مساعي ومبادرات دبلوماسية تركية لرأب الصدع مع الخصوم الإقليميين، وتوسطت بنشاط في الصراع الروسي-الأوكراني.
قال المحللون إن تركيا، التي أقامت علاقات معقدة أو متوترة مع العديد من القوى الإقليمية ذات الثقل، لعبت دورا كبيرا في تحول الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط خلال العام الماضي.
وفي الوقت الذي عانى فيه الاقتصاد التركي من تقلص التجارة والاستثمار بالإضافة إلى ارتفاع التضخم عام 2022، زادت الدولة من تأثيرها الإقليمي من خلال مبادراتها الدبلوماسية لتطبيع العلاقات مع دول الخليج وإسرائيل ومصر.
وفي أبريل، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأول زيارة رسمية له منذ سنوات إلى السعودية، ما يبشر بتحسن العلاقات المتوترة بين البلدين وبداية “عصر جديد” من التعاون الثنائي.
وأجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود زيارة إلى تركيا في يونيو، في إشارة إلى عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها.
كما اتخذت الحكومة التركية خطوات لتحسين علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ومصر.
وفي فبراير، قام أردوغان بأول زيارة رسمية له إلى الإمارات منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في محاولة لإصلاح العلاقات المتوترة، حيث وقع البلدان عشرات الاتفاقيات بشأن التعاون في التجارة والزراعة والتكنولوجيا والدفاع وقطاعات أخرى. وقال محللون إن الشواغل المشتركة بشأن إيران كانت وراء المصالحة بين البلدين اللذين تنازعا بشأن العديد من القضايا الإقليمية.
وفي أوائل شهر مارس، التقى أردوغان بالرئيس الإسرائيلي الزائر إسحاق هرتسوغ خلال زيارة لإذابة الجليد قام بها الأخير إلى تركيا، في محاولة لإعادة العلاقات المتوترة بينهما بسبب انتقادات تركيا الشديدة لسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، حيث كان الاجتماع الإسرائيلي-التركي هو الأعلى مستوى الذي عقد في تركيا منذ 14 عاما.
وسافر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى إسرائيل في أواخر شهر مايو، في أول زيارة من نوعها منذ ما يقرب من 15 عاما. وأعقب ذلك إعلان الجانبين في أغسطس عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، بما في ذلك عودة السفراء، بعد محادثة هاتفية أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد مع أردوغان.
ووُصفت المصافحة بين أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم 20 نوفمبر في حفل افتتاح مونديال 2022 في قطر، بأنها “بداية جديدة” للعلاقات الثنائية التي شوهتها الانقسامات في السنوات الماضية.
وفي أواخر نوفمبر، قال جاويش أوغلو إن تركيا ومصر ربما تعيدان العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل إلى جانب إعادة تعيين سفيري البلدين بشكل متبادل “في الأشهر المقبلة”.
وعلاوة على ذلك، أعرب أردوغان أيضا عن اهتمامه بإعادة الاتصال بنظيره السوري بشار الأسد ونظامه بعد أكثر من عقد من العلاقات المتوترة، حيث تدهورت العلاقات بين الجارتين منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011.
وفي خطاب أمام البرلمان التركي في أكتوبر، قال أردوغان، الذي يواجه انتخابات رئاسية عام 2023، “لا تملك تركيا رفاهية الانغلاق، وعزل نفسها عن العالم الخارجي، ومراقبة الأحداث في منطقتها من خلال الجلوس على السياج”، مشددا على أن تركيا لا “تسعى للتصعيد” مع دول أخرى.
تركيا تحقق التوازن
وزودت تركيا، أوكرانيا بطائرات بدون طيار، ودعمت تصويت الأمم المتحدة لإدانة العملية العسكرية الروسية، وحظرت جميع السفن المقاتلة من المضائق التركية، ومنعت الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا من دخول المجال الجوي التركي. ومن ناحية أخرى، عارضت تركيا العقوبات الغربية على روسيا، ولعبت دورا نشطا كوسيط في الصراع، وساعدت في التوسط في صفقة للسماح لصادرات الحبوب الأوكرانية بالوصول إلى الأسواق العالمية.
وعُقدت عدة جولات من المحادثات الدبلوماسية في اسطنبول أو أنقرة، بما في ذلك الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية تركيا وروسيا وأوكرانيا، ومفاوضات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، واجتماع بين رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي سيرجي ناريشكين ومدير الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز.
وفي حديثه لوكالة أنباء (شينخوا)، صرح مصطفى نايل ألكان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حاجي بايرم فيلي في أنقرة، بأن عام 2022 كان عاما ناجحا لتركيا من حيث إنجازات السياسة الخارجية.
وقال إن “تركيا كانت تنتهج سياسة خارجية متعددة الأطراف وديناميكية للغاية في السنوات الأخيرة”، مضيفا أن أردوغان هو الزعيم الوحيد داخل الناتو الذي يجري محادثات هاتفية أو اجتماعات منتظمة مع كل من القادة الروس والأوكرانيين.
وأشار ألكان إلى أن “تركيا تنتهج سياسة خارجية مختلفة عن ذي قبل. في الماضي، لم تنخرط تركيا كثيرا في الوساطة، وهذه السياسة المتعددة الأطراف الجديدة تحظى بإشادة واسعة النطاق”.