توقعت منظمة التجارة العالمية أن تؤدي الحرب في أوكرانيا والتضخم الحاد بجميع أنحاء العالم إلى إعاقة النمو في التجارة العالمية هذا العام، مما يحد من وتيرة الانتعاش الاقتصادي حتى مع خروج العالم من ذروة الوباء.
وأضافت المنظمة أن حجم التجارة السلعية العالمية من المتوقع أن يتوسع بنسبة 1.7 في المئة هذا العام، بعد نمو 2.7 في المئة عام 2022. وانخفضت توقعات المنظمة هذا العام إلى أقل بكثير من متوسط معدل النمو السنوي البالغ 2.6 في المئة منذ الركود التجاري عقب الأزمة المالية لعام 2008.
ويتوقع الاقتصاديون في منظمة التجارة العالمية أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.4 في المئة هذا العام من 3.0 في المئة خلال 2022 و5.9 في المئة 2021.
التضخم السبب الرئيس
ويقول الاقتصاديون في المنظمة إن التضخم هو السبب الرئيس وراء تباطؤ نمو التجارة، بينما انخفضت أسعار المواد الغذائية والطاقة من مستوياتها المرتفعة بشكل حاد في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا أوائل عام 2022، إلا أنها لا تزال أعلى مما كانت عليه قبل الحرب، مما أدى إلى تآكل دخل الناس والطلب على السلع المستوردة.
وقد أدى ذلك إلى تبريد الأنشطة التجارية العالمية، لا سيما في الربع الرابع من عام 2022. وكان معدل النمو التجاري السنوي لعام 2022 أقل من توقعات منظمة التجارة العالمية لشهر أكتوبر (تشرين الأول) للتوسع بنسبة 3.5 في المئة.
قال كبير الاقتصاديين في منظمة التجارة العالمية رالف أوسا “ارتبطت قصص التجارة والتضخم ارتباطاً وثيقاً في عام 2022”. وأشار إلى أن الانخفاض في الإمدادات بسبب الحرب في أوكرانيا أدى في البداية إلى زيادة التضخم وانخفاض نمو التجارة، وفي وقت لاحق أدت زيادات أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية بهدف ترويض التضخم إلى انخفاض الطلب على السلع وزيادة تآكل نمو التجارة.
وأضاف أوسا “هذا أيضاً هو الرابط الرئيس الذي أراه في المستقبل – سيعتمد نمو التجارة بشكل حاسم على مسار التشديد النقدي وتأثيره – في الناتج المحلي الإجمالي”.
وتوقعت المنظمة متعددة الأطراف ومقرها جنيف أن يرتفع نمو التجارة العالمية خلال 2024 إلى 3.2 في المئة، لكنها حذرت من أخطار كبيرة، بما في ذلك اندلاع التوترات الجيوسياسية وانعدام الأمن الغذائي.
وقال الاقتصاديون في المنظمة إن التداعيات غير المتوقعة للتشديد النقدي وعدم الاستقرار المالي وارتفاع مستويات الديون من التهديدات المحتملة الأخرى.
الصين وانتعاش التجارة
ومع ذلك كانت أحدث توقعات نمو التجارة لمنظمة التجارة العالمية لعام 2023 أعلى من تقديراتها السابقة البالغة واحداً في المئة في أكتوبر (تشرين الأول)، وعزت المنظمة التغيير إلى تخفيف إجراءات “كوفيد-19” في الصين، والتي من المحتمل أن تؤثر في تدفقات التجارة داخل البلاد وخارجها.
فعلى سبيل المثال انتعشت تدفقات التجارة الألمانية منذ بداية العام، ويرجع ذلك جزئياً إلى إعادة افتتاح الصين، إذ ارتفعت الصادرات الألمانية من السلع للشهر الثاني على التوالي في فبراير (شباط)، بعد أن انخفضت بشكل حاد في ديسمبر (كانون الأول)، بينما ارتفعت الواردات الألمانية للشهر الأول منذ أغسطس (آب). وقالت وكالة الإحصاءات الألمانية إن الواردات من الصين ارتفعت بنسبة 6.7 في المئة عن يناير (كانون الثاني)، بينما تراجعت الواردات من الولايات المتحدة بنسبة 8.7 في المئة.
وفي آسيا يقول الاقتصاديون إن إعادة فتح الصين بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الضوابط الصارمة لـ”كوفيد” يجب أن تجلب بعض الراحة للمصدرين، لكن مدى أهمية التأثير سيعتمد على قوة انتعاشها الاقتصادي.
وقال كبير الاقتصاديين الآسيويين في “أكسفورد إيكونوميكس” في سنغافورة أليكس هولمز لــ”وول ستريت جورنال” إن بيانات الواردات الصينية لشهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، عندما كان الاقتصاد ينتعش بعد تفكيك السيطرة على “كوفيد-19″، كانت مخيبة للآمال.
وأضاف أن “شهية الصين لصادرات الاقتصادات الآسيوية الأخرى غالباً ما تعتمد على الطلب الغربي على السلع الصينية، إذ إن جزءاً كبيراً من الصادرات الآسيوية إلى الصين عبارة عن مكونات ومواد مستخدمة في التصنيع”. وأشار إلى أن “إعادة فتح الصين سيوفر القليل من الارتفاع، لكن مدى هذا الارتفاع لم يتضح بعد”.
معاناة المصدرين الآسيويين
وفي آسيا أبلغ المصدرون البارزون مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية عن انخفاض المبيعات الخارجية لشهور، إذ انخفض متوسط الصادرات الشهرية في الأشهر الثلاثة حتى فبراير بنسبة ثمانية في المئة عن الفترة نفسها من العام السابق في الصين، وأقل بنسبة سبعة في المئة في اليابان، و11 في المئة أقل في كوريا الجنوبية، وأقل بنسبة 17 في المئة في تايوان، وفقاً لتحليل “وول ستريت جورنال” للأرقام من مزود البيانات (سي أي أي سي).
كما استفادت الاقتصادات الآسيوية من شهية المستهلكين الغربيين النهمة لمعدات اللياقة البدنية ووسائل الراحة المنزلية والإلكترونيات خلال فترات العمل الطويلة من المنزل في أسوأ حالات الوباء، كما حول المستهلكون إنفاقهم تدريجاً إلى تناول الطعام بالخارج والسفر وغيرها من الخدمات، مما قلل من الطلب على السلع المصنوعة في آسيا.
وعلى نطاق أوسع، عانى المصدرون الآسيويون التضخم وارتفاع أسعار الفائدة مما أضر بالإنفاق الغربي.
وسجلت استطلاعات الأعمال للمصنعين الآسيويين في مارس (آذار) أوامر تصدير ضعيفة، مما يشير إلى احتمال استمرار الضعف في التجارة، إذ خفض البنك المركزي الفيتنامي سعر الفائدة القياسي الجمعة في محاولة لدعم الاقتصاد الذي تباطأ بشكل حاد في الربع الأول بسبب انخفاض الصادرات والتصنيع.
تراجع تجارة أميركا مع العالم
وقالت وزارة التجارة الأميركية الأربعاء الماضي إن التجارة العالمية مع بقية العالم تراجعت في فبراير مع تقلص كل من الواردات والصادرات واتساع العجز التجاري.
وأسهمت التجارة الأقل في السلع الاستهلاكية والسيارات في انخفاض الواردات بنسبة 1.5 في المئة في فبراير عن الشهر السابق إلى 321.7 مليار دولار معدل موسمياً، وانخفاض بنسبة 2.7 في المئة في الصادرات إلى 251.2 مليار دولار، كما نما العجز التجاري للولايات المتحدة بنسبة 2.7 في المئة إلى 70.5 مليار دولار.
وقال نائب كبير الاقتصاديين الأميركيين في “كابيتال إيكونوميكس” أندرو هانتر إن الأرقام هي علامة على النمو الاقتصادي المتعثر. وقال في مذكرة للعملاء “من المرجح حدوث مزيد من الانخفاضات في الربع الثاني من العام”.
وقالت منظمة التجارة العالمية إنه على رغم التباطؤ في النشاط التجاري خلال الربع الرابع، فإن التجارة العالمية كانت أفضل بكثير عام 2022 من أسوأ السيناريوهات التي تم تقديمها بعد وقت قصير من بدء الحرب في أوكرانيا، وقد أظهر ذلك مرونة التجارة في مواجهة الصدمات الاقتصادية.
فعلى سبيل المثال تم قطع الشحنات الروسية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربية، لكن الدول المستوردة تمكنت من شراء الغاز الطبيعي المسال من موردين آخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر.
المصدر: إندبندنت العربية