رايت رايتس

السعودية… ما سر”زهرة البنفسج”؟

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 7 دقيقة قراءة
7 دقيقة قراءة
سجاد لمراسم البنفسجي في السعودية

مع حلول فصل الربيع يكسو اللون البنفسجي  لـ”زهرة الخزامى” ربوع الصحاري والهضاب السعودية في معزوفة كونية تنسجم مع الطبيعة والهوية التي تعتز بها البلاد، التي أقرت البنفسج لوناً معتمداً للسجاد الذي يكسو مدخل الديوان الملكي ومدرج المطارات وسلالم طائراتها أثناء مراسم استقبال الوفود الرسمية وملوك ورؤساء العالم.

- مساحة اعلانية-

ولخيوط “سجاد المراسم البنفسجي” حكاية لها تفردها وهويتها، إذ تتزين أطراف السجاد بـ”نقش السدو” الفولكلوري بالمملكة، الذي تعود جذوره إلى شريط زينة كانت تنسجه السعوديات للخيمة العربية في الزمن القديم، وهو إحدى الحرف الشعبية بالبلاد والمسجلة رسمياً في قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في ديسمبر (كانون الأول) 2020.

كان لافتاً (البروتوكول) الذي أقرته الدولة الخليجية، وهو الذي كسر عرفاً كان سائداً منذ عصور طروادة وملوك الحضارات اليونانية القديمة العائدة لعام 458 قبل الميلاد.

- مساحة اعلانية-

 وهو عرف “السجاد الأحمر” الذي لا يزال شائعاً، وتستقبل به دول وفود وتودع به “كان فرنسا” نجومها، ويبسط ويطوى في مراسم الفرح وتقاليد استقبال الملوك والمشاهير.

لكن هذا بدا مختلفاً في بلاد تفوق مساحتها مليوني كم. تتنوع تضاريسها وطقوسها مع اختلاف الفصول فيها، لكن ما يجمع شمل ربيعها هو “بنفسج الخزامى” أو “اللافندر” كما تعرف تلك النبتة العطرية التي يستخلص منها العطر والدواء. إضافة إلى رائحتها العطرة ولونها الجذاب، وهي كما يقول علماء النفس عنها “مهدئة للأعصاب ومخففة لآلام كثيرة منها الصداع”. كما تستعمل لتطهير الجو ومقاومة بعض الحشرات وتستخدم في الطبخ كذلك. وهذه المواصفات هي التي جعلتها تحوز على لقب النبتة الطبية لعام 2008، بحسب ما جاء في موقع “دي فيلت” الألماني الإلكتروني.

قوة البنفسج الناعمة

- مساحة اعلانية-

هل أرادت الرياض مد “قوتها الناعمة” عبر سجادها البنفسجي؟ لربما أن ما أرادت المراسم الملكية السعودية ووزارة الثقافة أن تبثانه عبر السجاد، هو أن أكبر دول الشرق المتوسط ليست أراض قاحلة صفراء وليس أثمن ما فيها هو النفط وبحسب، كما يعتقد بعضهم. بل هي غير ذلك وطبيعتها مختلفة ومتنوعة.

فبحسب ما أفصحت عنه تقارير رسمية فإن اختيار اللون البنفسجي أرادت منه البلاد أن تعكس للعالم “حال التجدد والنمو والنهضة التي تعيشها في ظل رؤية السعودية 2030”.

كما أنها كما تقول وزارة الثقافة فيها، أرادت أن “تعتز بجذور التاريخ والهوية والحضارة، والاحتفاء بمدلولات الثقافة التي تتجسد في الأرض والإنسان والزمن، ويحضر فيها اللون البنفسجي بوصفه جزءاً مهماً ينعكس بوضوح في الامتداد الطبيعي لأرض المملكة، معبراً عن كرمها وعطائها المتدفق منذ الأزل”.

ليست صحراء ونفطاً

يقول الخبير في دهاليز الدبلوماسية السعودية وبروتوكولها الدكتور سعود كاتب، إن “الخزامى” هو “شكل من أشكال التنوع البيئي في السعودية، وهو الشكل الذي لم يأخذ حقه في الإبراز الدولي لفترة زمنية طويلة سابقة”.

وبحسب وصف المتخصص في الاتصال والإعلام ووكيل وزارة الخارجية للشؤون الدبلوماسية السابق، “هو امتداد للجهود التي تبذلها الجهات المختلفة لتعريف العالم بروعة ذلك التنوع البيئي الذي يمتاز بتضاريسه ومناخه وغطائه النباتي متعدد الأشكال والألوان”.

وهو رد، كما يقول، إلى الذين كان يتبادر إلى أذهانهم حين يأتي ذكر السعودية أنها مجرد صحراء قاحلة تخلو من جمال التنوع البيئي.

ويعتبر الدبلوماسي الذي ترأس وفوداً دبلوماسية إعلامية مع كبار المسؤولين السعوديين أن هذا التوجه السعودي نحو “بنفسجة السجاد”، “يمثل مصدراً من مصادر كنوز القوة الناعمة السعودية المختلفة”.

حين يجيء ذلك في التغطيات الإعلامية العالمية للبلاد خلال زيارة وفد دبلوماسي أو رسمي.

وبحسب تعبيره، “فإن هذه التغطيات الإعلامية لورد الخزامى قبل أسابيع تعتبر إشارة ذات مدلولات بأن ملامح البلاد الجميلة بدأت تتضح للعالم، وهي ملامح مليئة بالتفاصيل الجذابة والفريدة، التي تستحق الإبراز ورؤية العالم لها”.

ويرى كاتب أن إحلال اللون البنفسجي بديلاً عن اللون الأحمر “دلالة على الفخر والاعتزاز بتلك الطبيعة كرمزية تحمل أبعاداً ثقافية وسياحية، وكذلك الاعتزاز بجذور التاريخ العريق لهذا البلد وثقافته المميزة. ومن ناحية أخرى يعبر عن المرحلة الجديدة التي تعيشها المملكة وانطلاقتها الفريدة والمميزة في مختلف المجالات كما تحملها رؤية 2030”.

دبلوماسية البنفسج

وقد تكون “دبلوماسية الخزامى السعودية” الوجه المتجلي لـ”القوة الناعمة” التي تريد بها على طريقة عراب المصطلح جوزيف ناي “قوة ناعمة تستلين بها أفئدة الناس وأبصارهم بعيداً من الإعلام والدعاية، “وأفضل الدعايات. ليست دعاية” كما يقول ناي أستاذ العلوم السياسية والعميد السابق في مدرسة جون كيندي الحكومية في جامعة هارفارد.

ولأن لكل دولة “خزاماها” ثمة دبلوماسية يستعرضها مستشار القوة الناعمة الدبلوماسية العامة السعودي فيصل الحويل، وهي دبلوماسية الباندا التي جاءت مرتبطة بالصين الشعبية، وهي التي أرادت بها أن تكون مرادفة لحيوان الباندا، كتعبير عن “الصداقة واللطف والسلام”.

يقول الحويل “لا تزال الحكومة الصينية تستخدم دبلوماسية الباندا من خلال إهداء الدول والرؤساء مجسمات الباندا وذلك لإظهار اللطف للدول الأجنبية، ولأنها تبدو أكثر ليونة وأقل عدوانية”.

ويعود بالحديث عن السجاد الربيعي الذي ظهر وبشكل رسمي في استقبالات الزعماء لبلاده منذ مايو (أيار) 2021، ويرى أنه “سيسلط الضوء على حقيقة الدولة، وما تملكه من كنوز طبيعية وجمالية، ذلك من خلال التغطيات الإعلامية التي ستصاحب زيارات الوفود، وهو ما يدفع بعضهم لإثارة سؤال عن السجاد، وبذلك ستخلق آلاف المقالات والتقارير والأبحاث من قبل المتخصصين في مجالات الثقافة والسياحة وعلوم الأرض عن المملكة”.

الدبلوماسية الثقافية

الحويل الذي أصدر كتاباً بعنوان “حكايا القوة الناعمة” تحدث فيه عن القوة الناعمة وأشكالها، يقول إن الدبلوماسية الثقافية ركن أساسي في القوة الناعمة والدبلوماسية العامة للدول، كمثال عليها مبادرة “السجاد البنفسجي” فهي إضافة مميزة للدبلوماسية الثقافية السعودية”.

معتبراً أن هذه المبادرة ليست مجرد تغيير للون السجاد بل تعطي بعداً أكبر وأعمق، وهو بحسب وصفه “يقدم نموذجاً ورسائل لزوار الدولة وضيوفها في نقاط مهمة منها، “اعتزاز السعودية قيادة وشعباً بالأرض وطبيعتها ومكوناتها وجذورها التاريخية”، وكذلك الاحتفاء بمدلولات الثقافة التي تتجسد في الأرض والإنسان والزمن والامتداد الطبيعي لأرض المملكة وكرمها وعطائها المتدفق منذ الأزل.

إضافة إلى أنها “رسالة لضيوف المملكة حول العالم بأن للمملكة وأرضها ما يميزها ثقافة وأرضاً وإنساناً وبأن لها بعداً تاريخياً وثقافة عميقة”.

كما أنها رسالة غير مباشرة لقطاعات الثقافة والسياحة والتصميم للبحث والتقصي عن المملكة وتاريخها ولوحاتها الجمالية التي قد تخلق منتجات إبداعية مستوحاة من الدولة نفسها بعيداً من التكرار والتقليد. بحسب الحويل.

والبنفسج أو الخزامى جنس نباتي يوجد منه حوالي 400 إلى 500 نوع مختلف حول العالم، معظمه في نصف الكرة الأرضية الشمالي.

وبحسب تعبير وأنماط الإنجليز، أن لكل شهر زهرة ميلاد، ففبراير (شباط) مثلاً، زهرته البنفسج، وهي ترمز إلى الإخلاص والحكمة والأمل.

شارك هذه المقالة
ترك تقييم