يدخل الشرق الأوسط عام 2023 وما زالت قضايا الإقليم على ما هي عليه وارتبطت بما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة من تطورات جارية ستستمر في العام الجديد، وربما بعده، ارتباطاً بمسارات ما يحصل سياسياً وأمنياً واستراتيجياً، وكذلك مؤشرات عدة مرتبطة بمواقف الأطراف المختلفة.
مؤشرات مهمة
سيظل الاستقرار في الإقليم مرتبطاً بمواقف الأطراف الإقليمية العابثة بأمنه، بحيث تسعى إلى توجيهه لحسابات محددة، وإن كانت السياسات الخاصة بدول الجوار لن تتغير أو تشهد تحركاً غير مسبوق لاعتبارات متعلقة بإدارة المشهد السياسي والاستراتيجي، فالجانب التركي سيظل ممسكاً بخيار القوة العسكرية وملوحاً باستخدامها وتوظيفها في التعامل، سواء تجاه سوريا أو في ليبيا والعراق مع العمل على تصفية المشكلات مع دول الإقليم الكبرى مثل مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية من خلال تسكين نقاط الخلاف والسعي إلى الحصول على مكاسب اقتصادية محددة وفتح أسواق أمام الاقتصاد التركي والتحرك في مساحات شاسعة من الخيارات مع إعادة تمركز لمصالحه في شرق المتوسط.
ومن المستبعد أن تدخل تركيا في صراعات عسكرية في الأقل خلال الأشهر الأولى من العام مع اليونان وستتجه إلى التفاوض، ولو من بعد لحسم خياراتها في الإقليم وانتظاراً لما سيطرح مع الجانب المصري من مقايضات تتعلق بما يجري في شرق المتوسط وإشكالية الحدود مع لبيبا وتفاصيل متعلقة بالترتيبات الأمنية الجارية والمخطط لها كما ستعمل على تطوير علاقاتها بإسرائيل والاتجاه إلى تعزيز تعاونها العسكري والأمني تاركة ملف قطاع غزة والممارسات الإسرائيلية في الضفة جانباً.
أما إيران، فستعمل على محاور تحركاتها عبر الوكلاء الإقليميين، سواء في غزة أو اليمن أو العراق، وإن كان من المتوقع ألا تتصاعد الأمور لعمل عسكري مدفوع من أذرعها المسلحة في المنطقة مجدداً، وإن أي مواجهة ستبدأها الحكومة الإسرائيلية بنفسها مع خلق الذرائع الكبرى في هذا الإطار من دون انتظار من الجانب الفلسطيني.
وستعمل إيران في إطار من الخيارات وتتجه إلى استهلاك الوقت وصولاً إلى العتبة النووية ولن تكون هناك أية محركات جديدة للتوافق أو التعامل الحقيقي، بخاصة أن التوصل إلى اتفاق نووي جديد سيكون مستبعداً لاعتبارات متعلقة بموقف الطرفين، وهو ما سيوضع في الاعتبار، وإذا وصلت إيران في غضون العام إلى العتبة النووية وفقاً لتقييمات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فإن الأمر سيختلف تماماً وسنكون أمام مفاوضات مختلفة عما يجري، بخاصة أن الإدارة الأميركية ستنشغل بالفعل خلال العام الحالي بالانتخابات التمهيدية للرئاسة ولن تكون بالحماسة ذاتها للتعامل مع الملف في ظل المراوغات الإيرانية المعتادة، وهذا يفسر أن طهران تتحرك على المسار الأوروبي ومن خلال الترويكا الأوروبية وهذا الأمر اتضح جلياً في قمة بغداد 2 التي حضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكانت الرسالة الإيرانية واضحة تماماً بمحاولة استدعاء أوروبي- روسي في مواجهة الموقف الأميركي، والحديث سيكون عن البديل المهم الذي يمكن أن يمنح إيران موقفاً جديداً تستطيع من خلاله الاستمرار في مخططها للوصول إلى العتبة النووية مع استمرار نهجها التصاعدي والمباشر.
وعلى رغم بقاء العقوبات الاقتصادية وتطويرها أميركياً، لكن من المستبعد أن يكون هناك خيار عسكري من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، فجميع المؤشرات المطروحة مرتبطة بالفعل بعدم اللجوء إلى عمل عسكري منفرد سواء كان أميركياً أو إسرائيلياً لاعتبارات عدة والاستعاضة عنه بالحرب الأخرى، أو ما يعرف بحرب الظل أي الاستمرار في العمليات الاستخباراتية غير المكلفة لحسم بعض النقاط العالقة والبقاء قريباً مما يجري داخل إيران ومنشآتها النووية.
التحركات الإسرائيلية
أما إسرائيل، فإن المؤشرات المهمة والخطرة التي ستفرض نفسها ستتعلق بإجراءات ستتبعها الحكومة الجديدة التي ستمضي في خطة الفصل الثاني وإعادة تفعيل خريطة الاستيطان الكبرى ليس في القدس ولكن في شمال الضفة الغربية وشرقها مع تسريع معدلات المواقف من جانب واحد وسيغلق الباب أمام أية اتصالات سياسية ما لم تتجه الحكومة الإسرائيلية إلى عمل عسكري شامل في نابلس أو جنين والقدس، مما قد يؤدي إلى صدامات جديدة تبدأها إسرائيل من جانب واحد أو تعجل “حركة الجهاد الإسلامي” وبعض الفصائل غير المنضبطة بإطلاق الصواريخ.
ومن غير المستبعد أن يتم هذا الأمر في الأشهر الأولى من العام الجديد وفي هذه الحال فإن الولايات المتحدة ربما تتدخل وتتعامل انطلاقاً من الواقع القائم من دون تطوير لأدائها، ولهذا لن تدفع بأي خيارات أو مبادرات ومن المتوقع أن تحصل ضغوط حقيقية على السلطة الفلسطينية لاستئناف التنسيق الأمني بالكامل وليس على درجات وفي مستويات عدة من أجل فرض الاستقرار في الضفة الغربية أولاً باعتباره أولوية ومن المهم التأكيد على أن الحكومة الإسرائيلية قد تبادر وفي حال استمرار وضع الغليان في الضفة إلى إعلان ضم الأراضي الفلسطينية، وهو الإجراء الأخطر والمهم الذي سيطرح في الأشهر الأولى من تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة باعتباره مطلباً لليمين الإسرائيلي على مختلف درجاته وشرائحه، وبصرف النظر عن الحركات والكتل اليمينية الحالية التي ليست لها رؤية مخالفة لما هو قائم بالفعل في إسرائيل من توجهات متشددة ومتطرفة.
ستعمل الحكومة الإسرائيلية على تفعيل “اتفاقات أبراهام”، بخاصة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حريص على هذا الأمر باعتباره أحد إنجازاته الكبرى وتمنى أخيراً أن يتم هذا السلام الإقليمي مع الجانب السعودي، مما يشير إلى أنه أولوية مهمة على رغم عدم تطرقه إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها الرياض وما زالت مشروعاً عربياً صالحاً للتعامل مع إسرائيل.
تسكين الملفات
لا توجد أي مؤشرات إلى تغييرات في بعض الملفات العربية الراهنة، فالحدود التي رسمت بالدم في سوريا ستبقى كما هي في ظل توقعات بتصاعد مد التنظيمات الإرهابية ومحاولة الذهاب إلى مواجهات جديدة في العراق وسوريا وعلى طول الحدود السورية- الأردنية وفي الضفة الغربية وسيحاول تنظيم “داعش” العمل وتأكيد حضوره مجدداً، بخاصة أن حال عدم الاستقرار ستظل قائمة ولن تتراجع، ومن ثم فإن توقع صدامات محتملة في المناطق العراقية الأردنية السورية الفلسطينية قائم وتضعه أجهزة الاستخبارات الدولية في تقييماتها الحقيقية، لا سيما أن الوضع في لبنان سيظل كما هو وربما سيشهد مزيداً من التوتر والألم الاقتصادي الحقيقي.
ومن المحتمل أن يفتح ملف استعادة سوريا لحضورها العربي قبل القمة العربية المقبلة في السعودية، وإن كان من المتصور أن خريطة التفاعلات العربية ستبقى على ما هي عليه في ظل تطوير التحالفات الراهنة والبناء عليها، بمعنى أن التحالف الثلاثي الأردني- المصري- العراقي مرشح لضم دول أخرى وستكون الإمارات والبحرين ولبنان الأطراف المتوقعة، كما لن يحدث تطور في الملف اليمني في ظل غياب الإرادة السياسية الدولية وعدم التجاوب مع الطرح الخليجي، مما سيربط الأوضاع في الخليج عامة واليمن على وجه الخصوص بمقايضات كبرى مع الجانب الإيراني.
المسارات المغاربية
أما بالنسبة إلى المنطقة المغاربية، فلا تلوح في الأفق أية تسويات مقترحة لإجراء الانتخابات الليبية المؤجلة منذ العام الماضي، ولا تسعى الأطراف المعنية إلى تحريك المشهد الراهن مع استمرار الانقسام بين ليبيا الشرقية وليبيا الغربية، وليس مستبعداً أن تشهد الحالة الليبية مزيداً من التوتر، وربما العودة للخيار العسكري، بخاصة مع تلويح كل طرف بما هو آت.
ومع استمرار التدخلات الدولية وإعادة تموضع القوات التركية وانتشارها والاستمرار في بناء وتشكيل القواعد العسكرية فإن سيناريو جديداً يتشكل على أنقاض ما يجري، بخاصة أن ترسيم الحدود البحرية المصرية مع ليبيا وتنفيذ الاتفاق البحري التركي- الليبي واستمرار تباين المواقف في شرق المتوسط ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، والأمر سيتجاوز ما هو قائم.
سيظل الاستقرار والتصعيد في النطاقات العربية مرهونين بالفعل بمواقف القوى الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا التي ستحجز لها دوراً في أية ترتيبات أمنية جارية وهو ما تدركه جيداً الدول العربية الوازنة في الإقليم وتقف في مواجهته من دون صدامات عبر تنويع مصادر التحالف والانتقال من التعامل مع شريك محدد إلى شركاء جدد، ووفقاً لما يجري سيتجاوز الأمر إبرام صفقات أو تحالفات، أو سياسات محددة في ظل رهانات على تحقيق المصالح الكبرى في الإقليم، بخاصة أن المنطقة ومع العام 2023 ستشهد مزيداً من التفاعلات المهمة والمحتملة ومنها إتمام بعض المشاريع الإقليمية والاتجاه إلى سياسات تتعلق بالتعجيل بتحقيق السلام الاقتصادي أولاً، وهو ما سيتطلب دوراً مهماً لإسرائيل في الإقليم والانتقال إلى مرحلة مختلفة من الخيارات المتعلقة بالمصالح الواردة لكل طرف.
الخلاصات الأخيرة
اتجاهات عام 2023 ستركز على عدم العمل على خيار الحسم والجزم بل بالعكس إبقاء المشهد الراهن على ما هو عليه، وإن أي تحريك في بعض الملفات مثل الملف الفلسطيني سيحتاج إلى مواجهة عسكرية غير تقليدية ومستمرة، وإن الاتجاه إلى التصعيد في ليبيا سيكون مرتبطاً بفشل المبعوث الأممي في مهماته وتجميد مهمات اللجنة العسكرية، وإن بناء تحالفات جديدة في الإقليم سيتطلب مقاربات مختلفة مثل عودة العلاقات المصرية- التركية وحل كل أو في الأقل بعض المشكلات الراهنة التي سبق أن طرحت على مستوى الجانبين، فهذه المقاربة ستكون لها ارتدادات على الإقليم ودوله، بخاصة أن الانتقال من النطاقات العربية إلى شرق المتوسط والتحرك في مساحات رحبة سيمسان أمن الإقليم وسيمتدان إلى الخليج العربي في ظل توقعات محددة بدور إسرائيلي متصاعد في الأمن الإقليمي مع تفعيل مرجح لدور الدول العربية وتل أبيب في القيادة المركزية الأميركية لمواجهة ما يجري من تطورات وتحركات للقوى المناوئة.
المصدر: إندبندنت عربية