اكتٌشفت خلال أشغال في باريس مقبرة من العصور القديمة تعود إلى الحقبة الجالو-رومانية وتضم عدداً من المدافن والقرابين، مما سيوفر مزيداً من المعطيات عن حياة قبيلة باريزي التي استوطنت ضفاف نهر السين في ذلك الزمن.
وعُثر في المقبرة على نحو خمسين هيكلاً عظمياً تعود إلى القرن الثاني، على الضفة اليسرى للعاصمة الفرنسية، على بعد أمتار قليلة من مدخل محطة بور رويال للسكك الحديدية.
والحقبة الجالو-رومانية تشير إلى الفترة التي حكم فيها الإمبراطور الروماني تراجان من سنة 98 إلى 117 ميلادية، والتي شملت المنطقة التي تحتوي على بريطانيا الحالية وأجزاءً من أوروبا الغربية. ومع ذلك، فإن هذه الفترة ليست محددة بدقة، ويختلف المؤرخون فيما بينهم حول تواريخها، ولكنها تتراوح بشكل عام بين القرن الأول والثالث الميلادية.
قبيلة باريزي من شعب الغال
وسبق أن نفذت في الموقع أشغال عامة عدة، من بينها بناء خط السكك الحديد في سبعينات القرن الماضي، إلا أنها لم تتوصل إلى اكتشاف الحفرة الذي أتاحته في مارس الفائت حفريات أثرية وقائية قبل الشروع في إنشاء مخرج جديد لمستخدمي هذا الخط.
وبيّنت الحفريات أن جثامين الموتى كانت توضع في نعوش خشبية، تمكّن علماء الآثار من ترميمها بفضل المسامير التي لا تزال موجودة.
وتعود الهياكل العظمية إلى رجال ونساء وأطفال لوحظ أنهم دفنوا ممددين على ظهورهم، وهم ينتمون على الأرجح إلى قبيلة باريزي من شعب الغال، التي استقرت في لوتيشيا (الإسم القديمة لباريس) يوم كانت تحت السيطرة الرومانية، وفقاً لرئيس المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الأثرية الوقائية دومينيك جارسيا، خلال جولة للإعلاميين في الموقع.
مقتنيات للزينة
وأوضح المعهد أن أوانيَ خزفية (أباريق وكؤوس ومزهريات …) أو زجاجية، كانت موضوعة في توابيت أكثر من نصف الجثامين. وفي حالات نادرة، كانت عملة معدنية موضوعة في التابوت، أو في فم المتوفى، وهو “تقليد كان شائعاً في العصور القديمة”.
وشرحت رئيسة قسم البحوث الأثرية والأنثروبولوجيا في المعهد كاميّ كولونا “آثار أحذية بقيت منها مسامير صغيرة تشكل النعل وجدت في عدد كبير من التوابيت، عند قدمي المتوفى، أو بجانبه، وهي بمثابة قرابين”.
كذلك عُثر على أشياء متعلقة بالملابس (مجوهرات ودبابيس شعر وأحزمة).
وستخضع القرائن التي عُثر عليها لفحوص مخبرية تتيح، بحسب عالمة الأنثروبولوجيا، “تكوين فكرة عن حياة أفراد قبيلة باريزي من خلال طقوسهم الجنائزية، وكذلك الحالة الصحية للأشخاص من خلال دراسة حمضهم النووي”.
ورأى جارسيا أن هذه الحفريات “تفتح نافذة مهمة على العالم الجنائزي لباريس في العصور القديمة”، مشيراً إلى أن التاريخ القديم للعاصمة “غير معروف جيداً بشكل عام”.