تخلّت الحكومة المصرية عن إلزام الفلاحين على توريد حصص محددة من محاصيلهم من القمح إلى وزارة التموين، بالتزامن مع بدء موسم الحصاد منتصف أبريل/نيسان الماضي.
ويأتي هذا القرار بعد زيادة سعر توريد القمح بمقدار 50% إلى 1500 جنيهٍ للإردب (الإردب يعادل 150 كغم)، بدلا من ألف جنيه (الدولار يساوي نحو 31 جنيها).
في المقابل، وضعت مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، قيودا على التصرف في محاصيل القمح المحلي، إذ أصدرت للمرة الأولى قرارا يحظر استخدامه علفا للأسماك أو دخوله في العلف الحيواني، وتوعدت السلطات باتخاذ إجراءات قانونية حال مخالفة التعليمات.
كما حظرت وزارة التموين نقل القمح المحلي لموسم حصاد 2023 من مكان إلى آخر إلا بموافقة من مديرية التموين، واقتصار تسويقه على الشركة المصرية القابضة للصوامع والشركة العامة للصوامع وشركات المطاحن التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية والبنك الزراعي المصري.
كما وجّه القرار أصحاب مطاحن القطاع الخاص والمنتجة للدقيق الحرّ تدبير احتياجاتهم من القمح المستورد، وحظر عليهم استخدام القمح المحلي في موسم التسويق إلا بتصريح من وزارة التموين والتجارة الداخلية.
وكانت وزارة التموين ألزمت المزارعين بتوريد كامل محاصيل القمح إليها الموسم الماضي، وعدم التصرف بأي كمية من دون تصريح، وأقرّت عدة إجراءات مثل تخصيص حد أدنى للبيع، وحظر البيع لأطراف ثالثة من دون ترخيص، وتوعدت بعدم صرف السماد المدعم لموسم الزراعة الصيفي لمن يورد أقل من 60% من محصوله، والسجن من عام إلى 5 أعوام للمخالفين.
كما حددت الحكومة حينها سعر شراء إردب القمح بما بين 865 و885 جنيها، بزيادة قدرها 65 جنيها عن السعر المعلن قبل أزمة القمح العالمية، كحافز للفلاح.
ويساوي الطن المتري 6.66 أرادب، أي نحو 5800 جنيه (حوالي 316 دولارا) رغم مطالب المزارعين حينها بسعر لا يقل عن ألف جنيه للإردب.
إجراءات احترازية وأسعار عادلة
مدير معهد بحوث المحاصيل الحقلية الدكتور رضا محمد علي، وصف قرارات الحكومة لتأمين توريد القمح إلى صوامعها بأنها “إجراءات احترازية”، مشيرا إلى أن “سعر توريد القمح مربح للفلاحين هذا العام، بعد زيادته إلى 1500 جنيه للإردب”.
وأوضح للجزيرة نت أن مصر تستورد نحو 50% من احتياجاتها من القمح من الخارج، وتستهلك نحو 20 مليون طن سنويا، وتستخدم نحو 9 ملايين لإنتاج الخبز المدعم على بطاقات التموين، وتؤمّن الجزء الآخر من خلال زراعة 3.2 ملايين فدان من إجمالي 10 ملايين فدان وإنتاج نحو 10 ملايين طن.
وقال علي، وهو أيضا رئيس الحملة القومية للحفاظ على القمح، أن بلاده نجحت في تخطي الأزمات العالمية كجائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، دون الوقوع في أزمة نقص مخزون القمح، بفضل سياسة الدولة في تأمين السلع الإستراتيجية.
وكشف أن مساحة الأرض المزروعة بالقمح تتزايد بشكل تدريجي، حيث تتوسع الحكومة في زراعته في العديد من المناطق الجديدة مثل توشكى الخير ومستقبل مصر وشرق العوينات وشمال ووسط سيناء وغيرها؛ لتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي بنحو 55% إلى 60%، والوصول بالمساحة المزروعة إلى 4 ملايين فدان خلال عام 2025، وتقليل فاتورة استيراد القمح.
الاحتياطي والكميات المستهدفة
من جانبه، كشف وزير التموين علي المصيلحي، خلال مؤتمر صحفي عقد السبت الماضي، أن احتياطي القمح يكفي حتى 5 يوليو/تموز المقبل، مع استمرار عمليات الاستيراد وتوريد القمح المحلي الذي حقق حتى الآن معدلات توريد عالية مقارنة بالعام الماضي.
ويتراوح حجم إنتاج مصر من القمح المحلي بين 8.5 و9 ملايين طن سنويا أغلبه من أصحاب الحيازات الصغيرة، بحسب المصيلحي، مشيرا إلى أن الحكومة تستهدف توريد نحو 50% من حجم الإنتاج، أي ما بين 3.8 ملايين و4 ملايين طن من القمح المحلي.
وتبلغ حاجة البلاد من القمح سنويا 20 مليون طن، من بينها نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم (نحو 270 مليون رغيف يوميا)، ويُصرف على البطاقات التموينية لنحو 71 مليون مواطن.
في مثل هذه الأيام من كل عام، يتراجع المخزون الإستراتيجي من القمح إلى مستويات متدنية استعدادا لاستلام حصاد القمح المحلي، لكنه هبط الشهر الماضي إلى أدنى مستوى له عند 70 يوما (2.3 شهر)، قبل أن يرتفع قليلا إلى نحو 80 يوما (2.6 شهر).
إلا أن الحكومة المصرية تبدو مطمئنة لجمع الكميات المستهدفة هذا الموسم من خلال سعر التوريد المرتفع، بعد أن واجهات صعوبات في جمع الكميات المطلوبة الموسم الماضي بسبب تدني أسعار استلام القمح الرسمية، بحسب متعاملين في السوق.
وكلفت الزيادة الجديدة الحكومة 19 مليار جنيه، بنسبة زيادة بلغت 74%، وبلغ إجمالي ما تم تخصيصه لشراء القمح المحلي 45 مليار جنيه، (نحو 1.5 مليار دولار)، اعتبارًا من أول أبريل/نيسان الماضي إلى منتصف أغسطس/آب المقبل.
استخدام القمح علفا
وفي شأنٍ متّصل، استبعد نقيب المنتجين الزراعيين فريد واصل أن يتم استخدام القمح من قبل مصانع الأعلاف علفا حيوانيا؛ بسبب ارتفاع أسعار الذرة التي تجاوزت 20 ألفا للطن مقابل نحو 10 آلاف للقمح، وقال: “مثل هذه الأقاويل الرائجة على بعض المواقع الإخبارية ليست صحيحة، وإذا حدث ذلك فهو بشكل جزئي لا يؤثر على إجمالي محصول القمح، ولم نلمس استخدامه علفا في الريف من حولنا”.
واعتبر في حديثه للجزيرة نت، أن النخالة التي يتم استخلاصها من القمح لا يمكن الاعتماد عليها علفا رئيسيا للمواشي أو الدواجن؛ لأنها لا تغطي نسبة البروتين الاعتيادية التي تحتاجها في النمو وعملية التسمين.
وتوقع واصل أن تنجح الحكومة في جمع مستهدفاتها من القمح، على الرغم من أن توريد القمح هذا العام اختياري وليس إجباريا كالعام الماضي، حيث تحتاج نحو 10 ملايين طن سنويا لإنتاج رغيف الخبز المدعم، وتحصل على نحو 6 ملايين طن من الفلاحين والباقي تستورده من الخارج، مشيرا إلى أن هناك حرصا كبيرا من الدولة على زيادة مساحة القمح وزيادة أسعار توريده لتشجيع الفلاحين.
وتستورد مصر ما يقرب من 80% من إجمالي وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، بواقع 50% من روسيا و30% من أوكرانيا، وبلغت فاتورة واردات القمح 4.2 مليارات دولار العام الماضي، وفقا لبيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء.
المصدر : الجزيرة