تستعد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لفرض عقوبات جديدة على طرفي الصراع في السودان، وذلك وفقاً لما نقلته مجلة “فورين بوليسي”، عن 4 مسؤولين حاليين وسابقين مطلعين على الأمر.
وتهدف حزمة العقوبات، التي لا تزال قيد الصياغة، إلى استهداف أفراد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حيث يتنافس قادة الطرفين للسيطرة على البلاد.
ويُمكن للعقوبات، إذا تم الانتهاء منها وتنفيذها، بحسب المجلة، أن “تُوجه صفعة قوية إلى قادة طرفي الصراع المسلح الذين جروا بلادهم إلى الصراع وأخرجوا عملية الانتقال المستمرة منذ سنوات إلى الديمقراطية عن مسارها”.
ومع ذلك، يخشى بعض المسؤولين الأميركيين من أن حزم العقوبات الجديدة قد تكون قليلة جداً ومتأخرة كثيراً، وسط نقاش أوسع داخل إدارة بايدن بشأن ما إذا كانت “مترددة للغاية”، إزاء برامج العقوبات ضد منتهكي حقوق الإنسان في إفريقيا.
وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية رداً على ذلك “نحن لا نستعرض العقوبات المحتملة بشكل عام. نحن ننظر في مجموعة كاملة من الخيارات المتاحة لنا، ونعمل مع شركائنا لضمان تنسيق الاستجابة واتساقها حيثما أمكن ذلك”.
انتقادات للولايات المتحدة
وانتقد النشطاء المؤيدون للديمقراطية في السودان، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية الولايات المتحدة ودوللاً غربية أخرى لعدم تنفيذها عقوبات ضد القادة العسكريين في السودان في السنوات الأخيرة، ولاسيما في أعقاب ما يُعرف بـ”مجزرة القيادة العامة” بحق متظاهرين في العاصمة الخرطوم، وكذلك بعد إجراءات الجيش عام 2021 التي “قلبت جهود السودان للانتقال إلى الديمقراطية”، وفقاً للمجلة.
وأشارت المجلة إلى أن الانتقادات تعكس تلك الموجهة ضد إدارة بايدن، لرفضها إصدار أي عقوبات ضد مسؤولي الحكومة الإثيوبية “حيث شهدت البلاد فظائع وحملات تطهير عرقي خلال حرب استمرت عامين ربما تكون قد أودت بحياة ما يصل إلى 600 ألف شخص”.
وتحالف قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) ضد الحكومة المدنية في أكتوبر 2021، مما أدى إلى عرقلة الجهود الرامية إلى نقل البلاد إلى الديمقراطية بعد سنوات من الحكم الاستبدادي والصراع، وفق المجلة.
وبينما احتجت واشنطن آنذاك بشدة على ما وصفته بـ”الانقلاب”، جادل مسؤولون رفيعو المستوى في إدارة بايدن، بمن فيهم مبعوثة وزارة الخارجية للشؤون الإفريقية، مولي في، ضد إصدار عقوبات على كبار الشخصيات في القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع، إذ سعت واشنطن إلى جلب كلا الفصيلين إلى طاولة المفاوضات لاستعادة مسار السودان إلى حكومة يقودها مدنيون، حسبما قال العديد من المسؤولين.
وأثارت الجهود الرامية إلى إبطاء العقوبات رد فعل عنيف من بعض المسؤولين داخل الإدارة الأميركية وكذلك منظمات المجتمع المدني، التي قالت إن التزامات واشنطن المعلنة بالانتقال الديمقراطي في السودان سينظر إليها على أنها خطاب أجوف إذا لم تصدر انتقاماً من الانقلاب.
وفي مارس من العام الماضي، أصدرت الإدارة الأميركية عقوبات ضد قوة الشرطة الاحتياطية المركزية السودانية لدورها في حملة قمع عنيفة ضد المتظاهرين السلميين المؤيدين للديمقراطية، لكن الإدارة لم تُصدر أبداً عقوبات على القادة العسكريين الذين أطاحوا بحكومة عبد الله حمدوك.
وصاغ مسؤولو إدارة بايدن أمراً تنفيذياً للعقوبات المتعلقة بالسودان بعد وقت قصير من إجراءات الجيش في أكتوبر 2021، لكن لم يتم إصداره أبداً، كما قال المسؤولون لـ”فورين بوليسي”.
وتحدث جميع المسؤولين شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، لأنهم غير مخولين بالتحدث إلى الصحافة.
المجلة نقلت عن الخبير بشؤون المنطقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية كاميرون هدسون، أن إدارة الرئيس الأميركي بايدن “هددت بفرض عقوبات في الماضي ولم تنفذها، أو أن العقوبات التي نفذتها عاجزة تماماً. لذلك فقدت الكثير من المصداقية”.
وأصدر السيناتور الأميركي جيم ريش، كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بياناً حث فيه إدارة بايدن على محاسبة المجلس العسكري في السودان بفرض عقوبات على “انتهاكات حقوق الإنسان والفساد والأعمال المعادية للديمقراطية”.
عامل ضغط على البرهان وحميدتي
حزمة العقوبات الجديدة هذه يُمكن أن تكون، بحسب المجلة الأميركية، عامل ضغط لحمل كل من البرهان وحميدتي على التوقف عن القتال، لاسيما أن المعارك تُشكل ضغطاً على الوضع الاقتصادي والإنساني، إذ ينفد الطعام والماء من السودانيين المحاصرين الذين يحتمون من النزاع.
كما تتدفق التقارير عن قيام مقاتلي قوات الدعم السريع، باستهداف المدنيين أو الاعتداء عليهم ونهب المنازل، بما في ذلك المجمعات الدبلوماسية الأجنبية، بحسب “فورين بوليسي”.
وذكرت المجلة أن القتال أسفر عن مصرع ما يقدر بنحو 300 شخص وإصابة 3 آلاف آخرين.
ودفع الصراع في السودان، واشنطن وعواصم أجنبية أخرى إلى وضع خطط إجلاء لموظفيها الحكوميين من السودان، على الرغم من أن بعض المسؤولين يتساءلون عما إذا كان يمكن تنفيذ مثل هذا الإجلاء بأمان وسط القتال وإغلاق مطار الخرطوم.
كما امتد الصراع إلى مناطق أخرى من السودان، بما في ذلك دارفور، حيث يواجه ما يقدر بنحو 1.6 مليون نازح داخلياً بالفعل انعدام الأمن وأزمة إنسانية.
وبحسب المجلة، تصاعدت التوترات بين البرهان وحميدتي منذ إجراءات الجيش عام 2021، والتي تفاقمت بسبب اتفاق سياسي وقعه الجنرالان في ديسمبر وافقا فيه على ضم قوات الدعم السريع إلى القوات المسلحة السودانية.
والتقى البرهان وحميدتي مع المفاوضين الأميركيين والبريطانيين لمناقشة الصفقات السياسية في الأيام التي سبقت الحرب بينهما، بينما قاموا في نفس الوقت بنشر قواتهما العسكرية الخاصة حول الخرطوم.
وقال محمد عثمان من منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن “الكثيرين قد يقولون إن الكتابة كانت على الحائط، حيث كان هناك تكديس للأسلحة وتعبئة، وحركة للقوات قبل 48 إلى 72 ساعة من اندلاع القتال في الخرطوم”.
وقال مسؤولون إن مبعوثة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون الإفريقية، مولي في، تولت زمام سياسة الولايات المتحدة بشأن السودان وضغطت على واشنطن لمواصلة التعامل مع البرهان وحميدتي، حتى في الوقت الذي أدت فيه المفاوضات الدولية بين القائدين العسكريين إلى تهميش المنظمات المؤيدة للديمقراطية في السودان وقادة المجتمع المدني.
كما أعربت مولي في، عن خشيتها من أن العقوبات لن تكون فعالة ويمكن أن تدفع البرهان وحميدتي أقرب إلى مدار القوى الأخرى التي تتنافس على النفوذ في السودان، بما في ذلك روسيا، حسبما قال المسؤولون الذين تحدثوا إلى “فورين بوليسي”.
وهناك تقارير تتحدث عن وجود علاقات بين قوات الدعم السريع ومجموعة “فاغنر” الروسية، وهي جماعة مرتزقة تعمل في أوكرانيا والشرق الأوسط وإفريقيا.
وفي واشنطن، شكلت إدارة بايدن فرقة عمل طارئة بشأن السودان، وتحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن بشكل منفصل مع كل من البرهان وحميدتي في الأيام الأخيرة لمحاولة وضع حد للقتال. وأطلع كبار مسؤولي إدارة بايدن، بمن فيهم مولي في، الكونجرس على الأزمة والاستجابة الأميركية.
وقالت السفارة الأميركية في الخرطوم في بيان مشترك صدر، الأربعاء، مع عشرات الدول الحليفة الأخرى والاتحاد الأوروبي “يجب على القادة العسكريين السودانيين الدخول في حوار دون تأخير. لقد عرّضت أفعالهم في جميع أنحاء السودان عدداً لا يحصى من الأشخاص للخطر، وانتكست دعوة الشعب السوداني المشروعة للانتقال الديمقراطي السلمي”.
وأضاف البيان أن “عدم قدرة العاملين في المجال الإنساني على العمل بأمان يُؤثر على ملايين السودانيين الضعفاء بالفعل، بمن فيهم أولئك الذين نزحوا الآن بسبب القتال المستمر”.
المصدر: الشرق