أعمال فنية عدة تناولت كوارث عالمية، يحاول الفنان السوري اليوم محاكاتها في أعماله، ولعل أشهرها لوحة “زلزال لشبونة” (1755) للفنان الألماني يوهان كاسبار فلونتز، التي ظلت على مدى عقود طويلة ملهمة لأعمال كثيرة نجحت في تجسيد الأثر الذي تحدثه الكوارث الطبيعية، من خلال نجاح رسامها في تصوير حجم الخراب الذي لحق برابع أكبر مدن أوروبا في النصف الثاني من القرن الـ18. فاللوحة تظهر ببراعة مدينة لشبونة غارقة في البحر بعد التسونامي الذي ضربها في أعقاب الزلزال، فيما تبدو الحرائق المشتعلة في منازلها أقرب إلى أوراق لعب متداعية ومتهدمة في مشهد درامي يفوق الخيال.
ومع أنها المرة الأولى التي يصير فيها الزلزال موضوعاً لأعمال تشكيلية سورية، إلا أن على مدى الأسبوعين الفائتين حرضت كارثة السادس من فبراير (شباط) الجاري قريحة عدد من الرسامين السوريين داخل البلاد وخارجها، فصوروا في أعمالهم جوانب إنسانية من حياة الناجين ونقلوا بألوانهم وخطوطهم أنّات الأطفال والنساء من تحت الأنقاض وصرخات المفجوعين والأيامى من بين كتل الأبنية التي تداعت فوق رؤوس أصحابها في كل من إدلب وحلب واللاذقية وحماه.
وتناقل ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي صوراً عدة لأعمال تشكيلية سورية تناولت الكارثة، وتفاعل رساموها مباشرة مع الحدث.
ومن هذه اللوحات واحدة للقمان أحمد عنونها “ليلة طويلة بدون إشارات مرور إلى عتمة الموت”، وفيها رسم الفنان السوري المقيم في الولايات المتحدة أباً يحمل ابنته الناجية من الزلزال على خلفية بالأبيض والأسود تجسد مدينة مدمرة، ويبدو الهلع يعلو وجه الطفلة الصغيرة، بينما يدا الأب ملطختان بالدماء والدموع تنهمر من عينيه وهو يبتعد راكضاً بطفلته بين الأنقاض.
وقدمت الفنانة سنا الأتاسي عملاً تعبيرياً عن الزلزال، فصورت مجموعة من النساء الباكيات اللاتي يقفن في موكب جنائزي بين هالات من الدخان، وكتبت أتاسي على حسابها الشخصي في “فيسبوك” معلقة على عملها الجديد، “كنت أحلم بأن ألمس الغيوم، وتحلق روحي بحرية لأصل إلى من هجرني في السماء، ولكن حتى الروح هجرتني وبقيت واقفة على مدى بحر من الدمار”.
تجسد أتاسي في عملها كما تقول، “مخاض الموت” مصورة في الخلفية السوداء من اللوحة بحراً من بشر صعدت أرواحهم إلى السماء فوق سحب وأمطار غزيرة رافقت الحادثة المدمرة لتنعكس ظلال الراحلين مع وجوه النسوة وهن يقفن بشكل متلاصق وقد ضممن أيديهن على صدورهن كدلالة على هول المصاب.
“يا حبيبي الصغير” عنوان عمل للرسام بطرس المعري عن ضحايا الزلزال وهو عبارة عن رسم “مونوتايب” لامرأة تحتضن طفلاً رضيعاً نجا من تحت الركام، بينما تحيط بهما أنقاض أبنية مدمرة. عمل الفنان السوري المقيم في ألمانيا كعادته على دمج الكتابة مع الرسم على سطح اللوحة، فكتب على لسان المرأة التي رسمها، “أنا من اليوم أمك يا حبيبي الصغير”.
وجاء “رسائل من تحت التراب” عنواناً للوحة الفنان إبراهيم حميد عن الكارثة التي قدم لها هو الآخر بالقول “خوف عند الجانب الشمالي، والفرات حزين”. وفي اللوحة يصور ابن مدينة البو كمال السورية، مجموعة من الأشخاص بألوان ترابية هادئة، وقد حشرت أجسادهم تحت الأنقاض، فيما تعلوهم بعض شجيرات خضراء في دلالة على أمل بالنجاة. الفنان بديع جحجاح عنون لوحته “آخر الناجين” معلقاً عليها، “لو كان الزلزال أرجوحة والغبار ضباباً، لكنا لعبنا مع الأولاد وبللّنا المطر. آخر اللوحات الناجية يا بحر”.
الرسام والسيناريست ممدوح حمادة قدم أيضاً رسماً لافتاً عن مفارقة الحرب والزلزال جاء بعنوان “كلهم بخير إلا أنا”، مصوراً جسدين باللونين البني الداكن والأخضر الفاتح لرجل وامرأة يستلقيان ظهراً لظهر بعدما تهدم منزلهما وانخسفت بهما الأرض، فالرجل فوق الأرض يعاني آثار الحرب والمرأة تحت أنقاض الزلزال. وكتب حمادة على حسابه الشخصي في “فيسبوك” مصدراً لعمله هذا بالقول، “تحت الأرض موت يسمو على الحياة، وفوق الأرض حياة أشد من الموت وطأة. كلهم بخير إلا أنا”.
أما الفنانة رفاه العربي، فكتبت مقدمة للوحتها “أنين من تحت الأنقاض” بالقول، “انقطع الأنين ونداءات الاستغاثة اليوم اختفت وأنفاس الناس التي كانت تعطينا أملاً انقطعت، انقطع الأنين وساد صمت رهيب”. وتصور لوحة الرسامة السورية بشراً تقطعت بهم السبل تحت أنقاض منازلهم في صيغة أقرب إلى التجريد، وتستخدم حزمة من ألوان باردة للدلالة على انقطاع النبض وشحوب الوجوه التي غيبها الزلزال تحت عشرات الأطنان من الركام.
ولم يتأخر الفنان زهير حسيب عن تقديم لوحته “من تحت الأنقاض” التي استخدم القهوة لرسمها، وفيها يصور سيدة تحتضن طفلتها بين ركام المباني، فيما قدمت الفنانة رولا أبو صالح لوحتها عن الزلزال بعنوان “محاولة للنجاة” وفيها تصور الرسامة السورية مجموعة من الفتيات اللاتي يمددن أيديهن نحو الأعلى في محاولة للخروج من تحت الركام. واعتمدت صالح تكوينات لونية من الرماديات مع تمرير لطخات من الأزرق والأحمر والأخضر، تجلت في ثوب فتاة تبرز في وسط اللوحة وقد مدت يدها نحو مصدر الضوء المنبثق من الأعلى، في دلالة على أمل إيصال الصوت لمنقذين في الجوار.
“زلزال عيد الحب” تجسد في لوحة الفنان هيثم الصائغ الذي رسم بقسمات حجرية رجلاً يقدم هدية لزوجته على شكل دب، يتوسطه قلب باللون الأحمر، فيما يظهر طفل رضيع إلى جوار الزوجين مبتسماً، ولاقت هذه اللوحة رواجاً كبيراً على صفحات “السوشيال ميديا”، وثمة من جعلها غلافاً لحسابه الشخصي على موقع “فيسبوك” في يوم العشاق.
الفنان عمر عزت هبرا قدم لوحة تراجيدية عن أب وابنته يغادران بيتهما المتهدم وهما يجران حقيبة مملوءة بجماجم أحبائهم وأنقاض المنزل الذي دمره الزلزال. وتصورهما اللوحة يسيران حافيين على أوراق من نبات الصبار وقد اعتلت ملامح الأب وابنته علامات الحزن والفقدان.
لم تقتصر الأعمال الفنية على تشكيليين سوريين إذ كان لافتاً ما قدمه الفنان التشيكي ريتشارد بيلافيك في هذا السياق بأسلوب تسجيلي، رسماً على قطعة من الحجر تعبيراً عن تعاطفه مع ضحايا الزلزال في سوريا.
ونقل بيلافيك لقطة من مقطع فيديو لقصة واقعية ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي، تمثل الطفلة الصغيرة آلاء (سبع سنوات) تحمي رأس أخيها الصغير تحت الأنقاض بجسدها لمدة 30 ساعة، وعندما وجدها رجال الإنقاذ ابتسمت لهم، وقد حاصرتها هي وشقيقها الصغير قطعة كبيرة من جدار بيت أهلها المتداعي فوقهما.