رايت رايتس

شركات “الشيكات على بياض”…بدعة تنتهي بانهيارات

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 11 دقيقة قراءة
11 دقيقة قراءة
صورة تعبيرية

لم يطل الأمر بشركة صنع أجهزة الاستشعار والبرمجيات عالية التقنية “كوانيرجي سيستمز” (Quanergy Systems) فقد تقدمت بطلب حماية من الدائنين بعد 10 أشهر من طرح أسهمها في سوق الأوراق المالية.

- مساحة اعلانية-

كانت مسيرة “فاست ريدياس” (Fast Radius)، شركة الطباعة ثلاثية الأبعاد، على ذات الدرب أقصر فقد بلغت 9 أشهر فقط، وجاءت شركة “إنجوي تكنولوجي” (Enjoy Technology) الناشئة للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت بخطى أسرع فطلبت الحماية من الإفلاس بعد ثمانية أشهر ونصف من بداية طرح أسهمها للتداول.

ما جمع بين تلك الثلاث هو أسلوب طرح أسهمها في سوق الأوراق المالية، حيث اتجهت تلك الشركات الناشئة للاندماج مع شركات استحواذ ذات أغراض خاصة، بدل عرض أسهمها عبر طرح عام أولي تقليدي.

- مساحة اعلانية-

تُعرف شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة على أنها شركات تلعب دور واجهة مطروحة للتداول العام لا تضطلع بأي مهام تشغيلية سوى السعي للاندماج مع شركة أخرى بحيث ترث الأخيرة تلقائياً إدراج الشركة الصورية في أسواق المال.

حقبة شركات الشيكات على بياض تنازع بألم

كانت مزودة خدمات الإنترنت “ستاري غروب” (Starry Group) أحدث المتقدمات بطلب حماية من الدائنين في 20 فبراير، فرفعت حصيلة الشركات الفاشلة التي نتجت عن دمج شركات ذات أغراض خاصة مع أخرى ناشئة إلى ثماني شركات على الأقل منذ يونيو 2022.

- مساحة اعلانية-

كانت “وول ستريت” قد ابتدعت مثل تلك الصفقات التي لاقت رواجاً خلال حقبة الوباء، غير أن عدداً متزايداً من الشركات الناشئة، التي طرحت أسهمها في أسواق المال عبر بوابة شركات استحواذ ذات أغراض خاصة، تتقدم بطلبات حماية من الدائنين.

يبرز تزايد الطلبات سالفة الذكر قدر المضاربة الذي قد تنطوي عليه لعبة الاندماج مع تلك الشركات الشكلية.

فشل مرتقب

يُرجح أن طلبات الحماية من الإفلاس مجرد بداية توجه يحمل بين طياته فشل مزيد من الشركات الناشئة التي شقت طريقها إلى سوق الأوراق المالية عبر البوابة ذاتها.

تظهر بيانات جمعتها “بلومبرغ” أن نحو 100 شركة أدرجت أسهمها عبر الاندماج مع شركات استحواذ ذات أغراض خاص ليس لديها ما يكفي لتمويل مستويات إنفاقها الحالية خلال العام المقبل.

كما هوت أسعار أسهم 73 شركة تُتداول حالياً دون دولار للسهم، ما يشكل مخاطرة بإلغاء إدراجها على قوائم بورصات رئيسية مثل بورصتي “نيويورك” و”ناسداك”، ويبلغ سعر السهم الأساسي لمعظم الشركات ذات الأغراض الخاصة قبل الاندماج 10 دولارات.

بالتالي، يعني هبوط السعر إلى ما دون دولار واحد أيضاً أن المستثمر، الذي اشترى أسهم هذه الشركة الصورية ترقباً لإبرام صفقة معها وتحمل كامل تكاليف هذه الصفقة، خسر 90% على الأقل من استثماراته.

قال دان زويرن، الشريك المؤسس في “أرينا إنفستورز”، وهي شركة استثمارية تركز على الديون: “لقد كان تدمير القيمة مذهلاً.”

عادةً ما تكون الشركات ذات الأغراض الخاصة المتعثرة من منظور زويرن واحداً من نوعين: إما شركات قائمة على المضاربة بشكل كامل، أو أخرى معتدلة كان تقييمها مبالغاً به بشكل صارخ.

قال زويرن، إن النوع الأول سيفلس أو ينهار بصمت، بينما قد يباع النوع الثاني بأسعار بخسة.

ووافق حتى الآن ما لا يقل عن 12 شركة خاضت عمليات اندماج مع أخريات ذات أغراض خاصة على استحواذات بقيمة تقل عن قيمتها لدى إدراجها في أسواق المال، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ”.

ما هي هذه الشركات؟

كانت شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة قد ظهرت قبل عقود، لكنها أخذت تزدهر على نحو مفاجئ خلال طفرة التداول بين 2020 و2021، وحفز ذلك أيضاً ازدهار العملات المشفرة وأسهم الميم.

لا تضطلع الشركات، التي يطلق عليها أحياناً اسم شركات الشيكات على بياض، بأي عمليات تشغيلية، لكنها ببساطة تجمع الأموال عبر طرح أسهمها للاكتتاب العام بهدف معلن يتمثل بشراء شركة أخرى خلال فترة زمنية محددة.

ساد رأي على نطاق واسع مؤداه أن شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة كانت السبيل الأسرع والأسهل لطرح أسهم الشركات المتطورة للاكتتاب العام من جهة، وتجنب بعض العقبات القانونية والتنظيمية التي تواجهها الاكتتابات الأولية التقليدية من جهةٍ أخرى.

وتعكف هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية حالياً على دراسة قواعد أشد لتنظيم سوق شركات الشيكات على بياض.

يمكن لأصحاب شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة تحقيق ثروات ضخمة كونهم يحوزون جزءاً كبيراً من الأسهم في الشركة العامة الجديدة إذا تمكنوا من إبرام صفقات الاندماج.

كما يضمن المستثمرين الأوائل في الوقت نفسه، غالباً صناديق التحوط والمؤسسات الأخرى، تحقيق عائد جيد وآمن لفترة.

يُعزى ذلك لإمكانية استرداد قيمة 10 دولارات لكل سهم من أسهم شركات الشيكات على بياض، إضافة إلى فائدة تبلغ عادةً 1.5% تقريباً قبل الاندماج.

كما يحظى مستثمرو هذه الشركات بميزة ترغيبية وهي “خيار شراء الأسهم” الذي يخولهم شراء مزيد من الأسهم بأسعار رخيصة إن سارت الأمور على ما يرام.

توقعات متفائلة

غير أن مثل هذه الصفقات منخفضة المخاطر بالنسبة لصناديق التحوط لم تكن هي ذاتها سبب انجذاب فرادى المستثمرين إلى شركات الشيكات على بياض.

بل يُعزى ذلك لما حظيت به الشركات المستهدَفة للاستحواذ من توقعات متفائلة جداً من ناحية نمو الإيرادات والأرباح في غالب الأحيان.

لذا يسارع فرادى المستثمرين لشراء أسهم الشركات ذات الأغراض الخاصة قبل الاندماج المزمع أو بعده مباشرة أملاً بالحصول على حصة من الشركات الجديدة الواعدة في وقت مبكر، حتى أنهم يدفعون أحياناً أكثر من 10 دولارات للسهم الواحد.

اندمجت شركات شيكات على بياض مع عديد من الشركات الناشئة وأدرجت أسهمها في البورصات وأسواق المال ذات الصلة، بما شمل شركات سيارات كهربائية خاسرة، ومصنعي أدوية في مراحل مبكرة من تأسيسها، ومجموعة من شركات وعدت بتغيير العالم.

كان الأمر مربحاً في بعض الأحيان للمستثمرين الأفراد حين أجادوا المناورة وأحسنوا التصرف.

على سبيل المثال، تجاوز سعر السهم الواحد في شركة الشيك على بياض المسماة “دياموند إيغل أكويزيشن” 17 دولاراً قبل الاندماج مع شركة “درافت كينغز” للمراهنات الرياضية عبر الإنترنت في أوائل 2020.

ثم ارتفع السهم، الذي أعيدت تسميته بسهم “درافت كينغز”، ليبلغ ذروة قُدرت بـ74 دولاراً للسهم الواحد خلال العام التالي، فيما يبلغ سعره 19 دولاراً تقريباً حالياً.

بدعة رائجة

شهدت أسواق المال تكدس مزيد وأزيد من الأموال مع تنامي الترويج لشركات الشيكات على بياض، فاصطف أشهر مديري الأموال وساسة سابقون ونجوم مجتمع لتأسيس شركات استحواذ ذات أغراض خاصة.

جمعت أكثر من 850 شركة شيك على بياض ما يقرب من 245 مليار دولار على مدى عامي 2020 و2021، تمهيداً لاستخدامها في ملاحقة الصفقات المربحة.

غير أن جودة العروض الجديدة تراجعت بوتيرة سريعة مع اختيار أصحاب الشركات مزيداً من الاستحواذات القائمة على المضاربة أو أنها تعاني للعثور على أي صفقات جديرة بالاهتمام، فضلاً عن تضافر عوامل أخرى مثل ارتفاع أسعار الفائدة والسوق الهابطة التي شهدها 2022.

موجة جديدة من إلغاء صفقات اندماج شركات الشيك على بياض

تُتداول الغالبية العظمى من أسهم الشركات المدرجة التي تشكلت عبر الاستحواذ عليها من قبل شركات شيكات على بياض، فيما يعرف أحياناً باسم “de-SPAC” أو الاندماج العكسي في “وول ستريت”، بأسعار أقل بكثير من السعر الأساسي البالغ 10 دولارات، وما يزال أمام هذه الشركات سنوات لتحقيق أي من الأرباح المرجوة.

قال أوشا رودريغيز، أستاذ القانون بجامعة جورجيا وواحد من كبار الخبراء الأكاديميين في مجال شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة: “تكمن كثير من مشاكل الشركات العامة، الناتجة عن اندماج شركات الشيكات على بياض مع أخرى ناشئة، في كونها ما تزال تمر بمراحلها الأولى نسبياً فيما تتمتع بوفرة رأس المال، لذا تنطوي على مخاطر أكبر بوجه عام. ولم يسبق أن تهيأ هذا العدد من الشركات الخاصة المجدية من الناحية الاستثمارية للطرح في الأسواق العامة”.

خنجر الاسترداد

تتضرر عديد من الشركات جراء تزايد الاستردادات، وحين يرفض مستثمرو شركات الشيكات على بياض اندماجاً مزمعاً أو حين يرغبون ببساطة في استرداد أموالهم، يمكنهم استرداد قيمة أسهمهم قبل إتمام الصفقة.

شهدت شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة تسييل أكثر من 80% من أسهمها في المتوسط خلال العام الماضي، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ”.

ويُقارن ذلك بمعدل أحادي الرقم في أوائل 2021، لذا تعني عمليات الاسترداد أن شركات الشيكات على بياض يمكنها جمع نقود أقل حال المضي قدماً بصفقة الاندماج.

كانت شركة الشيك على بياض، في حالة “ستاري غروب”، تأمل بجمع ما يصل إلى 450 مليون دولار عند اندماجها مع شركة “فرستمارك هورايزون أكويزيشن” في مارس الماضي بافتراض عدم استرداد أي من مستثمري شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة لأموالهم.

بنوك عالمية تهرب من سوق “الشيك على بياض” التي ساعدت في تأسيسها

لكن مساهمي “فرستمارك” اختاروا استرداد أكثر من 90% من أسهمهم في شركة الشيك على بياض عندما وافقت على الدمج.

ورغم ضخ المستثمرين الآخرين أموالاً لدعم الاندماج، إلا أن الاستردادات اختزلت حزمة أموال مجموعة “ستاري غروب” الجديدة إلى ما يزيد قليلاً عن 155 مليون دولار، وفقاً لوثائق المحكمة.

طرحت أسهم الشركة العامة للتداول على مدى 11 شهراً، وهي تخطط الآن لبيع أصولها بغية الابتعاد عن شبح الإفلاس أو سداد مستحقات مقرضيها بأسهم جديدة.

قال غريغ مارتن، الشريك المؤسس في شركة “رينميكر سيكيوريتيز” لتسهيل معاملات الشركات الخاصة الثانوية، متحدثاً حول شركات الشيكات على بياض بوجه عام: “إنها مجرد قصة تحذيرية. حين يكون هناك شيء جيد إلى حد يصعب تصديقه، فهو كذلك. عند تفحص التقييمات التي حصلت عليها بعض هذه الشركات من أصحاب شركات الشيكات على بياض، يتضح أنها لم تكن مستدامة بلا أي شك”.

المصدر: بلومبرغ

شارك هذه المقالة
ترك تقييم