منذ انطلاق نسخته على نظام أندرويد شهر ماي/أيار الماضي، حظي تطبيق كلوب هاوس حتى الآن بأكثر من 5 ملايين تحميل على هذا النظام فقط، فيما تتحدث تقارير عن وجود 10 ملايين مستخدم نشط على التطبيق أسبوعيا.
لم يصل التطبيق بعد لدرجة ينافس فيها فيسبوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب في عدد المستخدمين، غير أنه حقق نجاحاً كبيراً قياساً للفكرة التي انتشرت حوله بأنه تطبيق نخبوي خرج في زمن كورونا لنقاش مجال الأعمال، ليتحوّل في ظرف أشهر إلى منصة نقاشات سياسية واجتماعية واقتصادية بما فيها ما هو مسكوت عنه في عدة مجتمعات.
ليس النقاش الصوتي أمرا جديدا في الإنترنت، إذ بدأت التقنية في عهد ازدهار برامج الحاسوب، ومن ذلك برنامج “بالتاك” الذي بدأ عام 1998، لكن قوة كلوب هاوس تحويل لعالم المنصات الاجتماعية إلى ما هو صوتي فقط، وبغرض النقاش فقط، مركزا على جزئية بسيطة من التفاعل الرقمي.
عندما تدخل حسابك على فيسبوك أو تويتر أو انستغرام، قد تشاهد عددا كبيرا من المنشورات وقد تتفاعل مع عدد منها في ظرف دقائق، وتتحول إلى أسير للخوارزميات المنتشرة في هذه المنصات. فبمجرد أن تنهي مشاهدة فيديو كرة قدم مثلا على فيسبوك يقترح عليك التطبيق فيديو آخر حتى ولو تكن من متابعي الصفحة التي قدمته.
وعندما تخرج ستجد صورة للاعبك المفضل على صفحة أخرى يقترحها عليك فيسبوك، وستجد نفسك دون أن تشعر تدخل في جدل طرحه منشور آخر حول ضربة جزاء مشكوك في صحتها، وفي ظرف ساعة قد تشاهد وتتفاعل مع عدة منشورات.
من الصعب عليك في كلوب هاوس أن تشارك في نقاشات متعددة في ظرف زمني قصير إلا إذا كنت تعرف بسرعة موضوع النقاش ثم تخرج. غالبا عندما تريد أن تتدخل، تحتاج إلى سماع آراء من سبقوك، وتريد كذلك سماع آراء من سيعقبون عليك. يظهر كلوب هاوس هنا أقل تأثرا بالخوارزميات، بحيث يمكنك أن تقضي عدة ساعات في غرفة نقاش واحدة حول موضوع واحد.
في المواقع الاجتماعية التقليدية، يسود تسابق محموم حول التفاعل سواء بين المستخدمين أو وسائل الإعلام أو “المؤثرين” أو غيرهم. وتصير النشوة الإلكترونية محصورة بشكل كبير في عدد “اللايكات” والتعليقات ومشاركات المنشور أو إعادة تغريده.
تغيب خاصية المنشور في كلوب هاوس، وتصير الطريقة الوحيدة للمستخدم كي يتلقى أكبر عدد من المتابعين هي أن يشارك في نقاشات. أمر لا يستهوي مثلا صناع المحتوى في انستغرام، الذين يستعينون بالصور والفيديو لجلب متابعين دون الحاجة إلى قضاء وقت أكبر على المنصة.
يعمل كلوب هاوس هنا بمنطق “تحدث كي أتابعك”، وفي زمن ركزت فيه المواقع الاجتماعية على قوة الصورة، لا يظهر أن جميع أصحاب الحسابات المليونية قادرين على الحديث بإقناع، فكلوب هاوس هو اختبار مباشر لما يعرفه المستخدم ولا يمنحه الوقت للاستعانة بفريقه حتى يلتقط له فريق عمله صورة مؤثرة.
يسجل كلوب هاوس هدفاً في مرمى المنصات الاجتماعية الأخرى بكونه يشترط التسجيل بالحصول على دعوة من مستخدم سابق، وهو ما يقلل ممّا يعرف بالذباب الإلكتروني الذي يوجه النقاشات في المنصات الأخرى. ويعمل كلوب هاوس بشعار “شخص واحد.. حساب واحد”، فالتسجيل مشروط برقم هاتفي ولا يمكن لحسابين أن يملكا الرقم ذاته عكس جلّ المنصات الأخرى، كما أن المشاركة (وهذا الأمر هو الأهم) بالصوت تصعّب الأمر كثيراً أمام من ينتحل عدة شخصيات.
كما يظهر كلوب هاوس أكثر جدية في النقاش بما أن المتدخل يملك صوته وأفكاره فقط، ورغم أن فيسبوك مثلا يتوفر على خاصية المجموعات التي تتيح نقاشا في مواضيع محددة، فكلوب هاوس يركز على الصوت ما يجعل النقاش حميميا ويترك المتدخلين يحسون بالقرب أكثر. وتفوق كلوب هاوس هنا حتى على منصات أخرى استُخدمت للنقاش كـ’زووم’ نظراً لسهولة المشاركة فيه، وقوة التدخل بالصوت أنه يساعد المهتمين على بناء علاقات شخصية ومهنية ويفتح مجالاً واسعاً أمام التشبيك.
وفي مواضيع اجتماعية ودينية وحتى سياسية، شجعت المواقع الاجتماعية ـ عن قصد أو بدونه ـ انتشار الشعبوية واللعب على العواطف وتغييب النقاش العقلاني، كما أضحى مبدأ الصحافة الصفراء “إذا كان ينزف فهو ينتشر” أحد عوامل انتشار الفيديوهات (ٍViral videos)، لكن في كلوب هاوس لا يوجد محتوى بالمعنى الحرفي، هناك نقاش يتيح مشاركة آراء كثيرة، وحتى إمكانية تسجيل النقاشات غير متوفرة.
رغم أن المواقع الاجتماعية والجيل الثاني من الإنترنت أتت بخاصية التفاعل مع المحتوى، فقد صارت الكثير من الصفحات والحسابات داخلها تعمل بمنطق الخطاب الأحادي، إذ تتحكم في التعليقات سواء بمنعها أو حذفها، أو بتشجيع تدخل حسابات مزورة للتعليق وفق ما يريده أصحاب المنشور، خصوصا المواقع المرتبطة بأجهزة في السلطة.
لكن هل الوضع أفضل في كلوب هاوس بخصوص هذه النقطة؟ هناك تخوف كبير من أن يحوّل المنشطون غرف الدردشة الصوتية إلى منصات للخطاب الواحد بعدم السماح لمتدخلين يحملون آراء أخرى بالحديث، وهو ما ظهر فعلا في عدة نقاشات، لدرجة أن هناك من بدأ يتحدث عن “استبداد المنشطين”. وهناك تخوّف أن يصير كلوب هاوس ملاذاً لنقاشات متطرّفة، خصوصا أن آلية التبليغ عن ما هو غير قانوني لا تزال محدودة جداً.
كذلك هناك من يرى أن تحوّل التطبيق من شكل نخبوي حول نقاشات محددة إلى شكل جماهيري واسع يجذب الجميع، أفقده هويته. يكتب جون براندون، محرّر السوشيال ميديا على موقع فوربس، أن “كلوب هاوس هو ضحية نموه، وأنه كلما نال التطبيق شعبية أكبر، كلما صار لمتابعيك خيارات أكبر للمشاركة في غرف دردشة أخرى، منها غرف تستخدم عناوين براقة لا تمثل حقاً النقاش الجاري داخله”.
ونتيجة لهذا، يشير الكاتب إلى تراجع معدل تحميل التطبيق على نظام آي أو إس (قبل إطلاقه على أندرويد) وتراجع عدد المشاركين في الغرف.
وكما بدأت المنصات الأخرى ذات مصداقية نسبياً قبل أن تتأثر بسلبيات كثيرة منها انتشار الأخبار الكاذبة وتشجيع محتوى رديء، خصوصاً بعد انتشار ظاهرة تسجيل اليوميات، فإن كلوب هاوس بدوره بدأ يشهد ظهور غرف “سبام” تعلن شيئاً وتناقش أشياء أخرى قد تصل حدّ الاحتيال، كما فتح المجال أمام نقاشات غير منتجة تستمر ساعات طوال.
ومن السلبيات التي ظهرت في التطبيق لحد الآن، أن التدخل بالصوت لم يحل مشكلة المصداقية، إذ لم يتم تأكيد أن حسابات معينة تعود إلى أشخاص معينين (مثلا غياب العلامة الزرقاء). كما لا يمكن مطالبة من يتحدث بوضع روابط تعزز كلامه بسبب غياب نافذة للدردشة المكتوبة، كما استمر تحدي الحسابات مجهولة الهوية التي تملك حيزاً أكبرا للكلام بحرية ممّن يعلنون بشكل واضح هويتهم.
لكن عموماً يبقى كلوب هاوس تجربة جديدة في المواقع الاجتماعية، وقوته أنه يجعل المستخدمين يركزون على ما يسمعون وليس على ما يرون، فيتخلصون من الانبهار البصري الذي بات يسود المنصات الأخرى. لكن كل منصة اجتماعية تحتاج للتطوّر حتى تستمر في المنافسة، والأكيد أن كلوب هاوس لن يكون فقاعة تضمحل سريعاً، وأصحابه لم يعلنوا يوما رغبتهم بمنافسة عمالقة التكنولوجيا الاجتماعية، فهو ليس منصة شاملة، وهناك من يرى في ذلك أمرا إيجابيا.