اعتبر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن الفصائل المحلية قادرة على العيش في سلام، وأن التحدي الذي يواجه الصومال يتمثل في التحول من دولة ضعيفة إلى دولة تعمل بكامل طاقتها.
وقال محمود في مقابلة نشرها ملحق “الأوبزرفر” من صحيفة “جارديان” البريطانية: “أعتقد أنه يُمكن بناء دولة ديمقراطية في الصومال”، معتبراً أن هذا هو “المخرج الوحيد”.
وذكرت صحيفة “الأوبزرفر” أن زيارتها إلى مقر إقامة الرئيس الصومالي لم يعرف بها أحد باستثناء الرئيس نفسه وعدد قليل من مستشاريه، لتجنب الاختراقات الأمنية، مُشيرة إلى أن الانتقال من مطار مقديشيو إلى مقر الإقامة يستغرق 15 دقيقة تقريباً، ولكن هذا أمر نادر بسبب انتشار حواجز الشرطة على الطريق.
وأضافت أن فريقها وصل إلى مقر الرئيس الذي يحكم دولة يُمكن القول إنها الأخطر على وجه الأرض، في سيارة مضادة للرصاص من طراز “تويوتا هايلكس”، تسير أمامها سيارة “جيب” تحمل 7 جنود ومدفع رشاش.
وأجرى الرئيس الصومالي المقابلة وهو جالس على مكتب خشبي متواضع أمام صورة لأول رئيس للبلاد بعد استقلالها، آدم عبد الله عثمان.
ويتمتع محمود بميزة فريدة تتمثل في وصوله إلى منصب الرئيس مرتين، إذ أصبح عام 2012 أول رئيس منتخب للبلاد في إدارة غير مؤقتة منذ عام 1991، وهو العام الذي شهد انقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيس سياد بري.
محاولات اغتيال
بعد انتخابه مباشرة، نجا محمود من محاولة اغتيال في فندق كان يلتقي فيه وزير خارجية كينيا. وفي مناسبة أخرى، فجر مسلحون ينتمون إلى “حركة الشباب”، المجموعة التابعة لتنظيم “القاعدة” الأكثر ثراءً وفتكاً، وتُسيطر على معظم أنحاء البلاد، سيارة على أبواب القصر الرئاسي.
كما وصل أحد عناصر الحركة إلى مسافة 100 متر من الرئيس قبل أن يُقتل بالرصاص، وفقاً للصحيفة.
ولفتت “الأوبزرفر” إلى أن حسن شيخ محمود، وفقاً للمخابرات الصومالية، أصبح “الهدف الأول” لـ”حركة الشباب” مرة أخرى، مشيرة إلى أن المسلحين نفذوا تفجيرين بسيارتين مفخختين في مقديشيو بعد أيام قليلة من إجراء المقابلة مع محمود، الذي أُعيد انتخابه في مايو الماضي.
وأودى الهجوم بحياة ما لا يقل عن 100 شخص، وكان من بين أهداف الهجوم وزارة التعليم التي يقودها فرح شيخ عبد القادر، أقرب صديق لمحمود، والذي نجا من الهجوم.
وأدان الرئيس الصومالي الهجوم ووصفه بأنه انتقام من الانتصارات التي حققتها حكومته الجديدة، وأعلن “الحرب الشاملة” ضد المسلحين. واستعادت الحكومة بالفعل عدداً من المناطق الاستراتيجية، لكن المكاسب كانت ضعيفة.
ولا يزال الصومال يواجه مجموعة هائلة من التحديات، منها التدهور السريع للبيئة وتفاقم أزمة الغذاء.
ليالي “مؤرقة“
أوضحت الصحيفة البريطانية أن محمود (67 عاماً) لم يغادر الصومال أبداً طوال السنوات الدموية التي أعقبت الانهيار المثير للدولة المركزية في عام 1991، مشيرةً إلى أن جميع أبنائه، باستثناء طفل واحد، وُلدوا في الصومال، الأمر الذي يُميزه عن سلفه محمد عبد الله فرماجو، الذي قضى معظم حياته في عمر البلوغ في شمال ولاية نيويورك الأميركية، مع عدد كبير من النخبة المتعلمة في الصومال.
ومع انزلاق مقديشو إلى الفوضى بعد التدخل الأميركي في التسعينيات، فر معظمهم إلى الخارج.
ووصف محمود هذه الفترة، التي كان يعمل حينها مدرساً ورجل أعمال في العاصمة، بأنها مليئة بأعمال النهب والقتل، و”الليالي المؤرقة”. وقال: “لا يُمكن أن تعرف متى ستسقط القذيفة على منزلك”.
وتذكر الرئيس الصومالي مصرع صديقه بعد إصابته بشظايا قنبلة سقطت على بعد أمتار قليله منه، معلقاً على ذلك بقوله: “كانت أوقاتاً صعبة للغاية. لم نعتقد أننا سنظل على قيد الحياة”.
وأضاف: “لم أفكر أبداً في المغادرة. مقديشو هي المكان الذي أنتمي إليه”، معرباً عن تفاؤله بأن الصراعات القبلية التي اندلعت في هذا الوقت ستكون قصيرة العمر.
“الدين يوحد الأمة“
كان نجم حسن شيخ محمود قد بزغ في العقد الأول من القرن الحالي، عندما أسس جامعة خاصة وأصبح الزعيم الفعلي لمنظمات المجتمع المدني التي كانت منعزلة في الفراغ الذي خلفه انهيار الدولة.
وفي عام 2010، أسس أول حزب سياسي منذ الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1969. وأحرز الصومال بعض التقدم على مدى 12 عاماً.
ويرى الرئيس الصومالي أن الدين يُمكن أن يُوحد الأمة الممزقة، معتقداً أن جذور المشكلات التي تواجهها البلاد تتمثل في القبائل، وإرث الحكم العسكري، و”التطرف الديني”. وقال: “أعتقد أنه يُمكن بناء دولة ديمقراطية في الصومال. هذا هو المخرج الوحيد”.
وأضاف: “نعم، كنا دولة فاشلة. ولكن الآن توجد دولة، مهما كانت ضعيفة. التحدي يتمثل في التحول من دولة هشة إلى دول تعمل بكامل طاقتها”.