يقوم وزير الخارجية الروسي سييرغي لافروف بجولة إفريقية، هي الثانية من نوعها خلال أقل من عام، يزور فيها جنوب إفريقيا وسوازيلاند، وأنجولا، وبتسوانا، إذ شملت جولته الأولى التي أقيمت في يوليو 2022، مصر وإثيوبيا وأوغندا والكونغو.
وجاءت جولة لافروف الإفريقية، في أعقاب جولة إفريقية أخرى لوزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.
وأضاف لافروف في كلمته خلال مؤتمر صحافي مع نظيرته في سوازيلاند، توليسيل دلادلا: “ناقشنا التعاون بين البرلمانات، حيث نعتزم عقد منتدى برلماني (روسيا- إفريقيا) في موسكو مارس المقبل، بمشاركة إسواتيني”.
وتابع الوزير الروسي الذي وصل إلى إسواتيني قادماً من جنوب إفريقيا ضمن جولته الإفريقية: “اتفقنا خلال الاجتماع مع القادة العسكرية في إسواتيني على تعزيز التعاون في مجال الأمن أيضاً”.
وقال لافروف: “سترسل روسيا وإسواتيني طلباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة لإيجاد حل سريع لضمان إمدادات مجانية من الأسمدة الروسية المحصورة في موانئ الاتحاد الأوروبي لتلك المملكة”، وفق ما أوردته وكالة “تاس”.
وأردف: “بالنظر إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا بنشاط إلى تسوية جميع القضايا المتعلقة بضمان الإمداد دون عوائق من الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، فقد اتفقنا اليوم على أن ترسل حكومتينا نداءً لحل المشكلة على وجه السرعة بشأن استخدام جزء من الأسمدة الروسية المحتجزة في موانئ الاتحاد الأوروبي لاحتياجات سكان إسواتيني مجاناً”.
وأشار إلى أنه يجب الإفراج عن 280 ألف طن من الأسمدة المحتجزة في موانئ الاتحاد الأوروبي وتسليمها إلى الدول الأكثر فقراً.
وزاد: “الشيء الوحيد الذي فعلوه في هذه الأشهر الستة بعد الاقتراح الذي قدمناه هو الموافقة على توريد 20 ألف طن من أصل 280 ألف طن لدولة مالاوي الإفريقية، إذ استغرقت عمليات التسليم عدة أشهر، وواجهت عقبات بيروقراطية ونهج سياسي صريح من دول الاتحاد الأوروبي التي يبحثون عن سبب لمعاقبة روسيا، لكنهم في الحقيقة يعاقبون الدول النامية فقط”.
أبرز القضايا
وكشفت مصادر لـ “الشرق” أن جولة لافروف ستستمر حتى 26 يناير الجاري، حيث سيزور سوازيلاند، وأنجولا، وبتسوانا، إذ لم تكشف الخارجية الروسية تفاصيل هذه الجولة، لكنها تحدثت عنها نهاية العام الماضي.
وزار لافروف، الاثنين، جنوب إفريقيا، التي ترأس حالياً دورة مجموعة “البريكس”، التي تضم إلى جانب روسيا كل من الصين والهند والبرازيل، إذ عقد مباحثات مع نظيرته الإفريقية ناليدي باندور، لمناقشة عقد القمة “الروسية – الإفريقية” في يوليو المقبل، بسان بطرسبورغ.
كما ناقش تعزيز التعاون التجاري الثنائي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.139 مليار دولار في عام 2021، كما حدد أطر التعاون في استخدام الفضاء السلمي، والتكنولوجيات عالية الدقة، فضلاً عن الطاقة النووية وبناء مدن ذكية.
وتطرق الوزيران إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، حيث أعربت باندور عن “عدم ارتياحها حيال العقوبات الغربية ضد روسيا”، وناقشا الأزمة الأوكرانية، كما أشار لافروف إلى أن الحرب بين روسيا والغرب “أصبحت حقيقية وليست هجينة”.
والتقى لافروف بالرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، وقبل هذه الزيارة وهي الثانية للافروف خلال أقل من عام، قالت موسكو إنها تعتزم دراسة مسألة تصدير الحبوب والأسمدة الروسية إلى إفريقيا وإزالة الحواجز الغربية في هذا المجال.
وتعد جنوب إفريقيا واحدة من أكبر 5 شركاء تجاريين لروسيا في القارة الإفريقية. وتأتي الزيارة على خلفية المناورات العسكرية الروسية- الإفريقية- الصينية المشتركة، التي ستنطلق بالقرب من سواحل جنوب إفريقيا في الفترة من 17 إلى 27 فبراير المقبل.
لماذا هذه الدول؟
وأوضح مدير مركز دراسة الأزمات والمخاطر أندريه كوروتايف لـ”الشرق” أن عدة عوامل كانت وراء اختيار هذه الدول خلال جولة لافروف الإفريقية، وقال: “إذا تحدثنا عن جنوب إفريقيا فهي من الدول القيادية في مجموعة بريكس، والعلاقات معها مهمة بالنسبة لروسيا”.
ووصف أنجولا بأنها “دولة ذات وزن اقتصادي كبير، خاصة أنها تنتج النفط، ولروسيا علاقات اقتصادية طويلة وتاريخية، منذ عصر الاتحاد السوفيتي، وهناك مشروعات وأعمال روسية متواجدة هناك بشكل أكبر من الدول المجاورة لها”.
وعن إسواتيني، قال كوروتايف: “قد تكون زيارة هذه الدولة مرتبطة برغبة روسيا بإيصال الأسمدة الروسية إلى هناك، خاصة أن روسيا أعلنت مؤخراً أنها ستورد الأسمدة إلى هناك مجاناً، ما يظهر القدرة والسلوك الإيجابي من جانب روسيا”.
كما أشار إلى أن إريتريا، التي تتضمنها جولة لافروف أيضاً”، كانت من الدول القليلة التي اختيارت الوقوف إلى جانب روسيا خلال التصويت الأول حول أوكرانيا في الأمم المتحدة، معتبراً أن الزيارة “قد تكون لتعزيز العلاقات بين البلدين”.
وأضاف كوروتايف: “هناك شعور بأن التحضيرات لهذه الجولة لم تستغرق وقتاً طويلاً، وأن الارتجال حاضر في تفاصيلها”.
وتابع: الاتجاه الإفريقي مهم بالنسبة لموسكو دون أدنى شك، ودور إفريقيا يتعزز خلال الأشهر الأخيرة، مع التأكيد على أهمية جنوب إفريقيا ونيجيريا ومصر بالنسبة لروسيا.
مسار جديد
من جانبه، يرى نيقولاي سوركوف، المدرس المساعد في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، أن جولة لافروف الإفريقية جزء من مسار جديد في السياسة الخارجية الروسية والمتعلقة بالتعاون في ظل الابتعاد عن التعاون مع الغرب والتوجه نحو تطوير العلاقات الروسية مع الدول الآسيوية والإفريقية.
وقال إن “أنجولا، على سبيل المثال، مثيرة لاهتمام شركات النفط الروسية وشركات التعدين، إلى جانب وجود خبرة في التعاون خلال حقبة الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك توريد الأسلحة والمشاريع الاقتصادية المشتركة”، فيما وصف جنوب إفريقيا بأنها “شريك مهم في مجموعة بريكس”.
وأضاف سوركوف: “يتوجب على روسيا إظهار أنها مرغوبة في العالم وأنها لا تزال قوة عالمية ولها مصالح في جميع أنحاء العالم الحديث، وليست قوة إقليمية كما يحاول الغرب إظهارها”.
وشدد على أهمية زيارة لافروف لتطوير العلاقات الروسية مع الدول الإفريقية، لافتاً إلى أن “الاهتمام الروسي بالقارة الإفريقية قبل الفترة الحالية كان أقل”. ويقول: لذلك، نواجه اليوم في بعض الأحيان غياب قاعدة قانونية للتعاون، على سبيل المثال، لا توجد اتفاقيات حول تجنب الازدواج الضريبي، ولا توجد اتفاقيات حول المعاملات المصرفية، ويجب التفكير بجميع هذه الأمور والعمل عليها”.
وحول عدم مشاركة وزراء التجارة والاقتصاد الروس في هذه الجولة، يقول سوركوف: “من المبكر أن يتوجه وزراء التجارة والاقتصاد إلى إفريقيا، حيث ينبغي أولاً التوصل إلى اتفاقات معينة على المستوى السياسي، وقيام الوزراء بزيارة إلى دولة ما هو دليل على أنه ستكون هناك اتفاقات كبيرة ومهمة”.
المصدر: الشرق