تزداد معاناة اللبنانيين مع تواصل الأزمة الاقتصادية حتى وصلت إلى مستويات قياسية، غابت معها الطبقة الوسطى وأصبحت الشريحة الأكبر من اللبنانيين تعيش إما تحت خط الفقر أو الفقر المدقع.
منطقة السان سيمون، أكثر المناطق حرمانًا في لبنان إلى حد النسيان، يعيش فيها خليط اجتماعي وطائفي تجمعهم وتوحدهم الهموم الحياتية والمشاكل الاقتصادية.
وفي بلد ترتفع فيه نسبة البطالة في صفوف الشباب وتغيب عنه الحماية الاجتماعية للمسنين، تعيش أم أحمد في منزل مترامي في منطقة السان سيمون قبالة شاطئ البحر يفتقد لأدنى مقومات العيش الصحي والسليم، وعدا عن أن الحاجة لا تملك أي وسيلة للتدفئة من البرد القارس في فصل الشتاء، فإن ثلاجتها فارغة حتى من المياه الصالحة للشرب، قائلة لـ”سبوتنيك” إن الوضع سيء جدًا.
رئيس الجمعية الخيرية في السان سيمون عبد الرحمن مطر قال لـ”سبوتنيك”، “تهجرنا من منطقة الكرنتينا عام 1976 وحتى هذا التاريخ لا يوجد أي إنسان ينظر إلينا، لا دولة ولا غيرها”، مشيرًا إلى أن “أغلبية الناس يعملون على مكبات النفايات لجلب البلاستيك والكرتون”.
وأضاف أنه “لا يوجد مياه ولا كهرباء ولا طبابة ولا أدوية وكلها وعود بوعود، اليوم نحن تحت الصفر للفقر”.
ولمكافحة انعدام الأمن الغذائي ودعم الفئات المعوزة في لبنان، أعلن الاتحاد الأوروبي، عن إطلاق مبادرتين جديدتين في إطار الاستجابة لمواجهة التداعيات السلبية للحرب الروسية ضد أوكرانيا، على البلدان المجاورة للاتحاد الأوروبي بقيمة 25 مليون يورو.
وستوفر الأموال المقدمة مساعدات مباشرة إلى 7245 عائلة لبنانية فقيرة مؤلفة من (41257 فردا) مسجلة في البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرًا، الذي يمثل شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد، وتنفذه الحكومة بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي.
وأشارت المشرفة العامة لخطة لبنان للإستجابة للأزمة ومستشارة وزير الشؤون الاجتماعية علا بطرس، أن الإتحاد الأوروبي من المانحين الخمس الأساسيين للبرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرًا في لبنان.
وفي تصريحات لـ”سبوتنيك” قالت بطرس إنه “قبل العام 2019 كان هذا البرنامج يغطي 15 ألف عائلة لبنانية من الأكثر هشاشة، بعد العام 2019 ارتفع هذا الرقم وسيبلغ في وقت قريب 75 ألف عائلة لبنانية، وبالتالي العائلات التي تم رصدها مؤخرًا من ضمن الهبة المقدمة من الاتحاد الأوروبي هي حوالي 7000 عائلة جديدة من ضمن ال 75 ألف، وأيضًا الاتحاد الأوروبي هو المانح الأساسي في خطة لبنان للإستجابة للأزمة التي تستهدف النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وطبعًا اللبنانيين الأكثر هشاشة الذين نستهدفهم بشكل فردي وعائلي عن طريق برنامج”.
وأوضحت أن “البرنامج الوطني لاستهداف الأسر الأكثر فقرًا يتم تنفيذه عن طريق برنامج الأغذية العالمي، الأموال تأتي إلى برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة وهو الجهة التي تستلم الأموال والتي هي تعطي الناس، وهنا وزارة الشؤون الاجتماعية ورئاسة الحكومة لهم دور”، لافتة إلى أن “العمال الاجتماعيين لوزارة الشؤون الاجتماعية يدققون في الاستمارة، ويقومون بجولات تفقدية على العائلات التي قدمت عن طريق مراكز وزارة الشؤون لمعرفة هل يستحقون المساعدة أم لا استنادًا إلى المعايير الاقتصادية والاجتماعية، وبعد ذلك البيانات تذهب إلى رئاسة الحكومة اللبنانية ومن ثم ترسل إلى برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة الذي بدوره يرسل فريقه إلى الأرض لإجراء إعادة تقييم، وعلى أساسها يتم دفع مبلغ شهري للعائلات المستفيدة 25 دولار بشكل ثابت و 15 دولارحتى 6 أفراد في العائلة، وبالتالي كل عائلة تحصد بين 125 و 145 دولار كحد أقصى ويتم دفعها بالدولار الأمريكي”.
بالنسبة للأمن الغذائي للبنانيين اعتبرت بطرس أن “هناك عوامل خارجية وداخلية أثرت بهذا الموضوع أبرزها انفجار مرفأ بيروت وخسارة لبنان للاحتياط الاستراتيجي للقمح، والأزمة الروسية الأوكرانية وكما نعلم لبنان يستورد أكثر من 86% من الإنتاج المرتبط بالقمح والطحين والزيوت والأسمدة من أوكرانيا وروسيا، وبطبيعة الحال انهيار العملة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي أضافت أعباء بعدم قدرة لبنان على استيراد هذه المواد من الخارج، وبالتالي نحن كنا بحاجة لدعم من قبل الأمم المتحدة والبنك الدولي و برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة من أجل تغطية الحاجة الأساسية من الغذاء للبنانيين”.
ولفتت أن “الإتحاد الأوروبي وقع مع الفاو من أجل تنمية القدرات في مجال الزراعة ليكون لبنان قادر على تصنيع وإنتاج هذه المواد، ولكن لبنان ليس دولة منتجة ولديه ضعف في المجال الزراعي، وقبل كنا نعتمد فقط على اقتصاد السلع والخدمات والذي هو قائم على السياحة والتجارة، اليوم من الممكن أن تكون هذه الأزمة فرصة ليتحول لبنان إلى الاقتصاد الإنتاجي وبطبيعة الحال أثر على قدرة العائلات المالية ضاعفت قدرتها بعملية الحصول إلى المواد الأساسية للغذاء، وهناك عائلات تتناول وجبة واحدة في اليوم وهناك أطفال لا يستطيعون الحصول على وجبات غذائية كافية لنموهم وهذا مصدر قلق جدي”، مشيرة إلى أن “الفقر ارتفع في لبنان من 28% قبل العام 2019 إلى 55% فقر نقدي حسب البنك الدولي، وفي لبنان لدينا فقر من نوع آخر والذي هو الفقر المتعدد الأبعاد والذي تعاني منه 82% من العائلات اللبنانية، وهو أبعد من الفقر النقدي وهو مرتبط بعدم قدرة الفرد على تلبية احتياجاته الأساسية بكافة مناحي الحياة”.
من جهته يقول رئيس الإتحاد العمالي العام في لبنان بشارة الأسمر “إن نسبة الفقر بارتفاع مستمر، اليوم إذا كان الفقر المدقع محدد بحدود 30% من الشعب اللبناني فإن هذه النسبة ترتفع يومًا بعد يوم لأن الناس تفقد أعمالها، وهناك مؤسسات تقفل وسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية مستمر بالصعود، والقدرة الشرائية للشعب اللبناني تنخفض يومًا بعد يوم، لذلك هذه النسبة ترتفع”، مشيرًا إلى أنه “لدينا اختفاء للطبقة الوسطى والتي انتقلت إلى الفقر ولكن ليس المدقع، ولدينا 20% من الشعب اللبناني يعيشون في كوكب آخر”.
وأوضح أن “المساعدات المقدمة من الاتحاد الأوروبي تخفف من حدة الأزمة ولكن إذا تقارنت مع الواقع على الأرض فإنها لا تعطي أي شيء، نتحدث عن 25 مليون دولار، لا تعطي شيء إنما تخفف من حدة الأزمة عند بعض العائلات والأسر”.
وأبدى الأسمر تخوفه على الأمن الغذائي للبنانيين لأن الأزمة تشتد يومًا بعد يوم، بظل غياب للاستقرار السياسي الذي يزيد من حدة الأزمة.