صرنا على علم الآن أنه عندما تقر الحكومة البريطانية “قانون سلامة الإنترنت” Online Safety Bill الجديد ويدخل حيز التنفيذ، ربما يسفر عن عقوبة محتملة بالسجن تشمل رؤساء شركات التكنولوجيا الذين لا يتخذون ما يلزم من خطوات تحفظ سلامة الأطفال.
المنصات الاجتماعية التي تتجاهل إخطارات “الهيئة التنظيمية للاتصالات في المملكة المتحدة “أوفكوم”Ofcom بشأن حماية الأطفال من التعرض لمحتوى إلكتروني ينطوي على إيذاء للنفس أو اضطرابات في الأكل أو الانتحار، قد تواجه حكماً بالسجن لسنتين. إذاً، كيف ينعكس ذلك على إيلون ماسك ومنصته “تويتر”؟
يدير “تويتر” اثنتان من “التايم لاين” (خلاصة زمنية) على تطبيقاته، تسميان الآن “فور يو” (من أجلك) For You و”فولووينغ” (متابعة) Following، وتحلان محل علامتي التبويب الرئيستين السابقتين.
علامة التبويب فولووينغ “”Latest سابقاً واضحة إلى حد ما، إنها عبارة عن خلاصة مكتوبة لمشاركات وردود وتغريدات تعود إلى مستخدمين اخترت أنت كمستخدم أن تتابعهم (follow)، ويعرضها الموقع الإلكتروني بالترتيب الزمني لنشرها نفسه. إنها بمثابة سجل الوقت الحالي، وإليها يرجع إنشاؤك حساباً على “تويتر” في الأساس.
تختلف عنها علامة التبويب “فور يو”، والتي كانت تسمى حتى وقت قريب “هوم” Home. تتولى “فور يو” تصنيف المشاركات من الحسابات التي تتابعها أنت كمستخدم، وتقدم لك المشاركات التي تجد أنها ربما تحوز اهتمامك أولاً أكثر من غيرها، علماً أن الخوارزمية تنتقي هذه الاختيارات بناءً على الحسابات التي تلاحظ أنك تتفاعل معها بشكل منتظم. ومع ذلك، سيلفتك أن الخوارزمية لا تكتفي بذلك، بل تستغل مشاركاتك وإعداداتك (وتفاعلات الآخرين في شبكتك والحسابات التي تجدها مشابهة لشبكتك) كي تقدم لك مجموعة مختارة من تغريدات نشرها أشخاص لم يحدث أنك اخترت متابعتهم. إنه المحتوى الذي تفترض “فور يو” أنه سينال إعجابك.
يتذمر المستخدمون من هذا النهج ولكنه فاعل جداً، إذ يمثل طريقة جيدة للعثور على حسابات مثيرة للاهتمام ومواكبة الأخبار التي ربما تستحوذ على اهتمامك فعلاً. من منظور “تويتر”، كلما ازداد عدد الحسابات التي تتفاعل معها، كلما صار يعرفك أكثر.
إنها مجموعات “التايم لاين” في الخوارزمية التي تشعل نار الجدال وتبقي شبكة التواصل الاجتماعي في حال من النشاط. ليس “تويتر” وحيداً هنا، بل يشابهه “فيسبوك” و”إنستغرام” و”تيك توك” في هذا الأسلوب. لقد ولّت الأيام عندما كانت الأخبار الاجتماعية على صفحتك تظهر أمامك في قائمة منشورات مرتبة بحسب التسلسل الزمني لنشرها بواسطة الأشخاص في شبكتك الاجتماعية.
تكتسي هذه النقطة أهمية فيما يتصل بـ “قانون سلامة الإنترنت” أو “الأمان على الإنترنت”، لأن في مقدور هذه الخوارزميات أن تثير المشكلات.
أنت لا ترى المحتوى الذي اخترته بنفسك فقط، بل أيضاً أشكالاً من المحتوى اختارها أشخاص تتابعهم. لنفترض أن كثيراً ضمن لائحة أصدقائك يحبون “ستار تريك” أو نادي “أرسنال” أو النجمة تايلور سويفت؟ ستمر حينها بتغريدات إضافية على صلة بهذه المواضيع.
وإذا تفاعلت مع تلك التغريدات، ستفيض صفحتك بها، ذلك أن الخوارزمية تعتقد أنها على دراية بما يجذبك من منشورات.
جدل حول أفلام “ستار تريك”، أو هوس حبيبتك السابقة بـ”الغانيرز” أرسنال” أو انخراطك لبعض الوقت في ألبوم سويفت تايلو “فلكلور” في غمرة إغلاق كورونا، تعني أنك منسجم مع محتوى المعجبين. ترى المزيد منه، وتتفاعل مع المزيد منه، فيرسل لك المزيد منه، وهكذا يصبح الافتراض حقيقة.
وليس التحكم في هذه الخوارزميات بالهين: في المستطاع تبسيطها وتوجيهها، ولكنها تتطلب اهتماماً مستمراً وضبطاً دقيقاً. أضف إلى ذلك تكلفة التطوير الضخمة لتدريب الذكاء الاصطناعي، وحاجته إلى مطورين مهرة لمواكبة كل جديد، علماً أن كثيراً منهم قد هجروا “تويتر” بعد “التسريح الجماعي” للموظفين الذي تسبب به ماسك.
لا ضير في هذه الخوارزميات عندما يتعلق المحتوى بنجوم البوب والبرامج التلفزيونية وفرق كرة القدم، ولكن ماذا لو كان أكثر خطورة؟
اضطرابات الأكل مثال جيد. ضمن مستخدمي “تويتر” مجموعات تكابد عادات غذائية غير طبيعية تؤثر سلباً في الجسد والعقل من بينها فقدان الشهية العصبي “أنوركسيا”.
في معظم الحالات، يدعم هؤلاء الأشخاص بعضهم بعضاً خلال رحلة التعافي، ولكن في المقابل يشجع الأفراد في مجموعات أخرى بعضهم بعضاً على هذه الاضطرابات.
إذا كنت واحداً ضمن تلك المجموعات، لن ترتدع الخوارزمية، إذا تُرك القرار لها، عن إغراقك بمحتوى يثير الأذى أو ضار، شأن المستخدمين الذين يعانون حالة عقلية ونفسية سيئة أو الإدمان. لا تجيد الخوارزمية غالباً فرز الحسن من الرديء؛ ولا النافع من الضار.
القانون الجديد سيجبر الشبكات الاجتماعية على فرض مراقبة شديدة على مختلف “الخلاصات الزمنية”، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال.
عملياً، يتحقق ذلك بطريقتين: الأولى، بمجهود موظفين يشرفون على التقارير ويتفحصون الـ “ترندات” المثيرة للمشكلات، والطريقة الأخرى من طريق التحديث المستمر للخوارزمية والروابط فيما يُعرف بالرسم البياني المعرفي، وستكون الكلفة باهظة.
“تويتر” إزاء مشكلة في جعبة شركة “ميتا”، التي تمتلك “فيسبوك” و”إنستغرام”، أموال لا تأكلها النيران. بدوره، يعتلي “تيك توك” القمة في الوقت الحاضر، ويملك موارد ضخمة من مالكيه الصينيين.
ولكن ماذا عن “تويتر”؟ لا ينفك يخسر المال والناس. هل تتذكر قبل بضعة أشهر عندما طرد إيلون ماسك نصف قوته العاملة؟ كان تنظيم المحتوى والإشراف عليه جزءاً كبيراً من عمليات التسريح تلك، وبعبارة أخرى، كانت الفرق التي تنظف “التايم لاين” وتبقيه براقاً. لم يمر وقت طويل على ذلك حتى غادر المزيد من الموظفين.
تكلّف ماسك أكثر مما ينبغي للحصول على “تويتر”، وتترتب على قروضه فوائد مهولة، كذلك مصروفاته ما زالت ضخمة. وارد جداً أنه ببساطة لا (ولن) يملك الموارد اللازمة التي تسمح له بالامتثال للقوانين الجديدة الصارمة.
من غير المرجح أن يضع ماسك نفسه في موقف يزج به في السجن، ولكن لا يعني ذلك أنه صار فجأة يملك الموارد (الأشخاص والمال الضروريان للخضوع للقانون) للبقاء بعيداً من عيون “أوفكوم” “هيئة تنظيم الاتصالات في المملكة المتحدة”.
في مقدوره أن يوقف أعماله في المملكة المتحدة، لكنه أضعف من أن يتحمل خسارة الأرباح التي تدرها على المنصة. وعلاوة على ذلك، لدى الاتحاد الأوروبي فعلاً قوانين مماثلة.
ربما تجد إدارة “تويتر” الجديدة نفسها عالقة ما بين مطرقة مسؤوليات تعجز عن الوفاء بها مفروضة في القوانين الجديدة؛ وبين سندان غرامة (الغرامات أو العقوبات المفروضة على عدم الالتزام بالقواعد التنظيمية الخاصة بالتكنولوجيا) يتعذر عليها سدادها.
المصدر: إندبندنت عربية