بعد أيام قليلة من استحواذ “جي بي مورغان” على “فيرست ريبليك” لإنقاذه من الإفلاس، تطل أزمة جديدة برأسها على القطاع المصرفي بالولايات المتحدة الأميركية، حيث لا تزال المخاوف قائمة وبقوة من امتداد “تأثير الدومينو” ليشمل بنوكاً أخرى صغيرة ومتوسطة، من بينها باك ويست الذي “ربما يكون الرابع في سلسلة الانهيارات” التي بدأت منذ مارس الماضي.. فما القصة؟
هوت أسهم باك ويست (باك ويست) منذ مارس الماضي بنحو 90 بالمئة من قيمتها، وفي تعاملات أمس الأربعاء، فقط هوى السهم بأكثر من 56 بالمئة في تداولات ما بعد الإغلاق ببورصة وول ستريت، وذلك في وقتٍ يتجه فيه البنك إلى دراسة “خيارات استراتيجية” جديدة.
ونقلت تقارير عن مصادر مُطلعة أن البنك قد كلَّفَ بنك الاستثمار Piper Sandler من أجل مساعدة باك ويست في استكشاف تلك الخيارات الاستراتيجية، بما في ذلك خيار “البيع”، موضحين في الوقت نفسه أنه “لم يتم الشروع في أية عملية بيع رسمية بعد، وأن البنك يفكر أيضاً في زيادة رأس المال”.
بذلك، يعتبر باك ويست هو أحدث بنك أميركي (متوسط الحجم) يسعى للحصول على “شريان حياة مالي” وسط أسوأ أزمة منذ العام 2008.
قال البنك في بيان له إنه يبحث “جميع الخيارات”.
تأتي تلك الأزمة، بعد ستة أسابيع من إعلان باك ويست عن جمع 1.4 مليار دولار من خلال تسهيل إقراض من مجموعة الاستثمار Atlas SP Partners.
تبلغ القيمة السوقية لشركة باك ويست ومقرها لوس أنجلوس، حوالي 750 مليون دولار.
تشابه مع حالة سيلكون فالي
- لفت باك ويست الانتباه السلبي بسبب تشابه وضعه مع “سيلكون فالي” الذي انهار في مارس، على أساس العلاقة مع “المجتمع التكنولوجي”، وكذلك حجم الودائع “غير المؤمن عليها” والخسائر الورقية غير المحققة في محفظته من الأوراق المالية.
- خسر بنك باك ويست أكثر من 5 مليارات دولار من الودائع خلال الربع الأول (بحسب بيانات رسمية).
- أوقف باك ويست التدفقات الخارجة، وحصل على أكثر من مليار دولار في شكل تدفقات منذ مارس. وفي تحديث يوم الأربعاء، ذكر البنك أن إجمالي الودائع بلغ 28 مليار دولار اعتباراً من 2 مايو، وهو معدل أقل بكثير من سيلكون فالي وفيرست ريبابليك.
- لكن البنك قال إن “السيولة النقدية المتوفرة لدينا لا تزال قوية” وأن 75 بالمئة من الودائع يغطيها التأمين الفيدرالي ، مقارنة بـ 71 بالمئة في نهاية الربع.
- وتراجعت أسهم البنك بنسبة 77 بالمئة منذ بداية شهر مارس.
تأثير الدومينو مستمر
المدير التنفيذي لشركة فيرجن انترناشيونال ماركتس vi markets، أحمد معطي، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ما يشهده حالياً بنك باك ويست يؤكد احتمالية امتداد “تأثير الدومينو” في ضوء تزايد المخاوف المرتبطة بالبنوك الصغيرة والمتوسطة بالولايات المتحدة.
ويردف: “هذه المخاوف أكد عليها الفيدرالي الأميركي ضمنياً خلال تصريحاته (الأربعاء)، رغم تأكيده على قوة النظام المصرفي بالبلاد وأن البنوك الكبرى آمنة”، مشيراً إلى أن أعضاء الفيدرالي أقروا بحقيقة الأزمة التي تواجهها البنوك الصغيرة والمتوسطة، وأرجعوها إلى “سوء الإدارة” وليس بسبب أزمة بالقطاع المصرفي ككل.
واستدل على ذلك ببنك “سيلكون فالي”، والذي لم يكن لديه مدير للمخاطر، وعمل بدون شروط ائتمانية قوية، كما اعتمد على الاستثمار في سندات الخزانة الأميركية (في ظل ارتفاع معدلات الفائدة) ليتكبد خسائر واسعة عندما بدأت عوائد السندات تتراجع عن 3.5 بالمئة.
ويضيف: “في ظل كل ما حدث (بدءاً من انهيار سيلكون فالي ثم سيغنيتشر وأخيراً فيرست ريبابليك بنك) فمن الطبيعي أن يثير ذلك مخاوف المستثمرين تلقائياً، خاصة فيما يتعلق بالبنوك الصغيرة والمتوسطة التي تواجه نفس المخاطر، وبالتالي يُمكن فعلياً أن تشهد الأيام المقبلة تعثر باك ويست ليكون الرابع في هذه السلسلة، وبنوك أخرى لا يُمكن استبعادها أيضاً”.
وحول مدى انعكاس ذلك على الأسواق، يعتقد المدير التنفيذي لشركة فيرجن انترناشيونال ماركتس vi markets، بأن “الانعكاس سيكون طفيفاً حال تعثر باك ويست ولن يكون مثل تأثير سيلكون فالي”، معتبراً أن تبعات الأزمة الراهنة لن تصل إلى انعكاسات وتأثير أزمة الرهن العقاري “حتى إذا حدث تأثير الدومينو، فإنه يشمل بنوك صغيرة ومتوسط.. التخوف الأكبر من أن يشمل هذا التأثير بنوك كبيرة، بينما الفيدرالي يؤكد قوتها وأنها آمنة”.
تأثير أزمة المصارف على السياسة النقدية
وفي سياق ذي صلة، يتحدث أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، أريس بروتوباباداكيس، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بشكل عام، عن تأثير الأزمات التي تهدد مصارف أميركية على ذلك النحو، على خيارات السياسة النقدية والمالية في المرحلة المقبلة، ويشير إلى أن:
- القضايا المصرفية التي يصرخ بشأنها القطاع المالي هي مجرد “ضجيج من بعض الأطراف التي تحاول التأثير على الاحتياطي الفيدرالي”.
- لن يتم تخريب هدف التضخم لبنك الاحتياطي الفيدرالي من قبل عدد قليل من البنوك “غير الحكيمة” التي لا يبدو أنها لاحظت أنه إذا كانت أسعار الفائدة تغذي القاع بالقرب من الصفر، فلن يكون لديهم مكان يذهبون إليه إلا عندما يقرر الاحتياطي الفيدرالي التعامل مع التضخم.
ويضيف: “إلى جانب ذلك، هناك طرق مناسبة للتعامل مع البنوك الفاشلة، لكنّ تخفيف السياسة النقدية ليس من بينها”.
ويشير إلى أنه “كانت هناك قاعدة شائعة تم استخدامها لفهم سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهي قاعدة تايلور (..)”، لافتاً إلى أن “السياسة النقدية ليست صارمة للغاية حتى الآن، وأن “الاحتياطي الفيدرالي يستخدم القفازات المخملية في الاقتصاد بدلاً من القبضة الحديدية!”، بحسب تعبيره.
وفيما يلفت إلى أن “الاقتصاد الأميركي لا يزال قوياً، بينما معدل التضخم أعلى بكثير من المستهدف”، فإنه يقول: “نأمل أن يتمكنوا (مسؤولو السياسة النقدية) من خفض التضخم بشكل أكبر دون حدوث ركود كبير.. من المحتمل أن يكون هناك المزيد من التضييق”.
ورفع الفيدرالي سعر الفائدة 25 نقطة أساس بما يتفق مع توقعات الأسواق، لكن بيان السياسة النقدية حذف عبارة كانت موجودة في البيان السابق تشير إلى أن “اللجنة تتوقع أن بعض التشديد الإضافي للسياسة قد يكون مناسبًا للوصول لمستهدف التضخم البالغ 2بالمئة”.
وذكر البنك: “ستقوم لجنة السوق المفتوحة بمراقبة المعلومات الواردة عن كثب، وتقييم الآثار المترتبة على السياسة النقدية، مع الأخذ في الاعتبار التشديد التراكمي للسياسة”.
المصدر: سكاي نيوز عربية