حذر بنك إنجلترا من أن “هبوط المداخيل الحقيقية والزيادات في كلف الرهن العقاري وارتفاع معدلات البطالة من شأنها أن تفرض ضغوطاً كبيرة على الوضع المالي للأُسر” عام 2023.
يعني هذا التحذير أننا أمام اضطراب في سوق العقارات السكنية مع هبوط الأسعار واستنزاف الثقة التي تلزم دائماً للحفاظ على الزخم.
عندما تسود حال من التشاؤم وانعدام اليقين وتكون الخطوة التالية المتوقعة هي انخفاض الأسعار، فقد يؤجل المشترون عمليات شرائهم، مما يخلق نوعاً من دوامة هبوط. وحتى المشترين للمرة الأولى الذين ينبغي أن يكونوا قادرين على الاستفادة من الأسعار المعقولة الجديدة (إلى حد ما) للعقارات ربما يدفعهم التشاؤم الاقتصادي العام والاتجاه نحو ارتفاع أسعار الفائدة إلى تعليق خطط شرائهم.
سيكون الوضع قاتماً عامي 2023 و2024، وأشار البنك بالفعل إلى أن بريطانيا تدخل الآن فترة من الركود المطول، وهو ما تؤكده أحدث أرقام النمو. وبلغ التضخم أعلى مستوى له منذ 41 عاماً، ويتنبأ مكتب مسؤولية الموازنة بحدوث ضغط قياسي في مستويات المعيشة، ويشير ارتفاع أجور القطاع الخاص بنسبة 7 في المئة تقريباً إلى أن التضخم ربما يصبح جزءاً لا يتجزأ من النظام، بالنظر إلى الوضع الحرج لسوق العمل الذي سيدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع بسرعة أكبر مما هو مفترض.
ويقول البنك إن واحدة من كل 40 أسرة ستتضرر بشدة لدرجة أنها ستجد نفسها في مواجهة صعوبات لسداد مدفوعات الرهن العقاري. بيد أن عدداً أكبر بكثير سوف يتأثر بارتفاع كلف الاقتراض تدريجاً، إذ تتعرض 4 ملايين أسرة ـ حوالى نصف ملاك البيوت المقترضين لارتفاع أسعار الفائدة خلال العام المقبل. كذلك سيتعرض أولئك الذين ستنتهي آجال صفقات قروضهم الثابتة عند نسب منخفضة تاريخياً لهزة مؤكدة. وكما هي الحال دائماً، يعتمد الأمر بشكل كبير على ما إذا كان بإمكان المعيل الحفاظ على عمله.
ويمثل هؤلاء نسبة أقل من الأسر مقارنة بما كانت عليه خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008 والركود في أوائل التسعينيات، ولكنها لا تزال نسبة كبيرة. أما من الناحية السياسية، فسيغدو الوضع أصعب بالنسبة إلى الحكومة، لأن من المرجح أن يستمر الركود في سوق العقارات السكنية إلى نهاية الفترة البرلمانية الحالية وصولاً إلى الانتخابات المقبلة.
والأمر الأكثر أهمية هو أنه قد لا يكون واضحاً لدى الناخبين الذين يتحملون مثل هذه المصاعب (بالنسبة إلى كثيرين منهم تراجع قيمة أصولهم الرئيسة) أن لدى الحكومة السياسات الصحيحة لاستعادة مستويات المعيشة التي يتوقعونها الآن.
وبدافع اليأس أكثر من أي دافع آخر فإن بعض الناخبين الذين صوتوا للمحافظين عام 2019 سيقررون إتاحة الفرصة لحزب العمال أو ربما يفضلون البقاء في منازلهم متجهمين وفي حال من خيبة الأمل.
ولن يتطلب الأمر هذا العدد الكبير من الناس لتجريد حكومة ريشي سوناك من غالبيتها الإجمالية. من الواضح أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسياسة تحسين مستويات المعيشة و”إعادة البناء بشكل أفضل” لم تفِ بالوعود التي قطعها بوريس جونسون في شأنها قبل ثلاثة أعوام.
ومع ذلك، مثلما شهدناه في أوائل الثمانينيات وأوائل التسعينيات، يمكن أن يؤدي الركود ومؤشرات الانتعاش – “البراعم الخضراء” – إلى تغيير المشهد بسرعة مدهشة، لا سيما إذا ظلت هناك شكوك عالقة في شأن كفاءة أحزاب المعارضة. وإذا هبط التضخم وأسعار الفائدة وبدأت أسعار المساكن بالارتفاع مرة أخرى، فإن بعض التفاؤل المتواضع ربما يصب في مصلحة مستويات شعبية الحكومة وآفاق نجاحها في الانتخابات المقبلة.
لن تمحى آثار صدمات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و”كوفيد”، وصدمات الطاقة وأزمة كلفة المعيشة من خلال ارتفاع أسعار المنازل بنسبة 1 في المئة عام 2024 على سبيل المثال، لكن الانتخابات العامة هي عموماً شؤون تستشرف المستقبل وتشير إلى اتجاه سير الإدارة إن وجد.
سوناك وزملاؤه ليسوا في وضع يسمح لهم بتخطي سمعتهم الملطخة بالتقسيم وعدم الأهلية، ولكن في وسعهم صياغة سردية عن الأوقات العصيبة التي سيليها رخاء في المستقبل.
وفي الواقع هذا هو خيارهم الوحيد. ولكن الأمور ستسوء بالتأكيد قبل أن تتحسن ولن يطول الوقت حتى تسوء الأمور كثيراً خلال الـ12 إلى الـ18 شهراً المقبلة.
المصدر: “إندبندنت عربية”