قبل عشرة قرون وضعت اللبنة الأولى لأحد أقدم مساجد القاهرة الفاطمية وأكبرها مساحة وأجملها تصميما، ففي عام 989 ميلادية، رأى العزيز بالله الفاطمي، خامس الخلفاء الفاطميين، أن جامع الأزهر الشريف، لم يعد لديه قدرة على استيعاب المزيد من المُصلين والدارسين، لذلك بدأ يفكر في بناء مسجد جديد، ولكن عملية البناء توقفت بوفاته، قبل أن يستكملها ابنه “الحاكم بأمر الله”، الخليفة الفاطمي السادس.
تم افتتاح المسجد عام 1012 ميلادي، وسمي على اسم الحاكم، وفي عام 1013 ميلادي، أصدر الحاكم بأمر الله قراراً بتحويل المسجد إلى “جامع” يُدَرَّسْ فيه الفقه، ليساعد جامع الأزهر الشريف في استيعاب الدارسين والمصليين.
يعتبر جامع الحاكم بأمر الله رابع أقدم المساجد الجامعة الباقية بمصر، وثاني أكبر جوامع القاهرة اتساعا بعد جامع أحمد ابن طولون.
يقع الجامع بنهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية بجوار باب الفتوح. حيث كان المسجد وقت تشييده خارج أسوار القاهرة القديمة التي شيدها جوهر الصقلي، ثم أصبح داخل حدود المدينة بعد أن قام بدر الجمالي (480هـ/ 1087م) بتوسعة المدينة وتشييد الأسوار الحالية.
وبعد خمس سنوات من الترميم أعيد افتتاح المسجد الأثري ليشكل إضافة قوية لآثار مصر الإسلامية في منطقة القاهرة التاريخية والتي تتميز بمكانتها ودورها السياحي الهام حسبما أكد وزير السياحة والآثار أحمد عيسي خلال مراسم افتتاح المسجد.
مشروع ترميم المسجد وإحيائه جرى بالتعاون مع طائفة البهرة الإسماعيلية، وتحت إشراف قطاعي المشروعات والآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار والإدارة العامة للقاهرة التاريخية بتكلفة 850 مليون جنيه.
وأكد محافظ القاهرة خالد عبد العال أن مشروع ترميم المسجد يعد جزءا من التطوير الذي تشهده منطقة القاهرة التاريخية خلال الفترة الحالية، حيث شهدت افتتاح مسجد الحسين وشارع الأشراف ومسار آل البيت، بالإضافة إلى مشروع تطوير الفسطاط الجاري حاليا.
وأوضح رئيس المجلس الأعلى للآثار مصطفي وزيري أن مشروع الترميم بدأ في فبراير 2017، حيث شملت الأعمال صيانة دورية لدرء الخطورة وحماية حوائط المسجد من أثر الرطوبة والأملاح، بالإضافة إلى أعمال تهوية وتدعيم الحوائط ومعالجة بعض الشروخ بها.
كما تضمن المشروع ترميم كافة الأعمال الخشبية بالمسجد من الأبواب والمنبر والروابط الخشبية المزخرفة أسفل أسقف المسجد، وترميم الثريات ( النجف) بإيوان القبلة وصيانة واستكمال المشكاوات والقناديل الزجاجية بإيوانات المسجد وإضافة فوانيس جديدة كوحدات للإضاءة مطلة على الصحن فضلا عن أعمال الترميم الدقيق للمحاريب بالمسجد مع تغيير الستائر التى تغطى فتحات العقود المطلة على الصحن، وتجديد شبكة الكهرباء الداخلية والخارجية ورفع كفاءة الشبكة، كما زود بمنظومة من كاميرات المراقبة مع صيانة الإضاءة المتخصصة للواجهة الخارجية، بالإضافة إلى صيانة كافة أرضيات الأيونات والصحن الرخامية بالمسجد طبقا للأصول الفنية والأثرية.
ويتميز مسجد الحاكم بأمر الله بمدخله الرئيسي البارز بالواجهة الرئيسية – الشمالية الغربية والذى يعد أقدم أمثلة المداخل البارزة بمصر حيث أخذ الفاطميون فكرته من مسجد المهدية في تونس، وقد قام جامع الحاكم بنفس الدور الذي كان يقوم به جامع الأزهر في ذلك الوقت من حيث كونه مركزًا لتدريس المذهب الشيعي.
أما تخطيط المسجد فهو عبارة عن مساحة شبه مربعة يتوسطها صحن أوسط مكشوف سماوي يحيط به أربعة ظلات أكبرها وأوسعها ظلة القبلة في الجانب الجنوبي الشرقي المكونة من خمسة أروقة، أما الظلة الشمالية الشرقية فتتكون من رواقين فقط، أما الظلتان الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية فيحتوي كل منهما على ثلاثة أروقة، كل رواق به مجموعة من العقود، ويعلو واجهته الرئيسية مئذنتان.
وقد توالت الإصلاحات والترميمات على المسجد بعد تهدمت أجزاء منه جراء زلزال مدمر تعرضت له البلاد عام 1302 م، وقد اتخذه جنود الحملة الفرنسية مقراً لهم أواخر القرن الثامن عشر مستخدمين مئذنتيه كأبراج للمراقبة العسكرية.
وقد استخدم رواق القبلة والصحن من قبل لجنة حفظ الآثار العربية كأول متحف إسلامي بالقاهرة أطلق عليه دار الآثار العربية، قبل نقل القطع إلى متحف الفن الإسلامي بباب الخلق، كما تحول الرواق الجنوبي الغربي وجزء من الرواق الشمالي الغربي إلى مدرسة ابتدائية عُرفت بـ ” السلحدار الابتدائية.
تجدر الإشارة إلى أن الزعيم الشعبي عمر مكرم قام بتجديد بعض أجزاء المسجد وكسا القبلة بالرخام، وأضاف منبرًا ومحرابًا بجوارها مطلع القرن التاسع عشر.