بينما يتسابق الأجانب لشراء منازل قديمة وغير مكلفة في إيطاليا، خطت مجموعة واحدة خطوة إلى الأمام، حيث ساهمت في إحياء بلدة مهجورة من السكان.
وتقع إرسينا في عمق منطقة بازيليكاتا الجنوبية، وتُعد موطنًا لأكثر من 300 شخص مغترب من 12 دولة مختلفة، إلى جانب 4 آلاف من السكان المحليين.
وحتى الستينيات من القرن الماضي، كانت هذه القرية الواقعة على قمة تل يبلغ عدد سكانها 12 ألف نسمة، لكن بسبب الهجرة الجماعية، مصحوبة بظروف معيشية قاسية، بالكاد بقي 4،500 شخص في المركز التاريخي القديم بحلول الستينيات.
أما اليوم، تُعتبر إرسينا بمثابة جنة للمغتربين، وغالبيتهم من المتقاعدين والمهاجرين الأمريكيين الذين يعيشون الحلم الإيطالي الريفي.
وقامت أكثر من 15 عائلة من الولايات المتحدة وكندا بشراء عقارات قديمة في هذه القرية النائية، والمعروفة بحقول القمح وبساتين الزيتون.
واستمروا في شراء المنازل وتوسيع ممتلكاتهم، والتحدّث عن هذا الموقع الحالم الذي يبدو وكأن الزمن توقف به.
وفي كل مرة يعودون فيها، يجلبون معهم أقاربهم وأصدقائهم، الذين يقومون بإنفاق ما بين 20 ألف و150 ألف يورو (22 ألف دولار إلى 165 ألف دولار) من أجل امتلاك مسكن فسيح مع إطلالات ريفية.
وعند المشي على طول الأزقة الضيقة، يمكن سماع لهجات ولغات مختلفة، مثل الأمريكية، والكندية، والفرنسية، والنرويجية.
وعلى سبيل المثال، هناك طريق أعاد السكان المحليون تسميته بـ”الشارع البلجيكي” نظرًا للعديد من البلجيكيين الذين يعيشون هناك.
ويعود تاريخ إرسينا إلى عصور ما قبل التاريخ، عندما كان يسكنها البشر الأوائل، ثم القبائل المحلية فيما بعد.
ولا تزال التحف الأثرية، مثل الأدوات والأسلحة والخزف التي استخدمها رجال الكهوف، معروضة في متحف البلدة.
ويُعد الحي القديم، المحاط بجدران عالية، أشبه بمتاهة من البوابات الحجرية المزخرفة وأبراج المراقبة التي تعود للقرون الوسطى، ويحتضن كذلك القصور الأنيقة التي كانت تنتمي إلى الطبقة البرجوازية الريفية الغنية.
لكن الشوارع الضيقة الخالية من السيارات، والتي يفضلها الأجانب، ليست ما يريده السكان المحليون، الذين انتقلوا في الستينيات إلى أحياء جديدة في البلدة، وتركوا المركز التاريخي فارغًا إلى حد كبير.
وتشتهر إرسينا بالأنفاق الجوفية التي كانت تنقل المياه إلى صهاريج البلدة.
وتشهد كذلك تقليدًا سنويًا يتمثل في “الأبراج البشرية”، التي تُعد بمثابة تجسيد للهرم الاجتماعي في الماضي، حيث يرتدي ممثلون زي المزارعين ويقفزون على أكتاف آخرين يرتدون زي طبقة النبلاء الريفية.
وتشتهر البلدة أيضًا بأطباقها الغنية مثل طبق المعكرونة المصنوعة يدويًا مع التين المطبوخ في النبيذ والفلفل الحلو.
كيف وصل الأجانب إلى هنا
ورغم أن الحياة في إرسينا ليست مثالية دومًا، بسبب فصول الشتاء الثلجية التي تعزل البلدة لأيام، يقول المهاجرون هنا إنهم يعيشون الحلم.
وكانت ساندي ويبستر، وهي كاتبة تبلغ من العمر 63 عامًا من سان دييغو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، أول أجنبية تشتري منزلاً في إرسينا.
وقد أتت ويبستر إلى هنا في إجازة عام 2004، برفقة زوجها كيث، البالغ من العمر 69 عامًا، وهو مدير مالي اسكتلندي. وسرعان ما وقع الزوجان في حب القرية، واشتريا منزلًا قديمًا بجدران حجرية سميكة وأثاث عتيق وأرضيات قديمة من بلاط المايوليكا، وقضيا 4 سنوات في تجديده. ثم انتقلا للعيش هنا من لندن في عام 2012.
وقالت ويبستر لشبكة CNN: “في عام 1989، زرت سورينتو وأحببت إيطاليا وأردت شراء منزل في بلد متوسطي، إما في إسبانيا أو إيطاليا”.
وبعد سنوات، عندما خاض الزوجان جولة في منطقة بازيليكاتا بمناسبة عيد ميلاد كيث الخمسين، تلقت إشعارًا عبر الإنترنت خاصًا بالممتلكات عن منزل في إرسينا.
وتتذكر ويبستر: “سافرنا بالسيارة إلى الريف، بعيدا عن أشكال الحضارة، حتى وصلنا إلى إرسينا الساحرة. كان هناك فندقا واحدا فقط في ذلك الوقت، وكان مفتوحًا لبضعة أيام في السنة، أما الآن هناك الكثير من أماكن المبيت والفطور”.
ويحتوي منزل ويبستر، المصنوع من الحجر الوردي، على أربعة تراسات بانورامية، ويطل على ساحة صغيرة مشمسة في الجزء الأقدم من منطقة القرية.
وقد تبلغ كلفة تجديد المنزل نحو أربعة أضعاف تكلفة الشراء.
ورغم أن غلاء أسلوب الحياة ليس أقل بكثير مقارنة بالمملكة المتحدة، إلا أنّ تكلفة الطعام هنا أرخص، حسبما ذكرته.
وأضافت ويبستر: “قمنا بتحويل العليّة إلى شقة للضيوف، واحتفظنا بغرفة المعيشة الأصلية الضخمة. وكانت الإصلاحات ستكلفنا مليون دولار في لندن”.
وغالبًا ما يتلقّى الثنائي الزوار من أفراد العائلة والأصدقاء، كما أن المنزل يتميز بموقعه الذي يبعد أقل من ساعتين بالسيارة من شواطئ ميتابونتو في بازيليكاتا.
وتقع القرية على هضبة مرتفعة، إلا أنّ ممراتها تُعد مثالية للمشي خاصة لفئة كبار السن، إذ لا توجد خطوات شديدة الانحدار.
وبالنسبة لويبستر، تتمثل العقبة الوحيدة في التواصل، إذ أنها وزوجها لا يجيدان التحدث باللغة الإيطالية.
وسرعان ما انتشر خبر عن هذه البلدة بفضل شركة محلية من السباكين والمهندسين المعماريين الذين قاموا بتوحيد جهودهم وأعلنوا عن منازل عطلات محتملة عبر الإنترنت.
ومع ذلك، فإن الكثير من جاذبية إرسينا العالمية لها علاقة بالنسب.
وتُعد تيفاني داي، وهي مستشارة مالية سابقة تبلغ من العمر 50 عامًا من ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية، بمثابة سفيرة غير رسمية لإرسينا في الولايات المتحدة.
وبعد شراء خمسة منازل لعائلتها الممتدة (لديها خمسة أطفال وثمانية أحفاد)، فإنها في كل مرة تزور فيها المنطقة مع زوجها روب، تجلب معها المزيد من الأصدقاء الأمريكيين لشراء ممتلكات في القرية.
أما السبب، فيتمثل في جذورها، إذ تنحدر جدة داي من إرسينا، ولا يزال لديها أقارب في القرية – مثل خالتها أنتونيتا، التي تعرف جميع المغتربين.
وتحب داي إقامة حفلات “مختلطة” ضخمة على الشرفة البانورامية الأنيقة لمنزلها الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، حيث يختلط السكان المحليون مع الجالية الأمريكية هناك.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، من المقرر حضور 200 ضيف للاحتفال بزفاف ابنها هانتر، الذي اشترى والدا زوجته أيضًا منزلاً في البلدة.