في فبراير (شباط) من العام الماضي، انتفض نجوم هوليوود على قلب رجل واحد وحولوا حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لما يشبه ورشة عمل تتضمن مناشدات متواصلة بالتبرع للمتضررين في أوكرانيا جراء الضربات العسكرية الروسية.
فمنذ الساعات الأولى للحرب انطلق مشاهير الفن في العالم لإعلان غضبهم والتصرف بطريقة عملية، فمنهم من قرر زيارة مواقع التفجيرات ومواساة الأهالي، بينما ركز الجانب الأغلب على تغذية حملات التبرع، ولم يكتفوا بمنشور واحد بل كان لهم على مدى أسابيع أكثر من مشاركة في اليوم الواحد، فالموقف الإنساني النبيل للمشاهير حينها كان مدعاة للثناء من قبل المتابعين بشكل عام.
ولا يزالون بين حين وآخر يذكّرون المجتمع الدولي والمتابعين بضرورة التحرك، كما كانت الأزمة الأوكرانية حاضرة بقوة في نسخ الجوائز الكبرى التي أقيمت عقب انطلاق العملية العسكرية التي جاوز عمرها العام ولا تزال مشتعلة.
النجوم العرب أيضاً كانت لهم مواقفهم الداعمة للوضع الإنساني في أوكرانيا، لكن التركيز في تلك المواقف على مشاهير عالميين سببه أنهم أكثر مسؤولية، لأن شهرتهم تصل إلى كل أقطار الكرة الأرضية ورسالتهم تبدو مؤثرة وفاعلة ومفيدة إذا ذهبت إلى هدفها، وحرصوا منذ بدء الحرب الروسية – الأوكرانية على تبني خطاب شديد اللهجة رافضاً لما يجري ويمزج بين السياسي والإنساني، ودانوا بشدة تصرفات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع دعم مطلق لموقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
لكن، كان الصوت الأعلى بالطبع يتجه إلى الجانب الإنساني للإسهام في الإنقاذ والإصلاح، فالفواجع من هذا النوع توحد العالم وتذوب معها الحدود الجغرافية، وتصعد خلالها قصص الإنسان الذي يعاني، لذا فإن ما ينتصر هو التوحد من أجل الكائن البشري الذي يحتاج إلى المساعدة.
وفي أزمة الزلزال، الذي ضرب سوريا وتركيا قبل أيام وخلّف عشرات آلاف الضحايا والمتضررين، يبدو التفاعل مع الكارثة من نجوم هوليوود على استحياء.
مسؤولية مجتمعية
أكثر ما لفت النظر في التفاعل مع أزمة الزلزال الذي يزداد عدد ضحاياه لحظة بعد أخرى وسط تضاؤل الأمل في العثور على ناجين كلما مرت الساعات، أن النجوم العرب كانوا سباقين بطبيعة الحال إلى التبرع ونشر روابط تحث المتابعين على إرسال دعمهم بالسبل شتى.
لكن في وقت تحظى تغطية الحادثة الحزينة باهتمام بالغ من وسائل الإعلام الدولية، كان من غير الطبيعي أن يتغافل عدد من المشاهير المعروفين باهتمامهم الواسع بالقضايا الإنسانية عن الإسهام حتى بمجرد تغريدة تدعو إلى التضامن والتبرع للمنكوبين وذويهم، وعلى رأسهم أنجلينا جولي، التي حتى كتابة هذه السطور، لم تنشر رسالة دعم واحدة، الأمر الذي علق عليه جمهورها متهمين إياها بالازدواحية، إذ إنها تغاضت كل تلك الأيام عن إعلان موقفها من هذه الأزمة الإنسانية، وتحولت التعليقات على منشوراتها إلى لوم ودهشة، وركز المعلقون لديها على نسخ “الهاشتاغات” المطالبة برفع الحصار عن سوريا من أجل تمرير قوافل الإغاثة.
لكن المعلوم أن النجمة الهوليوودية المعروفة بأعمالها الخيرية التي قضت 20 عاماً في نشاط ملحوظ كسفيرة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قبل أن تترك مهمات منصبها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لطالما كان لها دور في الأزمات السورية والإيرانية والأوكرانية والباكستانسة وغيرها، بالتالي فإن صمتها بدا مستغرباً وغير متوقع بالنسبة إلى متابعيها المخلصين الذين تساءلوا عن دورها المجتمعي ومسؤوليتها الأخلاقية.
ومثل أنجلينا أيضاً بن ستيلر الذي كان من أبرز المشاهير الذين حرصوا على زيارة أوكرانيا في عز الضربات الروسية المتوالية، فتجاهل على ما يبدو كارثة الزلزال ولا يزال يتابع منشوراته بشكل اعتيادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مروجاً لأعماله الجديدة.
كذلك كانت سارة جيسكيا باركر من أبرز النجوم الذين كان لهم دور فاعل في التنبيه لضرورة مساندة الشعب الأوكراني وتميزت مشاركاتها حينها بالعملية، بحيث ركزت على إرسال التبرعات والمعدات للعائلات المتضررة وظلت أسابيع طويلة منتظمة في هذا النشاط، ومثلها جينفير أنيستون وديفيد شويمر، كل هؤلاء لا يزالون غائبين تماماً عن المشهد فيما يتعلق بآثار وتداعيات الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.
من ضمن الملاحظات أيضاً أن غالبية نجوم هوليوود الذين قرروا التعبير عن موقفهم التضامني مع ضحايا ومتضرري الحادثة الأليمة انتبهوا لهذا الأمر متأخراً نسبياً، فبدأت التغريدات تتوالى بعد أيام عدة من الواقعة وكأنهم كانوا بحاجة إلى التعليقات القاسية التي انتقدت تقاعسهم، إذ إن محبيهم يرون دوماً أن مشاركتهم ودعوتهم إلى المساعدة تؤتي ثمارها، بخاصة أن لديهم عشرات ملايين وربما مئات ملايين المتابعين، في ظل الحاجة الملحة إلى كل إسهام ربما يفيد في إنقاذ مزيد من الأرواح، وأيضاً يوفر مناخاً أكثر أمناً ودفئاً لمن نجوا من انهيار الأبنية.
فقد انطلق بعض مشاهير العالم في التدوين بدءاً من اليوم الثالث للواقعة، ونشروا لقطات من الزلزال المروع تظهر حجم ما يعانيه عمال الإنقاذ والمواطنين بين سوريا وتركيا، مطالبين المتابعين بالإسهام في إغاثتهم، ووضعوا روابط لمؤسسات كبيرة تعمل على الأرض لإمداد المحتاجين بالغذاء والدواء والمعدات، وكان من بينهم إنريكي إغليسياس وشارون ستون وإيرينا شايك ودوا ليبا وكريستين دافيس وسام أصغري وهيلاري بالدوين.
أما النجوم الذين كانوا سباقين إلى التفاعل مع الأزمة منذ بدايتها فبالكاد يعدون على أصابع اليد الواحدة وبينهم أنطونيو بانديراس وبريانكا تشوبرا وعليا بهات، وفي ما يتعلق بالمشاهير العالميين ذوي الأصول العربية فكانوا على قدر الحدث وحولوا منصاتهم منذ اللحظات الأولى لما يشبه غرف الطوارئ، مطالبين الجميع بأن يهبوا لنجدة المتضررين والمنكوبين في البلدين، وبينهم رامي يوسف وبيلا وجيجي حديد، تماماً مثل مشاهير تركيا الذين لم يهدئوا، بخاصة أن لدى عدد منهم أقارب تحت الأنقاض، بحيث دعا أبرز مشاهير الدراما التركية الجمهور إلى ضرورة بذل الجهود من أجل المساعدة سواء في تركيا أو في سوريا المجاورة، وبينهم بوراك أوزجفيت وإبراهيم تشيليكول وبرجي أكلاي ومريم أوزرلي والطاهي الشهير بوراك أوزدمير واللاعب مسعود أوزيل وغيرهم كثيرون.
عربياً، سارع المشاهير إلى إلغاء حفلاتهم الغنائية تماشياً مع هذا الظرف الصعب وبينهم مايا دياب ومروان خوري، كما قدم عدد منهم تبرعات مالية وعينية مثل سلاف فواخرجي وتيم حسن وناصيف زيتون وبسام كوسا، وظهر عدد منهم مع فرق الإغاثة يتبرعون بالدم للمصابين مثل محمد قنوع وسوزان نجم الدين ومحسن غازي، في حين عرضت بعض النجمات تبني عدد من الأطفال الرضع الذين فقدوا ذويهم تحت الركام.
الزخم العربي في التضامن من الطبيعي أن يكون ملموساً بصورة أكبر، لكن التأخر الواضح في الانتباه للكارثة الإنسانية المفترض أن تذيب كل الحواجز من قبل مشاهير العالم لم يكن مفهوماً في ظل تدفق لحظي للأخبار والتغطية الاستثنائية لما يجري والسوابق التي كان فيها نجوم الفن أسرع من السياسيين في تبني المواقف التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح من دون أية اعتبارات أخرى.