كشفت تسريبات صحفية لمسودة البيان الختامي لمؤتمر برلين 2 حول ليبيا المزمع عقده االيوم بالعاصمة الألمانية، عن أبرز المخرجات المكونة للنقاط الـ51 للوثيقة التي ستخرج تحت عنوان “المسودة الأولية”.
ومن بين هذه المخرجات تقديم الدعم القوي للسلطات الليبية من أجل الدفع لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 24 ديسمبر المقبل، والانسحاب الفوري للمرتزقة الأجانب من ليبيا. وكشفت التسريبات عن منح ليبيا عضوية كاملة مقارنة بالمؤتمر السابق.
وستؤكد الوثيقة -بحسب التسريبات- على الاعتراف بالتقدم المحرز منذ المؤتمر الأول في 19 يناير 2020 وتوقف الأعمال العدائية، واستمرار وقف إطلاق النار، ورفع الحصار النفطي، وتشكيل حكومة مؤقتة ومنحها الثقة من قبل مجلس النواب.
وستدعو جميع الأطراف بأن تشجع على بذل المزيد من الجهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المحدد في 24 ديسمبر 2021، والسماح بانسحاب متبادل ومتناسق ومتوازن ومتسلسل للقوات الأجنبية، بداية من المرتزقة الأجانب، من ليبيا، وكذلك تطبيق واحترام عقوبات الأمم المتحدة، بواسطة إجراءات وطنية أيضا، ضد من ينتهك حظر الأسلحة أو وقف إطلاق النار.
كما تدعو “المسودة الأولية” إلى دعم ليبيا في جهودها لحماية حدودها الجنوبية وفرض السيطرة على عبور الجماعات المسلحة والأسلحة عبر الحدود.
وسينص البيان الختامي على أهمية إنشاء قوات أمن ودفاع ليبية موحدة تحت سلطة مدنية موحدة، وكذلك التسريع في تفكيك الجماعات المسلحة والمليشيات ونزع سلاحها، وإدماج بعض الأفراد المؤهلين في مؤسسات الدولة.
وسيؤكد على ضرورة مكافحة الإرهاب في ليبيا وفقًا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ودعوة جميع الأطراف إلى وقف أي دعم للجماعات المصنفة بأنها إرهابية من قبل الأمم المتحدة.
وطالبت المسودة أيضا جميع الجهات الفاعلة بوقف تمويل القدرات العسكرية أو تجنيد المرتزقة مع الإشارة إلى الالتزام بتعزيز آليات رصد حظر توريد الأسلحة من قبل الأمم المتحدة والسلطات الوطنية والأطراف الدولية المختصة.
ودعت مسودة البيان الختامي مجلس الرئاسة المؤقت وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة باتخاذ مزيد من الخطوات نحو توحيد البلاد، وحثت أيضا جميع الجهات الفاعلة على استعادة واحترام وحدة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وغيرها من مؤسسات البلاد.
وعلى وجه الخصوص، طالبت السلطات الليبية، وفي مقدمتها مجلس النواب، بإجراء الاستعدادات اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وطنية حرة ونزيهة وشاملة في 24 ديسمبر 2021، خاصة تحديد القاعدة الدستورية للانتخابات وسن التشريعات انتخابية.
كما سيدعو البيان الختامي ملتقى الحوار السياسي الليبي إلى اتخاذ تدابير إذا لزم الأمر، من شأنها أن تسهل الانتخابات في إطار متطلبات خارطة الطريق السياسية.
وسيشجع المؤتمر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية على إرسال مراقبين للانتخابات بالتنسيق مع السلطات الليبية وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وسيشدد البيان الختامي أيضا على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ضد المعرقلين للعملية السياسية من خلال فرض عقوبات.
وفي ما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والمالية، سيتعين على حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة “تحسين توفير الخدمات الأساسية للشعب الليبي، وكذلك توفير الماء والكهرباء، والخدمات الطبية والتعليمية، ومحاربة الفساد، وإنعاش الاقتصاد الوطني والالتزام بإعادة إعمار البلاد”.
وسيبدي المشاركون في المؤتمر استعدادهم لدعم جهود إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي والمطالبة بتوزيع شفاف ومسؤول وعادل للثروة وعائدات البلاد بين المناطق الجغرافية الليبية المختلفة من خلال اللامركزية ودعم البلديات.
وبخصوص احترام القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، طالبت المسودة حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة وجميع الأطراف في ليبيا بالاحترام الكامل للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، وحماية المدنيين والمؤسسات المدنية، والنازحين، المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء والسجناء.
وطالبت أيضا بإعادة النظر في ملفات المحتجزين والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بشكل غير قانوني أو تعسفي، وستدعو المسودة السلطات الليبية إلى إغلاق مراكز احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء، والحرص على توافق تشريعات الهجرة واللجوء مع القانون الدولي والمعايير والمبادئ المعترف بها دوليًا.
كما تتعهد المسودة بدعم ليبيا في تطوير نهج شامل لإدارة الهجرة ومجابهة تحركات اللاجئين من وإلى ليبيا بالارتكاز على مبادئ القانون الدولي.
وأكدت المسودة أيضا على ضرورة محاسبة كل من انتهك أحكام القانون الدولي مع تقديم الدعم للمؤسسات الليبية في توثيق انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، وإجراء مسار عدالة انتقالية ومصالحة وطنية شامل وقائم على الحقوق.
وتوقع إبراهيم عبد الله الزغيد، عضو مجلس النواب، أن يكون مؤتمر برلين 2 مثل سابقه، مؤكدا أنه يتم وسط اختراقات أمنية تركية، في حين لم يضغط ممن حضروا المؤتمر الأول على أنقرة لسحب قواتها من الأراضي الليبية.
واعتبر الزغيد في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، أن زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مطلع الشهر الجاري للبلاد من دون التنسيق مع مسؤولي حكومة الوحدة الوطنية، وكذلك هبوط طائرته في مطار معيتيقة وتنقله إلى قاعدة الوطية ولقائه بجنوده، بمثابة رسالة يقول فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه “الآمر الناهي والحاكم الفعلي لليبيا، ويبعث ما يشاء من وزرائه وقواته وطائرات وأسلحة، مما يؤكد أن الذي تفعله تركيا في ليبيا ما هو إلا غزو تركي عثماني جديد للبلاد وأمام عين المجتمع الدولي ولم يحرك ممن حضر مؤتمر برلين الأول ساكنا”.
وأكد الزغيد أنه لا يعول على المؤتمرات التي تلتئم خارج ليبيا، وأن المجتمع الدولي هو من أربك المشهد السياسي، موضحا أن ما قام به عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة الوطنية المؤقتة، بإعادة فتح جزء من الطريق الساحلي الرابط بين شرق البلاد وغربها تم بمعزل عن اللجنة العسكرية 5+5، وهي أحد مخرجات مؤتمر برلين الأول، مبينا أن هذا الطريق مغلق بواسطة ميليشيات تطالب بمبالغ مالية طائلة لاستكمال فتحه كليا.
ورفض عضو مجلس النواب، النقاط التي وردت في المسودة حول الإرهاب لأن المجلس أعلى سلطة تشريعية في البلاد أصدر بالفعل عدة قوانين تحارب الإرهاب ومن بينها تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، والقوات المسلحة الليبية لديها خبرات عسكرية كبيرة كي تتعامل مع الإرهاب “ولسنا في حاجة لأن يتحدث المجتمعون في برلين حول كيفية القضاء على الإرهاب ودحره وتجفيف منابعه”.
من جانبه، رأى المحلل السياسي عبد الرؤوف بلاح، في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، أن مؤتمر برلين الثاني سيكون كغيره من المؤتمرات، ولن يضمن استقرار ليبيا المنشود، الذي لن يأتي إلا بأيدي الليبيين واتفاقهم حول ضرورة عودة البلاد دولة ذات سيادة وآمنة.
أما المحلل السياسي الكيلاني المغربي، فقد ذكر في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية أن أهم النقاط التي تمثل خللا كبيرا في المسودة هي النقطة التي تنص على وقف الأعمال العدائية، لأنها لم تحدد هوية الأطراف بل وساوت بين الجيش الليبي الذي يحمي بلاده من خطر الإرهاب والميليشيات التي يجب القضاء عليها.
وركز المغربي في تصريحات على أن أهم النقاط التي وردت في المسودة هي ضرورة انسحاب المرتزقة من دون الإشارة إلى الدولة التي جلبتهم إلى الأراضي الليبية وتسميتها بوضوح، موضحا أن جميع المرتزقة الذين جلبتهم تركيا جاءوا من مطارات دول لها عضوية في مجلس الأمن وتشارك في مؤتمر برلين.
وقلل من قيمة النقطة التي أوردتها المسودة الخاصة بتأمين الحدود ومنع عبور الجماعات الإرهابية، في الوقت الذي تفتح مطارات تركيا أمام هؤلاء المرتزقة للوصول إلى البلاد.
واتفق عبد الرؤوف بلاح، مع المغربي، حول ضرورة تسمية ممولي المرتزقة ومن استجلبهم إلى الأراضي الليبية حتى يتسنى خروجهم من غير رجعة.
وقال الزغيد إن العلاقات بين تركيا وألمانيا ممتدة منذ الحرب العالمية الثانية وبالتالي لن تسمح الأخيرة بالضغط على أنقرة لطرد قواتها من ليبيا في الوقت الذي يشيد أردوغان قواعد عسكرية في البلاد، موضحا أن تركيا تضغط على من يساعدهم داخل البلاد من ميليشيات وبعض المسؤولين للبقاء، لأنها تعتبر ليبيا بوابتها إلى قارة إفريقيا، وتسعى لتحويلها إلى معبر، مما يعني توفير أموالا طائلة بديلا عن العبور من قناة السويس، وهو ما يشكل خطرا اقتصاديا على الشقيقة مصر.
بدوره، اعتبر محمد جبريل، عضو رئاسة مجلس القبائل والمدن الليبية، أن وجود تركيا ضمن الأطراف الحاضرة للمؤتمر سيكون خطوة في اتجاه سعي أنقرة لتمكين جماعة الإخوان، وبالتالي الهيمنة على المنطقة العربية واصطناع زعامة للعالم الإسلامي تحت مزاعم الخلافة.
وقال الزغيد إنه “غير متفائل ببعثة دول الجوار، ومن بينها دولة الجزائر التي تدعم تنظيم الإخوان الإرهابي وكذلك تونس التي يترأس مجلس نوابها الإخواني راشد الغنوشي والجميع يعرف ماذا يطبخ هناك”.
أما جبريل فقد اعتبر في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، أن “دولة الجزائر لا يهمها استقرار ليبيا بقدر تصدير معركتها مع الإرهابيين إلى خارج حدودها، ولا تريد منافس عربي على النفوذ الجزائري في إفريقيا”.
وأرجع بلاح سبب تدهور الأوضاع في ليبيا إلى “خطة صنعت بأيد دولية” مكنت الميليشيات من مفاصل الدولة، متمثلة في جماعات الإسلام السياسي، خاصة تنظيمي الإخوان والقاعدة بكل منتجاتهم العقائدية تحت مظلة تركيا.
وأبدى اندهاشه من تردى الأوضاع الأمنية في البلاد مما تسبب في السجن والاعتقال والقتل على الهوية السياسية والاجتماعية وتحول ليبيا إلى “أكبر مصدر للهجرة غير الشرعية وتجارة الأسلحة والمخدرات برعاية بعض الدول، والآن تريد بعض هذه القوى المشاركة في المؤتمر إيجاد حل سلمي للبلاد”.
من جانبه، استنكر المغربي المطالبة بالإفراج عن السجناء “من دون تحديد هل هم سجناء رأي أم إرهابيون، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤل حول ميزان القوى الذي يعد مفتاحا للإفراج عن أطراف القوى فقط”.
وأعرب جبريل، عن تخوفه من خروج مؤتمر برلين بنتائج تهدف إلى تقسيم البلاد مثلما حدث في مؤتمر برلين عام 1884 الذي قسم الوطن العربي وإفريقيا بين الأوروبيين.
ورأى أن المعضلة الكبرى التي تواجه المؤتمر هي سيطرة الميليشيات على الحكومة، “فكل تصرفاتها تدل على أنها حكومة إخوانية قاعدية جهوية وليست حكومة وحدة وطنية”.
وأضاف أن “الحل يكمن في ضرورة تخليص الحكومة من بين مخالب الميليشيات، وهذا لن يتم إلا بنقل مقر الحكومة إلى مدينة سرت مثل ما هو متفق عليه في اتفاق جنيف”.
وأوضح عضو مجلس القبائل والمدن، أن إيطاليا بوصفها أحد أهم الأطراف التي ستحضر المؤتمر لديها هدف واحد فقط من انعقاده، يتمثل في منع تدفق الهجرة والإرهابيين وتجارة البشر والمخدرات وغسيل الأموال.
ووفقا لجبريل فإن الولايات المتحدة الأميركية تريد ليبيا قاعدة لتأمين مصالحها في إفريقيا، وخصما لها في ما يتعلق بمصالحها مع روسيا والصين.