التوتر على أشده بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبخاصة بعد مقتل مواطن أميركي بإطلاق النار عليه قرب أريحا بالضفة الغربية، وبفارق ساعات قليلة، تم إطلاق النار على سيارة مستوطنين قرب مستوطنة “تبواح”، حيث أصيب أربعة إسرائيليين، كما تم إحراق حافلة ركاب إسرائيلية قرب القدس بعد رمي زجاجة مولوتوف عليها، وهو تصعيد غير مسبوق دفع أجهزة الأمن ومسؤولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين إلى عقد اجتماعات طارئة لبحث تداعيات هذه الأحداث المتزامنة التي لم تتوقف منذ مقتل إسرائيليين اثنين وكان الفلسطينيون في قرية حوارة شمال الضفة الغربية استفاقوا اليوم الإثنين على آثار الدمار والتخريب التي وقعت خلال ساعات الليل على يد مستوطنين إسرائيليين أرادوا الانتقام لمقتل اثنين منهم.وتوهجت السماء مع اشتعال النيران ليل الأحد – الإثنين في القرية التي دمرها المستوطنون، وفق عضو مجلس بلديتها وجيه عودة، وأحرقوا أكثر من 30 منزلاً و100 مركبة.
أحرقوا كل شيء
وأكدت جمعية إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني تسجيل 350 إصابة في حوارة خلال الليل، معظمها بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي.
وقال كمال عودة، وهو أحد سكان القرية، إن “عشرات المحال التجارية وعشرات المنازل أحرقت ودمرت”، مضيفاً “حتى الأشجار لم تسلم، أحرقوا كل شيء، أحرقوا كل ما كان أمامهم”.
وهاجم المستوطنون الذين جاؤوا من أنحاء مختلفة القرية في أعقاب إطلاق نار أودى بحياة مستوطنين شقيقين (20 و22 سنة) من مستوطنة هار براخا.
وتصاعد التوتر أخيراً في الضفة الغربية حيث نفذ الجيش الإسرائيلي الأربعاء الماضي عملية عسكرية في مدينة نابلس أسفرت عن مقتل 11 فلسطينياً وجرح أكثر من 80 بالرصاص الحي.
وتعرضت قرى أخرى لهجمات المستوطنين، لا سيما زعترة وبورين القريبتين من نابلس، وفق وزارة الصحة ومسؤولين.
أما ضياء عودة الذي يسكن في حوارة فقال، “بالأمس كانت الحرب هنا”، وأضاف الشاب البالغ 25 سنة “كانوا ما بين 200 و300 مستوطن يحملون الحجارة وصفائح البنزين، وأحرقوا السيارات والبيوت وكسروا كل شيء”.
أما قرية بورين جنوب نابلس فلم تنم، وقال رئيس مجلسها القروي إبراهيم عمران إنه “حتى الخراف لم تسلم من وحشية المستوطنين المتطرفين الذين استباحوا قريتنا الليلة الماضية”، مضيفاً “عاش أهالي قريتي ليلة عصيبة، إذ تحولت القرية إلى ساحة حرب حقيقية، وأحرق المستوطنون الذين هاجمونا أربعة منازل وست مركبات وغرفة في المدرسة الثانوية، ولم يكتفوا بذلك بل اقتحموا حظيرة أغنام ونحروا خروفين بالسكاكين، وحظيت بدعم واسع من قادة اليمين المتطرف وأحزاب الائتلاف الذين شجعوا على إعلان المستوطنين عن نيتهم إحراق حوارة.
الجيش يطالب بعدم الاكتفاء بالدفاع
وشهد أمس الإثنين، وفي أعقاب تصعيد الوضع في حوارة، خلافات إسرائيلية حول سبل التعامل مع التطورات الحاصلة، ولم يكتفِ قادة الجيش بالإجراءات الميدانية والتعليمات التي تصدرها الحكومة، وفي مركزها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ودعوا إلى خطوات فورية لإحباط العمليات الفلسطينية وعدم الاكتفاء بالدفاع، وطالبوا بنشر قوات عسكرية في مراكز المدن الفلسطينية والعمل هناك لمنع القيام بأي عمليات ضد إسرائيليين وأهداف إسرائيلية.
واعتبر القادة العسكريون السياسة الحالية في الضفة غير كافية وأن هناك حاجة إلى تنفيذ عمليات عسكرية في مراكز المدن الفلسطينية بهدف إحباط العمليات الفلسطينية ضد الجيش والمستوطنين.
وصدرت توجيهات خاصة للجيش للعمل ضد ما سماه الإسرائيليون “القنابل الموقوتة”، أي العمل ضد الشبان الفلسطينيين الذين يخططون لتنفيذ عمليات.
في الوقت نفسه نقل الجيش أربع كتائب عسكرية إلى الضفة ونشر قواته في مختلف مراكزها، وعلى أثر جلسات تقييم الوضع، تم نقل كتيبة “تافور” التابعة للجبهة الداخلية، وفق ما جاء في بيان خاص للجيش.
وفي حين حظي المستوطنون بدعم من قادة أحزاب اليمين والائتلاف الحكومي، قامت مجموعة منهم بالاعتداء على قائد لواء “بنيامين” الذي تنتشر قواته في منطقة رام الله والبيرة ومحيط القدس، وفي الوقت نفسه قام المستوطنون بالاعتداء على مركبات الفلسطينيين وقذفها بالحجارة.
تكثيف الاستعداد
ودعا وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال جولة ميدانية قام بها في حوارة، الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ سلسلة تدريبات عسكرية، انطلقت بعد ظهر أمس الإثنين، “لضمان الاستعداد وأعلى درجة الجهوزية لاحتمال تصعيد واسع في الضفة والقدس وحتى غزة ومواجهة مختلف التهديدات المتوقعة، إلى جانب تكثيف الوجود العسكري وتوفير الحماية على الطرقات والمحاور الرئيسة والحراسة للمستوطنات”.
الحكومة تغير قواعد اللعب
من جهته قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال جلسة الكنيست، بعد ظهر أمس الإثنين، إن حكومته “ستعمل ضد الإرهاب بكل الطرق، بما في ذلك منع عمليات وفرض عقوبات مباشرة وضمان تشريع قانون طرد ليس فقط لمنفذي العمليات الإرهابية، وإنما عائلاتهم أيضاً، وفرض عقوبة الإعدام”، مشدداً على مباشرة بناء الـ10 آلاف وحدة سكنية التي أعلن عنها.
ونشب خلاف بين نتنياهو وبين بن غفير وسموتريتش (وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش) لدعم الأخيرين هجوم المستوطنين على حوارة، وقال نتنياهو “لن نقبل وضعاً يفعل فيه كل شخص كما يحلو له: إشعال النار في المنازل وإحراق السيارات ومهاجمة المدنيين عمداً، هو عمل بالضبط يريد أعداؤنا رؤيته، ويريدون رؤية فقدان السيطرة ودائرة لا نهاية لها من الدم والنار والدخان”. ووصف نتنياهو تصرفات بن غفير بـ”غير المسؤولة”، وبأن سياسته تشجع جمهور داعميه إلى العصيان المدني.
حديث نتنياهو أسهم في احتدام الصراع والخلاف بينه وبين رؤساء أحزاب الائتلاف، فقاطع بن غفير وأعضاء حزبه جلسة الكنيست التي دعا إليها نتنياهو، ورد حزب “عوتسما يهوديت” برئاسة بن غفير على كلام رئيس الحكومة بالقول “سياسة الاحتواء التي ينتهجها نتنياهو والليكود عمل غير مسؤول. عندما يكون هناك هجوم ضد الإسرائيليين، يجب على إسرائيل أن تضرب الإرهاب وألا تستسلم له”.
ووصلت ذروة الاحتدام الداخلي في الحكومة عند استقالة رئيس حزب “نوعام” آفي ماعوز من منصبه كنائب لوزير في حكومة نتنياهو. واعتبر في رسالة استقالته أن نتنياهو غير صادق باتفاقات الائتلاف “لدهشتي، اكتشفت أنه لا توجد نية صادقة لتنفيذ اتفاق الائتلاف في شأن إدارة الهوية القومية اليهودية”.
من الصعب إطفاء النيران في الضفة
المتخصص في الشأن العسكري عاموس هرئيل اعتبر التصعيد الأمني بعد أحداث حوارة خطراً، وحمل الحكومة المسؤولية، محذراً من أن الأوضاع الحالية آخذة بالاشتعال بما لا يمكن إطفاؤها قريباً.
وقال “الأحداث التي تشهدها المنطقة، والتي وقعت تزامناً مع انعقاد مؤتمر دولي في العقبة بمبادرة من الإدارة الأميركية، تجسد من جديد عدم سيطرة نتنياهو على الواقع السياسي، خصوصاً بعد مهاجمة وزيري الجناح اليميني المتطرف في حكومته بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير مجرد مشاركة إسرائيل في المؤتمر، وإعلانهما أن التفاهمات التي تم التوصل إليها في الأردن لا تلزمهما”.
أضاف هرئيل محذراً من موقف الوزيرين “في البيان الختامي للمؤتمر، تم الحديث عن تعزيز التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، الآن، على رغم جهود الوساطة، سيكون من الصعب إطفاء النيران بسرعة في الضفة، الوضع القائم في الضفة الغربية حساس جداً، والسلطة الفلسطينية أضعف بكثير من أن يكون بإمكانها وقف تدفق الأحداث، فضعف القيادة الفلسطينية يصعب على أجهزة أمنها أن تنفذ الوعود التي أعطيت لرجال الارتباط الأميركيين”.
الملف الفلسطيني
من جهته اعتبر ميخائيل هراري المسؤول السابق عن الملف الفلسطيني في مركز الأبحاث السياسية التابع لوزارة الخارجية، ومسؤول سابق في سفارة إسرائيل لدى مصر، الوضع الأمني الذي تشهده الضفة في غاية الخطورة.
ودعا إلى خطوات عدة لاستدراك الأمر في مقدمتها تدخل واشنطن واتخاذها خطوات استراتيجية لمنع التدهور، وقال “ما تشهده الأوضاع الحالية في الضفة والخوف من تصعيد أمني خطر، تقض مضاجع بعض اللاعبين، ولا سيما الولايات المتحدة ودول في المنطقة كالأردن ومصر والإمارات.
والمفترق الذي توجد فيه إسرائيل، والمنطقة كلها، يستوجب عملاً استراتيجياً أكثر، وهناك شكوك بإمكان وقف التدهور حال وقوعه”. وحذر هراري من تصعيد خطر “حيال التطورات غير المسبوقة، والخوف من فقدان السيطرة في الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء”.
المصدر: إندبندنت عربية