شهدت أوروبا عملية احتيال ضريبي كبرى وصفتها بعض الصحف بـ “سرقة القرن”، التي تمكن المشاركون فيها من الاستيلاء على 55 مليار يورو (نحو 60 مليار دولار) من أموال الضرائب بطرق غير شرعية.
تعرف تلك العملية بـ “كوم – إكس” ويشارك فيها رجال أعمال ومستثمرون وسماسرة أسهم في 11 دولة أوروبية خلال الفترة من 2001 حتى 2012، حسبما ذكر موقع “ليفت” الأوروبي، بينما وصفها بعض الأكاديميين الألمان بأنها أكبر عملية احتيال ضريبي في تاريخ أوروبا.
وكانت بداية اكتشاف هذه القضية في ألمانيا وأصبح يطلق عليها “فضيحة ضرائب الأرباح”، حسبما ذكر موقع مؤسسة “رامان رافلي” القانونية البريطانية.
ماذا يعني مصطلح “كوم – إكس”؟
يشير مصطلح “كوم – إكس” إلى تحويلات مالية ضخمة جرت قبل عام 2012 تضمنت استغلال ثغرة قانونية في نظام تحصيل ضرائب الأرباح على الأسهم في عملية احتيال كبرى.
وتتضمن تلك العملية بيع وشراء “وهمي” للأسهم للتحايل على القانون الخاص بالإعفاءات الضريبية.
ويطلق على تلك العملية “ديفيدنت ستريبينغ” وتعني شراء الأسهم قبل موعد توزيع الأرباح وبيعها بعد ذلك مباشرة لإخفاء هوية المالك الحقيقي للأسهم.
ويسمح ذلك للبائع والمشتري باستعادة نفس قيمة الضريبة التي يتم اقتطاعها مسبقا من قيمة الأرباح بعد استغلال الثغرة الخاصة بالإعفاء الضريبي.
ويمكن أن يشارك في هذه العملية 3 أطراف أو أكثر وفي النهاية يكون محصلة هذه العملية هي استعادة ضعف القيمة الضريبية التي تم اقتطاعها مسبقا.
فإذا حققت حصة سوقية أرباحا مقدارها مليون دولار، يتم اقتطاع 25 في المئة من قيمة هذه الأرباح كـ “ضريبة” بإجمالي 250 ألف دولار تدخل خزانة الدولة.
لكن بعد “كوم – إكس”، يسترد المشاركون في عملية الاحتيال هذه القيمة مرتين على الأقل بإجمالي 500 ألف دولار.
ويعني ذلك أن الدولة خسرت قيمة الضريبة المستحقة، ودفعت للمحتالين قيمة مماثلة من خزانتها.
ما هو حجم الأموال التي تم خسارتها في هذه العملية؟
تقدر السلطات الألمانية حجم عائدات الضرائب التي خسرتها في هذه العملية بـ 10 مليارات يورو (نحو 10.8 مليار دولار).
لكن هناك 10 دول أخرى جرت فيها عمليات الاحتيال الضريبي “كوم – إكس”، بحسب تقرير المؤسسة القانونية البريطانية “راهمان رافلي”.
ولفت تقرير البرلمان الأوروبي إلى أن إجمالي خسائر الدول الأوروبية خلال الفترة من 2001 حتى 2012 تقدر بـ 55 مليار يورو (نحو 60 مليار دولار).
ما هي خطوات عملية الاحتيال الضريبي “كوم – إكس”؟
أورد تقرير “راهمان رافلي” بعض الخطوات التي يتبعها المشاركون في عملية الاحتيال الضريبي “كوم – إكس”، وهم 3 أطراف على الأقل، يتبادلون عمليات بيع وشراء ورقية لحصة من الأسهم في أوقات محددة:
– المستثمر “إيه” يمتلك حصة في الشركة “إكس” بقيمة 20 مليون يورو، تشمل أرباحا بقيمة مليون يورو.
– يدفع المستثمر “إيه” ضريبة أرباح 25 في المئة من المليون يورو بقيمة 250 ألف يورو.
– تصبح عائدات المستثمر “إيه” من الأرباح بعد الضريبة 750 ألف يورو.
– تصبح قيمة حصته بعد خصم الأرباح والضريبة هي 19 مليون يورو.
– يبيع المستثمر “إيه” هذه الحصة للمستثمر “سي” ويحصل على شهادة لاسترداد الضريبة التي دفعها بناء على ثغرة في قانون الضرائب.
– يقوم المستثمر “سي” ببيع حصة الـ 19 مليون يورو إلى المستثمر “بي” ويدفع له أرباحا بقيمة 750 ألف يورو.
– يقوم المستثمر “بي” ببيع حصة الـ 19 مليون يورو، مرة أخرى، إلى المستثمر “إيه” (المالك الأول).
– يحصل المستثمر “بي” على شهادة أخرى لاسترداد الضريبة بـ 250 ألف يورو، بناء على نفس الثغرة القانونية.
يتقاسم الأطراف الثلاثة (إيه – بي – سي) محصلة عمليات “كوم – إكس” التي تشير تقديرات البرلمان الأوروبي إلى أنها تجاوزت 60 مليار دولار خلال الفترة من 2001 حتى 2012.
ما هي الجهات التي شاركت في “كم – إكس”؟
-مصرفيون.
-سماسرة أسواق المال.
-الصناديق الاستثمارية.
شركات ضرائب دولية.
-شركات استثمارية.
-شركات تأمينات.
-شركات محاماة.
ويجني هؤلاء الأطراف الأموال من مساعدة عملائهم في استرداد أموال الضرائب بأضعاف ما تم خصمه من ضرائب على أرباح حصصهم السوقية في الشركات، حسبما ذكر موقع “ليفت” الأوروبي.
ولفت الموقع إلى أن هذه العملية تتم عبر شبكات يضم كل منها بنوك وسماسرة ومحامين كبارا، مشيرًا إلى أن كل منهم يقرض الآخر حصص سوقية في شركات كبرى.
تصنع تلك الشبكات ما يشبه “السراب”، الذي يضلل السلطات الضريبية ويجعلها ترى تلك الحصص وكأنها مملوكة لطرفين، في حين أنها فعليا مملوكة لطرف واحد.
تصدر البنوك المشاركة في عمليات “كوم – إكس” شهادة إفادة بأن طرف ما قام بدفع الضريبة الخاصة به عن طريق تحويل بنكي.
يقوم مكتب المحاماة المشارك في تلك العملية بكتابة خطاب يفيد بأن تلك الشهادة التي أصدرها البنك تمت بطريقة شرعية، بدون أن يكون قد تم تحويلها فعليا.
يستخدم المستثمر تلك الشهادات لمطالبة السلطات الضريبية باستعادة قيمتها، سواء كان من مواطني الاتحاد الأوروبي أو من خارجه.
وأوضح الموقع أن هذه العملية تستغل ميزة الإعفاء الضريبي الخاصة بالمستثمرين من خارج الاتحاد الأوروبي، الذين يحق لهم استرداد الضريبة خلال فترة الإعفاء التي يحصلون عليها.
كيف تم الكشف عن فضيحة “كم – إكس”؟
في 2007، حذرت الجمعية المصرفية في ألمانيا من عملية استرداد الضرائب عدة مرات ووضعت مجموعة من الحلول لهذا الاحتيال، لكن وزارة المال الألمانية تجاهلت الأمر ولم تجر أي تعديلات قانونية.
ويقول موقع “ليفت” إن عملية الاحتيال “كم – إكس” تم الكشف عنها بواسطة مجموعة من الصحفيين الاستقصائيين في ألمانيا ليبدأ التحقيق فيها هناك وينتقل إلى الدول الأوروبية الأخرى.
ماذا فعل الاتحاد الأوروبي لمواجهة فضيحة “كم – إكس”؟
أوضح موقع “ليفت” أنه لا توجد تشريعات خاصة لمواجهة “كوم – إكس”، لكنه أصدر إرشادات بشأن الضرائب في العمليات العابرة للحدود حتى يتم دفع الضريبة في الدولة الأولى وليس في الدول التي ينتقل إليها رأس المال أو الاستثمار.
كما دعا الاتحاد الأوروبي دوله لوضع أنظمة إلكترونية توضح الموقف الضريبي من المصدر بالنسبة لأي عملية استثمارية عابرة للحدود.
ما هي الدول الأوروبية التي طالتها فضيحة “كوم – إكس”؟
يتجاوز عدد الدول الأوروبية التي طالتها عمليات الاحتيال الضريبي 11 دولة، بحسب موقع “ليفت”.
وتوجد تقديرات مختلفة لحجم الأموال التي استولى عليها المحتالون في هذه العمليات، وأورد موقع “ليفت” قيم تناولت حجم الخسائر في أبرز الدول الأوروبية شملت:
ألمانيا: من 5.3 إلى 30 مليار يورو.
فرنسا: 17 مليار يورو.
إيطاليا: 4.5 مليار يورو.
الدنمارك: مليارا يورو.
بلجيكا: 201 مليون يورو.
ويشير تقرير البرلمان الأوروبي حول عمليات الاحتيال الضريبي أنه إضافة إلى عملية “كم – إكس” توجد نظام آخر يطلق عليه “كم – كم” وهو يعتمد على إجراء “عمليات بيع قصيرة” لحصص سوقية من شخص ليس لديه الحق في استرداد الضريبة لوجوده في دولة معينة إلى آخر له هذا الحق لوجوده في دولة أخرى، وفقا للقوانين المنظمة لهذه العملية.
أكبر عملية احتيال ضريبي في تاريخ أوروبا
وصف الدكتور كريستوف سبينغيل، من جامعة مانهايم الألمانية، عمليات “كوم – إكس” بـ “أضخم عملية احتيال ضريبي في تاريخ أوروبا”، حسبما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، بينما وصفتها صحيفة “لوموند الفرنسية” بـ “سرقة القرن”.
المصدر: سبوتنيك