رايت رايتس

قصة الانتفاضة الأولى ضد النظام النازي… “غيتو وارسو”

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 7 دقيقة قراءة
7 دقيقة قراءة
الغيتو وارسو

في 19 أبريل 1943، بدأت الانتفاضة الأولى ضد النظام النازي. قاوم مئات اليهود قوات الوحدات النازية الخاصة “إس إس”، في الحي اليهودي “الغيتو” في وارسو، في الذكرى الـ 80 للانتفاضة تحكي ناجية من الموت عن معايشتها في تلك الحقبة.

- مساحة اعلانية-

كانت تبلغ من العمر أحد عشر عاماً فقط عندما شهدت الانتفاضة في غيتو وارسو.

 لم تر كريستينا بودنيكا المعارك بعينيها، لكنها شعرت بثقلها وحرارتها على جسدها، تقول العجوز البالغة من العمر 91 عاماً: “دبت النار في كل شيء، لذا أصبحت الأرض في المخبأ شديدة الحرارة لدرجة أننا اضطررنا للهروب إلى المجاري حتى نبرد أنفسنا.

- مساحة اعلانية-

لعدة أيام كنا نسير ذهاباً وإياباً عبر النفق الصغير في المجاري القذرة، حيث كانت الجثث تطفو”، وتتابع بودنيكا: “وعندما أدرك الألمان أن المجاري كانت تُستخدم كطرق للفرار، أخذوا بإطلاق النار كلما برز رأس من نهاية مجاري الصرف الصحي”.

كانت كريستينا بودنيكا الأصغر بين ثمانية أطفال.

قتل شقيقاها البكر في غرف الغاز في تريبلينكا في عام 1942، وكان والدها نجاراً وقرر ألا يقف مكتوف الأيدي.

- مساحة اعلانية-

تقول الناجية من الهولوكوست: “بدأ مع الأبناء المتبقين في بناء مخبأ تحت قبو منزلنا”.

اختبأت الأسرة هناك في بداية عام 1943. كان المخبأ متصلاً بشبكة الصرف الصحي عن طريق نفق وفي البداية كان مزوداً بتوصيلات المياه والكهرباء، وكانت الأسرة تأمل في الهروب ذات يوم عبر قنوات المجاري.

الكفاح من أجل كرامة الإنسان

كان عند بودنيكا ستة أشقاء من الذكور، بعد قتل اثنين منهم، اعتنى الأبناء الباقون بالعائلة؛ إذ كانا يخرجان من المخبأ ويشاركان بالانتفاضة ويجلبان الطعام للمخبأ.

ذات يوم، خرج شقيقان منهما من القناة وأصيبا بالرصاص. تقول كريستينا بودنيكا عن المتمردين: “كان قتالهم من أجل كرامتنا. أراد الألمان حرماننا نحن اليهود من إنسانيتنا. أظهرت هذه المقاومة أنهم لم ينجحوا في مرماهم”.

تم إنشاء “غيتو” اليهود في وارسو عام 1940 في الحي اليهودي بالمدينة. قبل موجة الترحيل إلى معسكرات الإبادة عام 1942، كان هناك ما يصل إلى 400 ألف يهودي يعيشون هناك، وبعد ذلك بقي حوالي 60 ألف شخص فقط في المنطقة المحاطة بالجدران. في أوائل عام 1943، أمر رئيس قوات “إس إس”، الجناح العسكري للحزب النازي، هاينريش هيملر، بالتصفية النهائية للغيتو.

حتى ذلك الحين، كان معظم اليهود يرفضون المقاومة المسلحة لأسباب دينية. ولكن عند بدء آخر عمليات الترحيل الجماعي، قرر مئات الشباب اليهود القتال.

الانتحار الجماعي

في 19 نيسان/أبريل 1943، واجهت الوحدات الألمانية المتقدمة مقاومة غير متوقعة. عرف الشباب المقاوم أن الوضع ميؤوس لافتقارهم إلى الأسلحة والطعام والدعم، لكنهم صمدوا لمدة ثلاثة أسابيع وخاضوا معركة صعبة.

عندما حاصر الألمان مخبأ المتمردين في أوائل أيار/مايو، انتحروا بشكل جماعي. يقول زيغمونت ستوبينسكي، مدير المتحف الجديد لتاريخ اليهود البولنديين في وارسو: “لقد أرادوا أن يقرروا بأنفسهم كيف يموتون”، مردفاً أن وفاتهم كانت بياناً سياسياً.

ويضيف: “لقد أرادوا إظهار أن اليهود يمكنهم الدفاع عن أنفسهم وأنهم قاموا بالانتفاضة الأولى ضد النازيين”. بالنسبة إلى كريستينا بودنيكا هي الأخرى، كان النضال رمزاً مهماً للآخرين؛ إذ قاوم يهود آخرين في وقت لاحق في العديد من الغيتوهات الأخرى.

تر كريستينا بودنيكا (91 عاماً) تقول العجوز البالغة من العمر 91 عاماً: “دبت النار في كل شيء، لذا أصبحت الأرض في المخبأ شديدة الحرارة لدرجة أننا اضطررنا للهروب إلى المجاري حتى نبرد أنفسنا”.

وصف وزير الخارجية البولندي السابق، فلاديسلاف بارتوشيفسكي، الذي كان نفسه قد اعتقل في معسكر أوشفيتز، المقاومة في غيتو وارسو اليهودي بأنها “انتفاضة رومانسية”.

وكان يقصد بكلامه التصميم اليائس للمتمردين الشباب، وبحسب بارتوشيفسكي، فإن المتمردين “فضلوا الموت حاملين أسلحة في أيديهم على أن يتم نقلهم إلى معسكرات الموت”.

سجل من الرعب

كان قائد قوات “إس إس”، يورغن ستروب، مسؤولاً عن إخماد الانتفاضة في الغيتو. في أيار/مايو 1943 أفاد بأنه “تم تسجيل 56.065 يهودياً وتصفيتهم بشكل مؤكد” أثناء الانتفاضة.

قليلون نجوا، مثل كريستينا بودنيكا البالغة آنذاك من العمر أحد عشر عاماً. أمضت تسعة أشهر مع أسرتها في القبو. في أيلول/سبتمبر 1943، تمكن شقيقها رافاي من التواصل مع منظمة Zegota البولندية السرية، والتي أنقذت العديد من اليهود من الإبادة، وأنقذ العائلة.

مات جميع أخوة وأخت ووالدي كريستينا بودنيك، فكانت الوحيدة من بين عائلتها المكونة من عشرة أفراد التي نجت من الحرب.

قامت عائلات بولندية عديدة بإخفاء هينا كوجزر، وهو اسمها الأصلي، حتى نهاية الحرب. من إحدى هذه العائلات حصلت على اسمها، كريستينا بودنيك، الذي تحمله حتى يومنا هذا.

البولنديون واليهود: علاقة صعبة

لعقود من الزمان، لم يكن هناك في بولندا الشيوعية إلا حيزاً صغيراً لإحياء ذكرى الضحايا اليهود. التزمت كريستينا بودنيكا الصمت بشأن تاريخ عائلتها لأن دور اليهود في التاريخ البولندي كان من المحرمات أثناء الشيوعية وحتى أنه جرى استغلاله سياسياً.

بعد أن سوّت النازية الحي اليهودي بالأرض بعد الانتفاضة بعد انتهاء الحرب، تم بناء مستوطنة عمالية جديدة هناك، ولم يكن هناك أي آثار شاهدة على الإبادة. بعد سقوط الشيوعية في عام 1989، تغير هذا تدريجياً.

تتم اليوم مناقشة العلاقات البولندية اليهودية بشكل مكثف وعلني.

لماذا لم يساعدهم أحد؟

في المتحف تجري اليوم مناقشة الأسئلة المثيرة للجدل، مثل سبب عدم تلقي المتمردين اليهود دعماً أكبر من غير اليهود. رغم أنه تم تزويد المتمردين بالأسلحة، لكن ذلك لم يكن كافياً. حذر المؤرخون والناجون من تخيل الموقف في ذلك الوقت بتلك البساطة.

بيد أن العون كان موجوداً. تقول كريستينا بودنيكا: “لم أكن لأنجو لولا البولنديين الشجعان”. تمت معاقبة مساعدي اليهود في بولندا بشدة أكثر من البلدان المحتلة الأخرى في أوروبا: لم يتم تهديد المساعدين بإطلاق النار فحسب، بل تم تهديد عائلاتهم أيضاً.

في 19 نيسان/أبريل من كل عام، تحتفل كريستينا بودنيكا بذكرى انتفاضة غيتو وارسو مع مجموعة صغيرة من الناس عند النصب التذكاري لأبطال الانتفاضة. تضيء شمعة كل عام لأنه لا يوجد قبر لأحبائها لزيارتهم.

لكن هذا العام سيكون لها مكان جديد وشخصي للتذكر. بعد ثمانية عقود من انتفاضة غيتو وارسو، عثرت مجموعة من المؤرخين على الموقع الذي بنى فيه والد بودنيكا مخبأ العائلة. سيتم تشييد نصب تذكاري للعائلة لتخليد ذكرى عائلة كريستينا بودنيكا.

شارك هذه المقالة
ترك تقييم