رايت رايتس

مصر…المخرج المسرحي خالد جلال يواجه الهبوط الفني بمسرحيته الساخرة “شابوه”

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 7 دقيقة قراءة
7 دقيقة قراءة

يمثل العرض المسرحي “شابوه” صفعة على وجه صناع الأعمال الفنية الاستهلاكية، تلك الأعمال التي يتم إعدادها على عجل وتسعى فقط إلى تحقيق الربح المادي من دون أن تحمل أية قيمة أو تترك أثراً في نفوس مشاهديها، فضلاً عن تدخل منتجيها في محتواها وإصرارهم على الاستعانة بممثلات غير ناضجات، فقط لأنهن يحققن “الترند” على “تيك توك” أو غيره.

- مساحة اعلانية-

ظاهرة الأعمال الفنية الاستهلاكية يعرفها المشتغلون بالفن، فهي ليست جديدة لكنها استفحلت أخيراً وباتت تهدد كل صاحب موهبة، فضلاً عن تأثيرها المدمر على الذوق العام.

وطفا على السطح عدد الممثلين والممثلات الذين لا يعرفون عن الفن سوى أنه وسيلة سهلة للشهرة والثراء.

- مساحة اعلانية-

العرض الذي يقدمه خريجو مركز الإبداع في القاهرة تحت إشراف المخرج خالد جلال وكتبه وأخرجه أحمد محيي حقق نجاحا لافتاً، لكونه يتكئ على جراحات كثير من الفنانين الحالمين بالمستقبل، وتقديم أعمال تمثل إضافة نوعية إلى عالم الفن، والذين تصدمهم متطلبات السوق ويصاب معظمهم بالإحباط ويتوارى باحثاً عن مهنة أخرى، ولكون العرض يقدم صرخته هذه في إطار فني محكم فيه من المتعة الفنية والفكرية ما يجعله عرضاً جماهيرياً، وكأنه يطرح نموذجاً يشير من خلاله إلى إمكان تقديم عمل فني جيد وجاد وجماهيري في الوقت نفسه.

السخرية المرة قد تصلح عنواناً عريضاً لهذا العمل، والعنوان نفسه “شابوه”، وهي كلمة يتداولها صناع الفن وأصدقاؤهم ومريدوهم للتعبير عن إعجابهم بهذا العمل أو ذاك من دون أن يوضحوا أسباب هذا الإعجاب، أو تكون لديهم القدرة على تحليل عناصره حتى يكون هناك مبرر لكلمة “شابوه”، وهي كلمة فرنسية تعني القبعة chapeau، وتستخدم في مدح عمل ما، فيعني “أخلع لك القبعة احتراماً لهذا العمل”، أي أن الأمور كلها تتم في إطار المجاملات وربما الصفقات التي تغيب عن الوعي ولا تترك فرصة للمراجعة ومحاولة الإجادة.

اختار الكاتب والمخرج الكوميديا إطاراً لعمله، وهو اختيار واع وفي محله، ففي مثل هذه القضايا تصبح الكوميديا والسخرية سلاحاً أشد تأثيراً، وبدا من نصّ العرض أن كاتبه يعرف جيداً تفاصيل وظروف إنتاج الأعمال الفنية التي يسخر منها.

- مساحة اعلانية-

وعلى رغم أنه يناقش قضية فنية ربما تخص بشكل أساس المشتغلين بعالم الفن، فإن قضيته تكاد تنسحب على المجتمع كله، فكم من شاب يواجه كثيراً من الإحباطات في سبيل الحصول على فرصة عمل تناسب موهبته ومؤهلاته العلمية، في حين يحصل عليها غيره من الأقل علماً وموهبة بالواسطة أو بالعلاقات الشخصية.

ولا سبيل إلى القضاء على الظاهرة ومقاومتها حتى بقوة القانون، ومن هنا فلا حل إلا السخرية منها أو “مسخرتها” بالمعنى الدارج، وهي عادة مصرية معروفة، وكأن الكاتب هنا يمتح من تراث المصريين الساخر الذين واجهوا به كثيراً من الظواهر السلبية، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.

يتناول العرض قصة مؤلف شاب عمل في المسرح الجامعي استدعاه زملاء له سابقون في هذا المسرح، وقدموا معاً من قبل عروضاً مهمة مثل “كاليغولا” و”الدخان” وغيرهما، ليكتب لهم عرضاً مسرحياً، لكنه يصطدم بالمخرج الذي يريد إنهاء العمل على وجه السرعة ويريده خفيفاً وأقرب إلى الـ “اسكتش” منه إلى العرض المسرحي، ويصطدم كذلك بالمنتج الذي جاء بفتاة “تيك توك” لتلعب دور البطولة، بل ويصطدم بتحول زملائه السابقين الذين عملوا في المسرح الجامعي، مجاراة منهم للسائد، حتى يحصلوا على فرصة عمل، مستجيبين لمتطلبات السوق حتى إن واحداً منهم لم يستطع العمل بالتمثيل، فاكتفى بالعمل في المسرح كسكرتير أو خادم.

هي قصة يعيشها كثير من الفنانين الذين نشأوا على تقاليد المسرح الراسخة وتقديم الأعمال الجادة، ولا يكون أمامهم إلا الاستجابة لشروط السوق والمشاركة في تزييف وعي المشاهدين ليحظوا بالشهرة والأموال، أو هجرة عالم الفن إلى مهنة أخرى أو المقاومة حتى آخر رمق.

في حال كهذه يكون صناع العرض على المحك، كما يقولون، وهم يسخرون مما يعتبرونها أعمالاً سطحية واستهلاكية، وهذه السخرية إذا لم تصل عبر وسائط جمالية معتنى بها وتصدر عن خبرة ووعي فإنها تجعل صناعها أنفسهم محلاً للسخرية، سخرية الجاهل لا العارف.

وعي الممثلين

انتبه صناع العرض إلى ذلك فتعاملوا مع الكوميديا بحساب، واعتبروها وسيلة لا غاية، ولم يلجأوا إلى الـ “إفيهات” أو الاستظراف أو المبالغة، فجاء الأداء سلساً وبسيطاً وناعماً، وكل تفهم طبيعة الدور الذي يلعبه وطبيعة العرض ورسالته.

ميشيل ميلاد أدى  دور المؤلف الحريص على القيمة وكان رصيناً في أداء هذه الشخصية ولعبها بعمق وطبيعية وإقناع وكأنه يؤدي شخصيته في الحياة، الحركة والإيماءة واستخدام جهازه الصوتي، وكل ذلك بفهم ووعي وقراءة جيدة لأبعاد الشخصية وأزمتها، وبالمهارة نفسها لعب محمد محيي المخرج ومؤلف العرض، دور المخرج السطحي الفارغ داخلياً في طريقة ملابسه وأسلوبه في الكلام وردود أفعاله، وشكلت العلاقة بينه وبين المؤلف الذي كان على النقيض منه مباراة لتفجير السخرية، ولعب محمد المحمدي ببراعة دور النجم الذي تخلى عن أحلام فترة الجامعة في سبيل الحضور وتحقيق المكاسب المالية، مراوحاً بين حنينه للماضي ومتطلبات الحاضر.

وكذلك أميرة عبدالرحمن زميلة المؤلف السابقة التي ارتبطت معه بقصة حب ثم تحولت إلى نجمة بفضل تنازلاتها الفنية، ومحمد حسيب في دور المنتج الذي يجاري متطلبات السوق ساعياً إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب، وهو اختيار جيد من المخرج لتوظيفه في هذا الدور الذي يناسب تكوينه الجسماني ومرحلته العمرية، وعادل الحسيني زميل الجامعة الذي ارتضى بعمل هامشي في المسرح وتخلى عن أحلامه القديمة على رغم ما يملكه من موهبة، وألحان المهدي التي لعبت دور ابنته العاملة، وهي الأخرى في المسرح، ومريم محروس فتاة “تيك توك” التي جلبها المنتج لاستغلال شهرتها على الـ “سوشيال ميديا” من دون أن تتمتع بأي موهبة أو حضور.

وفّق المخرج في اختيار ممثليه ومنحهم أدوارهم المناسبة وهم لم يخذلوه، وشكلوا معاً فريقاً متجانساً ومتكاملاً ومتعاوناً كذلك، وهم يقدمون قضيتهم التي يلمسون تفاصيلها عن قرب ويستعرضون صورتهم التي تتسع أكثر لتستوعب غيرهم من الشباب، كل في مجال عمله.

وفي العرض بعض الأغاني التي تدعم الدراما وتشكل واحداً من أعمدتها، كتبها أحمد محيي ولحنها أحمد كيكار، واستعراضات شيرين حجازي، أما الديكور لمحمد زكريا فجاء بسيطاً ومراعياً مقتضيات الحال وطبيعة خشبة مركز الإبداع، وهي مساحة شبه فارغة وفي العمق مسرح صغير وبعض الـ “موتيفات” التي تفي بالغرض ولا تثقل على منطقة التمثيل المحدودة المساحة.

عرض “شابوه” الذي قام على مجموعة من الشباب الجدد الموهوبين الذين تخرجوا في مركز الإبداع بعد أن تلقوا تدريبات على فنون التمثيل والرقص والغناء لفترة طويلة لا يمثل رسالة وحسب على سخريتها وبساطتها شديدة اللهجة لصناع الأعمال الاستهلاكية والتي انتشرت بشكل لافت سواء في السينما أو المسرح أو مسلسلات التليفزيون، بل رسالة إلى صناع أي عمل يحجبون الفرصة عن المتسلحين بالعلم والموهبة والراغبين في تقديم ما ينفع الناس.

شارك هذه المقالة
ترك تقييم