لا ينتهي الجدل حول مخاطر تناول التونة من جهة، والفوائد التي تنطوي عليها من ناحية أخرى، لا سيما أن التونة مليئة بالبروتينات وأحماض أوميغا 3 الدهنية الأساسية المعروف أنها تحافظ على توازن كثير من العمليات الحيوية في الجسم، أضف إلى ذلك أن خزائن المطبخ لا تخلو منها، وأنها تشكل عنصراً رئيساً في الوجبات الجاهزة وعلب الغداء المدرسية حول العالم.
حتى أن بعض أنواع الحميات الغذائية التي ترمي إلى إنقاص الوزن تتطلب تناول أكثر من علبة منها يومياً، لا سيما أنها قليلة السعرات الحرارية.
غير أن التونة، شأنها شأن أنواع كثيرة أخرى من الأسماك، تحتوي غالباً على مادة الزئبق، التي تعتبر سامة للبالغين وتشكل مصدر قلق خصوصاً بالنسبة إلى صحة الأطفال والرضع والحوامل.
وفق مسح وطني نهضت به مؤسسة “كونسيومر ريبورتس” Consumer Reports الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وشارك فيه ألفان و185 شخصاً من البالغين، تبين أن نحو ثلث الأميركيين يتناولون التونة مرتين أو أكثر شهرياً، وأن حوالي 10 في المئة منهم يأكلون التونة المعلبة مرة واحدة على أقل تقدير في الأسبوع.
ولما كانت تمثل خياراً غذائياً بالنسبة إلى كثيرين، وبسبب مخاطرها المحتملة، اختارت “كونسيومر ريبورتس” خمس علامات تجارية شهيرة من التونة المعلبة، هي “بامبل بي” Bumble Bee و”تشيكن أوف ذا سي” Chicken of the Sea و”ستاركيست” StarKist و”سايف كاتش” Safe Catch و”وايلد بلانيت”Wild Planet، وأجرت عليها تحاليل مخبرية بحثاً عن نسبة الزئبق فيها.
وفي النتيجة، وجدت المؤسسة، كما يرد في موقعها الإلكتروني، مجموعة واسعة من مستويات الزئبق تختلف باختلاف أنواع التونة والعلامات التجارية. مثلاً، تحتوي الأصناف الخفيفة Light tuna من التونة (مزيج من مجموعة متنوعة من أنواع التونة الصغيرة) و”التونة الوثابة”skipjack على كمية أقل من الزئبق في المتوسط من “تونة البكورة” albacore.
ربما تقول إن قليلاً من الزئبق لن يضر، غير أن خبراء سلامة الأغذية في “كونسيومر ريبورتس” يحذرون من أن التحاليل المخبرية الحالية، إلى جانب تحاليلهم المخبرية السابقة وبحوث تعاونوا فيها مع مجموعات أخرى من الخبراء، تشير إلى أنه من الأفضل للحوامل عدم تناول التونة تماماً.
صحيح أن التونة المعلبة، خصوصاً الأنواع الخفيفة منها، تحتوي على مستويات منخفضة نسبياً من الزئبق، غير أن بعض العلب تحمل أحياناً مستويات أعلى بكثير.
تطرق إلى هذه المسألة الدكتور جيمس إي. روجرز، مدير قسم بحوث واختبارات سلامة الأغذية لدى “كونسيومر ريبورتس”، فكشف أن بين علبة وعلبة أخرى، ربما ترتفع مستويات الزئبق على نحو غير متوقع، ما يعرّض صحة الجنين للخطر”.
ولكن النبأ السار أن التحاليل المخبرية وجدت خيارات كثيرة من التونة المعلبة للكبار والأطفال، وحتى المستهلكين الدائمين منهم، ما يساعدنا في نهاية المطاف في جني منافعها الخاصة بصحة القلب والدماغ.
مخاطرها
لا يخفى على أحد أن محيطاتنا تفيض بالزئبق، فتجد هذه المادة طريقها إلى كل الأسماك تقريباً التي يطيب لنا استهلاكها.
والزئبق عنصر موجود بشكل طبيعي في البيئة، إضافة إلى أنه نتاج ثانوي للتلوث الناجم عن أنشطة الإنسان، ومعروف أن الأسماك الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة في السلسلة الغذائية؛ لذا فإن تركيز الزئبق والملوثات العضوية الثابتة تزداد فيها.
وكلما ازداد عدد الأسماك الصغيرة التي تأكلها تلك الأسماك الكبيرة، ازداد تراكم الزئبق في أجسامها.
نعم، ليست التونة أكبر سمكة في المحيط، بيد أنها تحظى بشعبية كبيرة ويتناولها غالباً الأطفال والكبار من مختلف الأعمار. حتى أن الأنظمة الغذائية لدى بعض الشعوب لا تحتوي إلا على التونة كطعام بحري.
والزئبق سم عصبي معروف، تطرح الكميات الصغيرة منه ضرراً على الأطفال الذين ما زالت أجسادهم وعقولهم في طور النمو.
أما الكميات الكبيرة منه فتؤذي البالغين أيضاً، إذ تتسبب بمشكلات في التنسيق الحركي الدقيق، والكلام، والنوم، والمشي، والأحاسيس. ويبقى الضرر الأكبر، وفق روجرز، على الحوامل، ذلك أن أدمغة أطفالهن وأجهزتهم العصبية معرضة بشكل خاص للزئبق.
بالعودة إلى 2017، وبعد النهوض بتحاليل مخبرية، أصدرت “إدارة الغذاء والدواء الأميركية” إرشادات صارمة بشأن الأسماك التي ينصح بتناولها للحوامل والنساء اللاتي يخططن للحمل. بموجبها، يمكن لهذه المجموعة أن تأكل حتى 12 أونصة (200 غ) أو ثلاث حصص من التونة الخفيفة، أو 4 أونصات (حصة واحدة) من تونة البكورة أسبوعياً، وذلك في حال عدم تناول أي سمكة أخرى.
يومها، علمت “كونسيومر ريبورتس” من “إدارة الغذاء والدواء” أن عدم تخطي هذه المستويات يحمي الجنين أثناء الحمل من مخاطر تتهدد نمو الجهاز العصبي”، مشيرة إلى أنها آمنة أيضاً للفئات الأخرى من الناس.
ولكن بعد تحليل بيانات “إدارة الغذاء والدواء”، قال الخبراء لدى “كونسيومر ريبورتس” آنذاك إن الإرشادات الجديدة شكلت خطوة في الاتجاه الصحيح، غير أنها لم تكن كافية. في رأيهم، نظراً إلى أن بيانات “إدارة الغذاء والدواء” كشفت عن ارتفاعات خطيرة محتملة في مستويات الزئبق في بعض علب التونة، على الحوامل الابتعاد عنها تماماً. وللسبب نفسه، اعتقد خبراء “كونسيومر ريبورتس” أن على البالغين والأطفال الآخرين أيضاً تحديد حصتهم منها.
وبعد تحليل نتائج الاختبارات المخبرية الأخيرة، لم تتغير نصيحة خبراء سلامة الأغذية لدى “كونسيومر ريبورتس”: “ما زلنا نخشى أن الاختلاف في نسبة الزئبق بين علبة وأخرى يتهدد الحوامل، ويؤشر إلى ضرورة اتخاذ الجميع بعض الاحتياطات” المتصلة بتناول هذه الأسماك، كما يقول الدكتور مايكل هانسن، أحد كبار العلماء لدى “كونسيومر ريبورتس”.
في التحاليل المخبرية التي اضطلعت بها “كونسيومر ريبورتس”، نظرنا في 10 منتجات عموماً، من بينها نوعان من كل واحدة من العلامات التجارية الخمسة للتونة: تونة البكورة، المصنوعة من التونة الأكبر حجماً والأكثر تكلفة عادة؛ والتونة الخفيفة (من بينها الوثابة)، والمصنوعة من التونة الأصغر حجماً. حللت المؤسسة ثلاث عينات من كل منتج، من دفعات مختلفة، بلغت 30 عينة. وكانت جميع منتجات التونة معبأة في الماء، وقد تخلص منه الخبراء قبل التحليل.
يصح القول إن هذه التحاليل المخبرية لا تتعدى كونها نظرة سريعة إلى منتجات التونة وليس إلى هذه السوق برمتها، غير أنها توفر من دون شك نظرة ثاقبة إلى ما قد يواجهه المستهلكون في لحظة معينة عند تناول هذه العلامات التجارية من التونة، وتؤكد أهمية اتخاذ خيارات أكثر أماناً في روتينهم الغذائي اليومي.
إحدى الحقائق الكبيرة أن تونة البكورة تحتوي على كمية من الزئبق أكثر بأشواط من التونة الخفيفة أو التونة الوثابة، بغض النظر عن العلامة التجارية. ليست هذه الحقيقة مستغربة لأن البكورة أكبر حجماً وتعيش لفترة أطول من أسماك التونة التي تتكون منها التونة الخفيفة أو التونة الوثابة. لكن كان التفاوت واسعاً جداً: فقد احتوت منتجات البكورة على زئبق أكثر بثلاث مرات في المتوسط مقارنة مع الأنواع الأخرى.
عموماً، يعرف العلماء وخبراء المأكولات البحرية أن البكورة تحتوي على زئبق أكثر مقارنة مع سمك التونة الخفيف، ولكن يبدو أننا إزاء نبأ جديد عندما يتعلق الأمر بالمستهلك العادي. وفق استطلاع “كونسيومر ريبورتس” الأخير، قال نحو نصف الأميركيين إنهم لا يعرفون أن مستويات الزئبق في التونة المعلبة تختلف باختلاف الأنواع. وقال 18 في المئة إنهم لا يعرفون أن التونة المعلبة تحتوي أصلاً على أي زئبق.
وفي حين أن مستويات الزئبق في اختبارات “كونسيومر ريبورتس” كانت أعلى في البكورة منها في التونة الخفيفة، كان التباين كبيراً بين بعض العلامات التجارية. مثلاً، احتوت تونة البكورة من “تشيكن أوف ذا سي” على 10 أضعاف الزئبق الموجود في سمك التونة الخفيفة من العلامة التجارية نفسها، غير أن مستويات الزئبق في تونة البكورة وتونة الوثابة من “وايلد بلانيت” كانت قريبة جداً من بعضها البعض.
للأسف، لم تجد تحاليل المؤسسة في أي من أنواع تونة البكورة مستويات منخفضة بما يكفي تسمح للشخص البالغ بتناول ثلاث حصص منها في الأسبوع، في حين أن البكورة من “بامبل بي” فقط احتوت على مستويات تسمح بتناول وجبتين منها أسبوعياً. أما بقية أنواع تونة البكورة فاحتوت على مستويات تستدعي عدم تخطي الوجبة الواحدة منها في الأسبوع، وابتعاد الأطفال عنها تماماً.
كل أشكال التونة الخفيفة التي تضمنتها التحاليل، باستثناء واحدة، احتوت على مستويات منخفضة جداً إلى حد أن خبراء “كونسيومر ريبورتس” يعتقدون أنه، بافتراض عدم تناول أي سمكة أخرى، يمكن للبالغين غير الحوامل تناول ثلاث حصص منها أسبوعياً على أن تتألف الواحدة من أربع أونصات، ويمكن للأطفال تناول حصتين بجحم أونصة إلى أربع أونصات (بحسب العمر).
وكان الاستثناء الوحيد التونة الوثابة الطليقة من “وايلد بلانيت”Wild Planet Skipjack Wild Tuna. احتوت هذه التونة الخفيفة على مستويات من الزئبق أقرب إلى تونة البكورة، ما يسمح بتناول وجبة واحدة منها فقط أسبوعياً، مع الإشارة إلى أن كمية التونة التي يمكنك تناولها تعتمد أيضاً جزئياً على وزنك، ولكن خبراء “كونسيومر ريبورتس” يعتقدون أن هذه الإرشادات معيار جيد على الجميع الأخذ به لتتبع استهلاكهم من الزئبق.
الارتفاع في مستويات الزئبق
اللافت أنه على رغم أن مستويات الزئبق في التونة الخفيفة تميل إلى أن تكون منخفضة في المتوسط، يبدو واضحاً من بيانات “كونسيومر ريبورتس” أن بعض العلب ربما تحمل ارتفاعات غير متوقعة من هذه السموم.
من بين 30 عينة في المجمل، وجد خبراء “كونسيومر ريبورتس” ارتفاعات منفردة في محتوى الزئبق من شأنها أن تغير توصية “إدارة الغذاء والدواء” بشأن عدد المرات المسموحة من تناول التونة. تمثل هذه النسبة 20 في المئة من العينات، أو علبة واحدة من كل خمس علب. وقد حصل العلماء، كما يقولون، على النسبة عينها عندما درسوا بيانات “إدارة الغذاء والدواء” عن التونة في عام 2014.
مثلاً، نظراً إلى أن Wild Planet Skipjack tuna تونة خفيفة، ربما يعتقد المستهلك أن تناول ثلاث حصص منها أسبوعياً لن يضرّ. ولكن في اختباراتنا، كما يقول هانسن، وجدنا أن اثنتين من العينات الثلاث من هذه التونة تحتويان على مستويات عالية من الزئبق تستدعي إدراجها ضمن فئة المرة الواحدة في الأسبوع. وفي ثلاث عينات من فئة البكورة (عينتان من “تشيكن أوف ذا سي” وعينة واحدة من “ستاركيست” من دون ملح مضاف)، كان الزئبق مرتفعاً إلى حد أنه ينبغي عدم تناوله على الإطلاق.
رأي قطاع صناعة التونة
تواصلت “كونسيومر ريبورتس” مع جميع الشركات المصنعة للتونة المعلبة المشمولة في تحاليلها، وتحدثت أيضاً إلى “المعهد الوطني لمصايد الأسماك” (NFI)، علماً أنه يمثل الشركات المصنعة للتونة المعلبة أيضاً. قال الأخير إن مستويات الزئبق المكشوفة في التحاليل كانت أدنى بكثير من الحد الذي تسمح به “إدارة الغذاء والدواء” بالنسبة إلى التونة المعلبة، وإن هذه المنتجات آمنة للاستهلاك. وذكرت “ستاركيست” و”تشيكن أوف ذا سي” إن منتجات التونة الخاصة بهما تخضع لمراقبة الزئبق وتفي بمعايير “إدارة الغذاء والدواء” الأميركية.
من جانبها، أشارت “بامبل بي” إلى أن “الفوائد الصحية لاستهلاك المأكولات البحرية تفوق كثيراً أي مخاطر محتملة، بما في ذلك المخاوف بشأن الزئبق”.
أما “وايلد بلانيت”، التي تبين أو تونة الوثابة الطليقة لديها تحتوي على أعلى مستويات الزئبق من أي تونة خفيفة في اختباراتنا، فذكرت أن الشركة كانت أمام خيارين، “تقديم التونة بأقل مستوى ممكن من الزئبق أو تقديم التونة باتباع أفضل الممارسات المستدامة”، موضحةً أن بين معلباتها من التونة أصنافاً ذات مستويات منخفضة من الزئبق.
وتشير “سايف كاتش”، إحدى العلامات التجارية المشمولة في الاختبارات، إلى أن منتجاتها تحتوي على “أقل نسبة من الزئبق مقارنة مع أي علامة تجارية أخرى”.
ولكن فيما احتوت تونة “سايف كاتش” على مستويات منخفضة نسبياً من الزئبق، وجدت “كونسيومر ريبورتس” أن معظم التونة الخفيفة أو التونة الوثابة من علامات تجارية أخرى احتوت أيضاً على نسبة منخفضة أيضاً، وكانت الاختلافات في متوسط مستويات الزئبق بين معلبات “سايف كاتش” وغيرها صغيرة جداً. وبالمثل، كانت مستويات الزئبق في تونة البكورة من “سايف كاتش” قريبة إلى معظم عينات البكورة من العلامات التجارية الأخرى. حتى أن إحدى العلامات التجارية، “بامبل بي”، احتوت في الواقع على مستويات أقل.
بالنسبة إلى التكلفة، سعر تونة البكورة الطليقةWild Albacore tuna من “سايف كاتش” نحو خمسة دولارات للعلبة، وتونة “وايلد إليت” الخفيفة Wild Elite light tuna نحو 3.50 دولار، مقارنة بأقل من دولارين للتونة الخفيفة وأقل من 3 دولارات للبكورة من “بامبل بي” و”تشيكن أوف ذا سي” وستار كيست” (ثمن علبة تونة الوثابة والبكورة من “وايلد بلانيت” حوالى 3.50 دولار و5.60 دولار على التوالي).
“كونسيومر ريبورتس” علمت من بريان بوشز، الرئيس التنفيذي ومؤسس “سايف كاتش”، أن الشركة “اختبرت أكثر من 6 ملايين سمكة تونة، لذا نحن على علم بأن الزئبق يختلف بشكل كبير بين سمكة تونة وأخرى بغض النظر عن طريقة الصيد أو الحجم أو الموقع”، موضحاً أن “سايف كاتش” تشكل “العلامة التجارية الوحيدة التي تحلل نسبة الزئبق في كل سمكة تونة على حدة قبل أن تشتريها. في الحقيقة، لم تذكر أي علامة تجارية أخرى، بين العلامات المشمولة في التحاليل، أنها تقيس الزئبق في كل سمك تونة.
التخلص من الزئبق في التونة
في حين أن مخاطر الزئبق في التونة معروفة منذ سنوات، يبقى الفحص الأخير الذي نهضت به “كونسيومر ريبورتس” تذكيراً بأن المشكلة ما زالت من دون حل ناجع. وعلى رغم أن الزئبق في المحيطات يظهر بشكل طبيعي، يؤكد خبراء أن التلوث الناجم عن الإنسان، لا سيما حرق الوقود الأحفوري، ما زال سبباً رئيساً لتلوث الغلاف الجوي، وفي النتيجة المحيطات.
وجد خبراء يعكفون على دراسة تلوث الأسماك بالزئبق أن مستويات الأخير في المحيطات المختلفة تبدو مرتبطة بممارسات وسياسات مختلفة في الدول المجاورة. مثلاً، تلوث الزئبق في التونة التي يصطادها الصيادون في المحيط الهادئ آخذ في الارتفاع، في وقت تنخفض مستوياته في التونة من المحيط الأطلسي، كما يقول الدكتور نيكولاس فيشر، أستاذ متميز في “كلية العلوم البحرية والغلاف الجوي” في “جامعة ولاية نيويورك” في ستوني بروك.
“تحرق الصين والهند الكثير من الفحم الحجري لتوليد الكهرباء، ما يطلق كميات كبيرة من الزئبق في الهواء، الذي يجد طريقه إلى الأرض في النهاية؛ لذا ازدادت مستويات الزئبق إلى حد ما في المحيط الهادئ. بينما في المحيط الأطلسي، تبين أن المستويات قد تراجعت قليلاً، ومرد ذلك أساساً إلى الجهود المبذولة في أميركا الشمالية… لتنظيف محطات تعمل بالفحم في الولايات المتحدة وكندا من الزئبق”، أضاف الدكتور فيشر.
في الحقيقة، يشير هذا التفاوت في التلوث بالزئبق في أجزاء مختلفة من العالم إلى حل محتمل، كما تقول إلسي سندرلاند، بروفيسورة في الكيمياء البيئية من “جامعة هارفارد”. في رأيها، كلما قللنا من انبعاثات الزئبق في الغلاف الجوي، ازدادت قدرتنا على الحد من التلوث بالزئبق في المحيطات، وسبق أن بدأنا نحصد آثار التغير في السياسات المتعلقة بمواجهة التلوث.
وفق تقديرات سندرلاند وزملائها، سجلت محطات توليد الطاقة الأميركية انخفاضات في انبعاثاتها من الزئبق بنسبة 90 في المئة بين 2008 و2020، وذلك بفضل تطبيق قوانين تنظيمية أكثر صرامة طرحتها “وكالة حماية البيئة”. كذلك قطعت الولايات المتحدة خطوات واسعة في إزالة الزئبق من تصنيع جميع أنواع المنتجات الاستهلاكية، وليس فحسب أجهزة قياس الحرارة الزئبقية القديمة، بل أيضاً البطاريات، والمكونات الكهربائية والدهانات، ومبيدات الآفات، وغير ذلك.
بغض النظر عن كل ما تقدم، تبعث تحاليل التونة التي أجرتها “كونسيومر ريبورتس” على بعض التفاؤل أيضاً. جاءت مستويات الزئبق التي وجدتها المؤسسة في أربعة من أصل خمسة من العلامات التجارية أقل في الواقع من متوسط مستويات الزئبق التي وجدتها “إدارة الغذاء والدواء” في معلبات التونة بين 1990 و2010.
“يشعر الناس بإحباط تجاه هذه المسائل، ويخشون أن أفعالنا لا تصنع أي تغييرات. ولكن إذا نظرت إلى الحال في الولايات المتحدة، تجد أننا في الحقيقة أنجزنا الكثير وحققنا نجاحاً لا يصدق. لذا، أرى أن هذا النموذج يمكن أن يُحتذى عالمياً”، تقول سندرلاند.
نصائح لاختيار التونة وغيرها
كلما ازدادت معرفتك بتلوث المحيطات، وكيف يؤثر في الأنواع الحية التي تحتضنها هذه المساحات المائية، كلما صرت أكثر حذراً حيال تناول الأسماك. وفي الوقت نفسه، لا بد أنك تعرف أهمية تناول الأسماك بالنسبة إلى صحتك، لا سيما أنها تحتوي على نسبة عالية من البروتين والدهون الصحية والفيتامينات.
كي تتخلص من الحيرة التي تعتريك عندما تقف أمام الأرفف في متجر البقالة، إليك بعض النصائح التي لا بد من أخذها في الاعتبار عند تحديد نوع السمك الذي تنوي شراؤه، وعدد مرات تناوله. نصيحة: عند التفكير في أحجام الحصص هذه، تذكر أن أربع أونصات تمثل الكمية الموجودة في علبة تحتوي على خمس أونصات من التونة؛ وأن الأونصة المتبقية هي الماء أو الزيت.
إذا كنت حاملاً، تجنبي التونة المعلبة تماماً. يمكنك الحصول على أحماض أوميغا 3 الدهنية من مأكولات بحرية أخرى تحتوي على نسبة منخفضة من الزئبق، مثل المحار والسلمون والسردين. وتحتوي الأخيرة على نسبة عالية جداً من أوميغا 3 الموجودة أيضاً بنسبة أقل في أسماك أخرى منخفضة الزئبق، مثل الأسقلوب، والروبيان، والحبار، والبلطي. أو يمكنك الحصول على هذه الأحماض الدهنية الصحية من أطعمة أخرى، من بينها البيض المدعوم بأوميغا 3، وبذور الكتان والجوز وزيت فول الصويا.
على الأشخاص الآخرين من فئة البالغين تناول ما بين 8 و12 أونصة أسبوعياً من الأسماك المنخفضة الزئبق نسبياً. يشمل ذلك مثلاً نحو ثلاث حصص من التونة الخفيفة أو التونة الوثابة، أو مزيج من تلك التونة والأسماك الأخرى المنخفضة الزئبق المذكورة أعلاه. كذلك يمكنك أن تأكل تونة البكورة، ولكن حصة واحدة فقط بحجم أربع أونصات أسبوعياً، لذا يكون من الصعب الوصول إلى حصتين أو ثلاث حصص من الأسماك أسبوعياً من دون دخول الكثير من الزئبق إلى الجسم.
تشمل الأسماك التي تحتوي على نسبة عالية من الزئبق تونة الجاحظ bigeye tuna (تستخدم في السوشي أحياناً)، والماكريل أو ملك السمك، والهلبوت البرتقالي، وسمك القرش، وسمك أبو سيف. يسعك ربما تناولها مرات قليلة جداً ولكن يفضل الابتعاد عنها تماماً، لا سيما بالنسبة إلى الأطفال والحوامل ومن يخططن للحمل.
بالنسبة إلى الأطفال، تكون التونة غالباً السمكة الوحيدة التي يتناولونها، لذا لا بأس بتقديمها لهم إنما بشرط أن تكون التونة الخفيفة أو الوثابة، ولا تتخطى الكمية الأسبوعية الواردة في التوصيات بحسب العمر: بين سنة وثلاث سنوات: 2 أونصة،
بين أربع وسبع سنوات: أربع أونصات، بين ثماني و10 أونصات: 6 أونصات، 11 سنة: 8 أونصات.
في استطلاع “كونسيومر ريبورتس” قال نحو نصف الأميركيين إنهم لا يعرفون أن مستويات الزئبق في التونة تختلف باختلاف الأنواع وقال 18 في المئة إنهم لا يعرفون أن التونة المعلبة تحتوي أصلاً على أي زئبق