزة لأولئك الذين يحملون المادة الجينية.
والانتقاء الطبيعي هو العملية التي من خلالها تصبح بعض السمات أو الخصائص أكثر أو أقل شيوعاً في مجموعة سكانية بمرور الوقت، بسبب تأثيرها على البقاء والتكاثر.
التكيف مع المناخ
المؤلف الأول للدراسة تشينج لي، وهو باحث في جامعة فودان الصينية، قال إنه “لطالما تم التكهن بأن شكل أنوفنا يتم تحديده من خلال الانتقاء الطبيعي، نظراً لأن أنوفنا يمكن أن تساعدنا في تنظيم درجة حرارة ورطوبة الهواء الذي نتنفسه، فقد تكون الأنوف ذات الأشكال المختلفة مناسبة بشكل أفضل للمناخات المختلفة التي عاش فيها أسلافنا”.
وقد يكون الجين الذي حدده الباحثون في تلك الدراسة موروثاً من إنسان نياندرتال، لمساعدة البشر التكيف مع المناخات الباردة، حين انتقل البشر من إفريقيا.
واكتشف الفريق نفسه في ورقة بحثية تعود لعام 2021، أن الجين الذي يؤثر على شكل الشفاه موروث من إنسان دينيسوفان القديم.
وفي عام 2016، نشرت مجلة “ساينس” دراسة عن تحديد جين معين، يُعرف باسم “BNC2″، وُجد أنه مرتبط بشكل الأنف، إذ وجد الباحثون أن هذا الجين كان أكثر شيوعاً في الأشخاص المنحدرين من أصول أوروبية وآسيوية، أكثر من الأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي، وأنه كان موجوداً أيضاً في الحمض النووي لإنسان نياندرتال.
وبينما تشير هذه النتيجة إلى أنه قد يكون هناك رابط بين شكل الأنف والحمض النووي لإنسان نياندرتال، فمن المهم ملاحظة أن شكل الأنف هو سمة معقدة تتأثر بالعديد من الجينات، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لفهم دور الحمض النووي لإنسان نياندرتال، الذي قد يلعب دوراً في تحديد شكل الأنف.
اقرأ أيضاً: