أغلقت ألمانيا نهائيا آخر 3 مفاعلات نووية عاملة في البلاد، السبت، لتخرج نهائياً من قطاع الطاقة الذرية على الرغم من سعيها للابتعاد عن الوقود الأحفوري وإدارة أزمة الطاقة التي سببتها الحرب في أوكرانيا.
وبينما تعمل العديد من الدول الغربية على زيادة استثماراتها في الطاقة الذرية لتقليل انبعاثاتها، وضعت ألمانيا نهاية مبكرة لعصرها النووي.
وقالت شركة الطاقة “آر في إي”، في بيان، إنها “نهاية حقبة”، مؤكدة أن المفاعلات الثلاثة انفصلت عن شبكة الكهرباء.
وتم فصل مفاعلات “إيسار 2” (جنوب شرق) ونيكارفيستهايم (جنوب غرب) وإيمسلاند (شمال غرب) عن شبكة الكهرباء قرابة منتصف الليل.
احتفالات في الشوارع
ويحظى قرار الخروج بشعبية كبيرة في بلد تنشط فيه حركة قوية مناهضة للطاقة النووية بسبب المخاوف المستمرة من نزاع أشبه بالحرب الباردة، إضافة إلى كوارث مثل تشيرنوبيل في أوكرانيا.
وقالت وزيرة البيئة الألمانية ستيفي ليمكي، التي زارت هذا الأسبوع محطة فوكوشيما النووية المنكوبة خلال وجودها في اليابان لحضور اجتماعات مجموعة السبع، إن “مخاطر الطاقة النووية لا يمكن السيطرة عليها في النهاية”.
وخرج مناهضون للطاقة النووية إلى الشوارع في مدن ألمانية عدة احتفالاً بمناسبة الإغلاق.
ونظمت منظمة “جرينبيس”، التي تعد قلب حركة معارضة الطاقة النووية، احتفالاً عند بوابة براندنبورج في برلين.
وقال النائب عن حزب الخضر يورجن تريتن: “نحن نضع حداً لتكنولوجيا خطيرة وغير مستدامة ومكلفة”.
وكانت الحكومة الألمانية مددت عمل هذه المحطات لبضعة أسابيع بعد موعد توقفها الذي كان محدداً في 31 ديسمبر، لكن من دون العودة عن قرار طي صفحة الطاقة النووية.
انقسامات
ويفتح أكبر اقتصاد في أوروبا فصلاً جديداً في مجال الطاقة بعدما واجه تحدي وقف الاعتماد على الوقود الأحفوري وفي الوقت نفسه إدارة أزمة الغاز الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وسط أزمة مناخية.
وبعد قرار أول اتخذته برلين مطلع الألفية بالتخلي تدريجياً عن النووي، سرّعت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل العملية بعد كارثة فوكوشيما في 2011، في تغيير سياسي لافت. ومنذ 2003 أغلقت ألمانيا 16 مفاعلاً نووياً.
وكاد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022 يعيد النظر بالقرار. فمع حرمانها من إمدادات الغاز الروسي التي قطعت موسكو الجزء الأكبر منها، وجدت ألمانيا نفسها في مواجهة أحلك سيناريوهات، من احتمال توقف مصانعها إلى غياب التدفئة.
لكن الشتاء مر بلا نقص إذ حل موردون آخرون للغاز محل روسيا، لكن الإجماع على التخلي عن الطاقة النووية ضعف.
ففي استطلاع أخير للرأي أجرته قناة “آي ار دي” قال 59% من المشاركين فيه أن التخلي عن النووي في هذه الأوضاع ليس فكرة جيدة.
وقال رئيس غرف التجارة الألمانية بيتر أدريان لصحيفة “راينيشه بوست” اليومية إنه يجب على ألمانيا “توسيع عرض الطاقة وليس تقليصه”.
ويرى زعيم المعارضة المحافظة فريدريش ميرتس أن التخلي عن النووي هو نتيجة “تحيز شبه متعصب”.
وكتب على تويتر: “الأسطورة التأسيسية للخضر تنتصر بشكل مطلق”.
اعتماد مستمر على الفحم
أمنت المحطات الثلاث الأخيرة 6% فقط من الطاقة المنتجة في البلاد العام الماضي بينما كانت الطاقة النووية تؤمن 30,8% في 1997.
في الوقت نفسه، بلغت حصة “مزيج” مصادر الطاقة المتجددة من الإنتاج 46% في 2022 مقابل أقل من 25% قبل عشر سنوات.
وقال مدير مركز الدراسات “آجورا إنرجيفيندي” المتخصص بالانتقال في مجال الطاقة سايمن مولر: “بعد 20 عاماً على بدء عملية انتقال في الطاقة، تنتج الطاقات المتجددة الآن كمية من الكهرباء أكبر بمرة ونصف المرة مما كان ينتجه النووي بذروته في ألمانيا”.
لكن في ألمانيا، أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي، ما زال الفحم يمثل ثلث إنتاج الكهرباء وسجل زيادة بنسبة 8% العام الماضي للتعويض عن غياب الغاز الروسي.
وصدرت الانتقادات نفسها عن وزارة الانتقال في مجال الطاقة الفرنسية مؤكدة أن “إنعاش الطاقة الأحفورية لتعويض التخلي عن الطاقة النووية لا يسير في اتجاه العمل المناخي”.
وتبقى فرنسا، التي تمتلك 56 مفاعلاً، الأكثر اعتماداً على النووي مقارنة بعدد السكان، وعلى المستوى الأوروبي تثير المسألة النووية خلافات حادة بين باريس وبرلين.
وتفضل ألمانيا التركيز على هدفها المتمثل في تأمين 80% من احتياجاتها من الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030، مع إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول 2038 على أبعد حد.
لكن الغموض يكمن في هذه النقطة.
وكتبت صحيفة “سود دويتشه تسايتونج” اليومية السبت: “أين وكيف يجب إنتاج الطاقة المتجددة؟ الجميع في هذا البلد يتفقون على الأقل على شيء واحد: ليس في منطقتي”.
المصدر: الشرق