وسط الحالة المأساوية التي يعيشها لبنان على المستوى السياسي والاقتصادي، جاءت خطوة إرجاء الانتخابات المحلية والاختيارية لتعمق الانقسام السياسي في لبنان، وتزيد من حدته.
وأقرّ مجلس النواب اللبناني، قانون التّمديد للمجالس البلديّة والاختياريّة، لمدّة عام تنتهي مع نهاية شهر أبريل/ نيسان من العام المقبل 2024.
وكان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، قرر إجراء الانتخابات البلدية في البلاد على 4 مراحل، تبدأ في 7 مايو/ أيار المقبل في محافظتي الشمال وعكار، و14 مايو في محافظة جبل لبنان، و21 مايو في محافظات بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل، و28 مايو في الجنوب والنبطية.
وأكد أن “الإصرار والنية ضروريان لإجراء الانتخابات، ولكن ذلك لا يكفي”، مطالبا “بتأمين الاعتمادات، والمبلغ ليس كبيراً في مقابل ما أنفق في العامين الماضيين”، وفقا لوسائل إعلام محلية.
وتنقسم الطبقة السياسية حول تأجيل الانتخابات، حيث يرى البعض ضرورة تأجيلها وتمديد عمل المؤسسات الحالية بسبب الأزمة المالية، فيما يرى آخرون ضرورة القيام بها، باعتبارها استحقاقا دستوريًا مهمًا، لا سيما وأنها ترتبط بمصالح المواطنين بشكل مباشر.
استقرار مطلوب
اعتبر قاسم هاشم، عضو مجلس النواب اللبناني، أن ما قام به مجلس النواب من تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لمدة أقصاها نهاية شهر مايو/ أيار لعام 2024 كان خطوة للحفاظ على استمرارية واستقرار هذه المؤسسات.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، يأتي القرار منعا للوصول إلى الفراغ والذي ينعكس سلبا على قضايا الناس الإدارية، لا سيما صلاحيات المنتخبين وأهمية تأمين الكثير من المستندات الإدارية، وذلك بعد متابعة الإجراءات والمتطلبات التقنية واللوجستية.
وأكد أنه حتى لو توافرت الإمكانيات والتغطية المالية للوصول إلى الانتخابات بشكل طبيعي في مثل هذه الظروف، كانت ستصبح انتخابات مشوهة، وتواجهها الكثير من العقبات والتعقيدات، ما دفع إلى التفاهم على هذا المخرج من أجل حماية ما تبقى من مؤسسات، مطلوب أن تبقى لخدمة الناس بشكل مؤقت، ريثما تستطيع الحكومة أن تصل إلى كامل جهوزيتها.
وأكد هاشم أن قانون التمديد يسمح بالإبقاء على هذه الخدمات، معتبرًا أن محاولة البعض الهجوم من باب إبداء الحرص على الدستور والعملية الانتخابية ما هو إلا محاولة لمزيد من الشعبوية، مشددًا على أن الدستور لا يمنع التشريع في مرحلة الشغور الرئاسي إلا في جلسات الانتخاب، وأن ما جرى دستوري وقانوني.
ولفت إلى أن لبنان اعتاد على التباينات والاختلافات والقراءات المتنوعة، ودائما تسيير أمور المواطنين، ويبقى للقوى السياسية تغليب المصلحة العامة على بعض التوجهات التي لا تخدم الناس في الكثير من الأحيان.
تأجيل مقصود
من جانبه، اعتبر العميد خالد حمادة، الخبير الأمني اللبناني، ومدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، أن لجوء المجلس النيابي في لبنان لتأجيل الانتخابات وتعليق العمل ولو بشكل مؤقت لهذا الاستحقاق الدستوري، الذي ينتظره اللبنانيون، إمعان في السير بتعطيل المؤسسات، وتعطيل الرأي العام اللبناني في كيفية التعامل مع نتيجة ما يحدث في لبنان مع اختيار السلطات المحلية أو فيما بعد اختيار السلطات الدستورية.
وبحسب حديثه إلى “سبوتنيك”، هذا التأجيل يعمق الانقسام ضمن الطبقة السياسية ربما كأحد أقل المفاعيل لما جرى، لكنه سيعمق الانقسامات بين الطبقة السياسية وجزء كبير من الشعب اللبناني الذي كان يعتقد أنه ربما في هذه الانتخابات سينجح في تغيير جزء من السلطات المحلية البلديات وسواها، والتي ترتبط بالطبقة السياسية، وكانت جزءا من الفساد الموجود في البلد، سواء على المستوى الإداري أو الإنمائي.
ويرى أن جزءا كبيرا من اللبنانيين كانوا يطمحون في أن تكون الانتخابات البلدية إحدى تداعيات الحالة الاقتصادية، والحالة السياسية الموجودة في لبنان لتغيير الطبقة السياسية، بيد أن الطبقة السياسية لجأت لهذا الأمر ليس بسبب غياب الأموال، والتي يمكن توفيرها، لكن بسبب عدم مقدرتها على موجهة الشعب اللبناني بعد الانتخابات، أو مواجهة المجتمع الدولي والقول إن اللبنانيين يجمعون عليها.
وأكد حمادة أن الانتخابات البلدية كانت ستشكل مؤشرا على فشل هذه الطبقة السياسية في الاستمرار، وعلى عدم القبول بكل طروحاتها التي تقول إنها تتمتع بتمثيل شعبي، والتأجيل كان هروبا للأمام من جانب الطبقة السياسية.
ويعتقد الخبير اللبناني، أن خطوة إرجاء الانتخابات ستكون لها تداعيات ومفاعيل قوية، والاستحقاقات المقبلة سواء على مستوى السلطات المحلية أو السياسية ستكون أكثر قسوة على السلطة ومن يمثلها.
وأعلن نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بو صعب، الأربعاء الماضي، أن إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية أصبح “شبه مستحيل”، في ظل عدم تأمين التمويل لإجرائها من قبل الحكومة، مشيرًا إلى أنه سيتقدم باقتراح قانون لتمديد عمل المجالس البلدية والاختيارية لمدة 4 أشهر، وفقاً لـ”الشرق الأوسط”.
يشار إلى أن لبنان يشهد حالة فراغ رئاسي، منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وهو ما نتج عنه أزمات سياسية تتعلق باجتماعات حكومة تصريف الأعمال وصلاحية اتخاذها لبعض القرارات.
أزمات لبنان السياسية انعكست سلبا على الأوضاع الاقتصادية، حيث انهارت العملة الوطنية (الليرة)، ووصلت إلى أدنى مستوياتها، وهو ما أثر بالسلب على حياة المواطن العادية من خلال الخدمات المقدمة له من الدولة.
المصدر: سبوتنيك