تعيش تونس موجة جفاف غير مسبوقة، وفي حين أفاد بعض سكان مناطق العاصمة وبعض المدن الأخرى بأن سلطات البلاد بدأت منذ أسبوع قطع مياه الشرب ليلا، برزت دعوات تنادي بضرورة إعلان “حالة الطوارئ المائية”، وترشيد الاستهلاك، وإيجاد مصادر أخرى للمياه.
ويبدو أن قطع المياه يأتي في سياق خطة لخفض الاستهلاك وسط أزمة جفاف شديدة تحاصر البلد بسبب ندرة في الأمطار خلفت سدودا شبه فارغة.
وشمل قطع المياه بعض مناطق العاصمة تونس ومناطق في مدينة الحمامات وولايات سوسة والمنستير والمهدية وصفاقس.
وتعاني تونس من موجة جفاف خطيرة مستمرة منذ 4 سنوات مما يهدد البلاد بالعطش، وهو ما دفع مسؤولين في وزارة الزراعة إلى لقول إن الوزارة قد تشرع بقطع المياه ليلا في الصيف لترشيد الاستهلاك في ظل شح مخزونات المياه.
تقسيط المياه
وقال ياسين مامي، النائب بالبرلمان الجديد، إن مسؤولا في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه المملوكة للدولة أخبره أن سبب الانقطاع المتكرر للمياه في مناطق مدينة الحمامات ليس بسبب أعمال صيانة، وإنما يعود إلى سياسة ترشيد استهلاك المياه لأن البلاد مهددة بشحها.
وقبل يومين أصدرت النقابة التونسية للمزارعين بيانا عبرت فيه عن قلقها لما آلت إليه مزارع الحبوب والأعلاف، وخصوصا في المحافظات المنتجة، على غرار الكاف وسليانة وجندوبة وزغوان وباجة، نتيجة انحباس الأمطار.
وأشارت إلى أن التقييم الأولي لمحصول موسم الزراعات الكبرى الحالي، سيكون دون المأمول ولن يتجاوز 4 ملايين قنطار، أي بنسبة 12.5% من حاجيات البلاد، المقدرة بـ32 مليون قنطار.
وأكدت نقابة المزارعين أن وضعيات السدود ونسب امتلائها التي لا تتجاوز في مجملها 28.9%، ستؤثر مباشرة على مياه الشرب والرّي وتقلص المساحات لمعظم المنتجات الفلاحية، خاصة منها الخضر والغلال انطلاقا من الصيف المقبل.
ودعت إلى التعجيل بدعم المزارعين المتضررين وصرف مستحقاتهم، كما طالبت الحكومة بتفعيل البرامج التي من شأنها إيجاد مصادر مياه بديلة وزراعات تتأقلم مع الجفاف.
وضع خطير
وأفاد كاتب الدولة الأسبق للموارد المائية وخبير المياه، عبد الله الرابحي، في حوار عبر إذاعة “جوهرة إف أم” المحلية، أن الوضع المائي في تونس حاليا يعتبر خطيرا جدا بسبب الجفاف والتدهور المناخي.
وتخاطر السلطات بإثارة توتر اجتماعي بسبب قطع المياه المتكرر دون إعلام في البلد الذي يعاني سكانه بالفعل إحباطا متزايدا بسبب سوء الخدمات العامة وارتفاع التضخم بشكل كبير واقتصاد شبه منهار. لكن مختصين يقولون إن السلطات لا بديل لها سوى “تقسيط” المياه، سعيا لخفض الاستهلاك وسط موجة جفاف غير مسبوقة وسدود شبه فارغة.
ذكر المتخصص في التنمية والتصرف في الموارد بكلية العلوم في تونس، حسين الرحيلي، لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الحكومية، أن الصيف القادم سيكون صعبا للغاية بخصوص التزود بالموارد المائية، واصفا إياه بصيف العطش.
وكشف الرحيلي عن أن انقطاعات الماء الأخيرة غير المعلنة من قبل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، التي شهدتها بعض مناطق تونس الكبرى والوطن القبلي والساحل، منطقية للغاية في إطار التصرف فيما هو متاح من الموارد المائية المتوفرة في السدود.
وأطلق نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي نداءات استغاثة، ونشر عدد منهم توصيات ونصائح مع اقتراب فصل الصيف، لحسن ترشيد الاستهلاك.
نصائح ودعوات
وكتب المهندس والخبير حمدي حشاد، على حسابه في فيسبوك، “منذ مدة نتعايش في تونس مع انقطاع الماء على مناطق كثيرة من البلاد ويجب أن نفهم أن مواسم الجفاف شيء طبيعي جدا، لكن غير الطبيعي في الأمر تواترها زمنيا في أوقات ومواسم متقاربة”، وقدم عدة نصائح مثل بناء خزانات لتجميع مياه الأمطار في المنازل واستغلال مياه الاستحمام للتصريف.
وقال الناشط محمد علي مطروح إن الجفاف الحالي لم تعشه البلاد سابقا، وإنه المشكلة الفعلية والأزمة الحقيقية التي يمكن أن تُغرق تونس إلى حد المجاعة، وهي أولوية قبل أزمة العجز المالي وصندوق النقد الدولي، مُشيرا إلى أن محصول الحبوب مهدد في تونس كلها، حتى المناطق السقوية منها.
وقبل أسبوعين قال المدير الأسبق للمعهد الوطني للرصد الجوي والمندوب الدائم للجمهورية التونسية لدى المنظمة العالمية للرصد، المنصف الراجحي، لإذاعة “الفلاح” (المزارع) قبل أسبوعين، إن تونس سباقة في تجربة الاستمطار الصناعي منذ الأربعينيات وتمتلك الخبرة لكن تنقصها الإمكانيات.
ولم تعلن وزارة الزراعة أو الجهات الحكومية المعنية، عن أي إجراءات أو قرارات بخصوص وضعية المياه الحرجة في تونس، عدا إطلاق الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه حملة توعوية عن طريق الرسائل القصيرة، جاء فيها: “الجفاف تهديد لبلادنا.. الاقتصاد في الماء ضمان لاستمرار حياة أولادنا”.
المصدر: الجزيرة