تستكشف مبادرة تقودها الولايات المتحدة خيارات جديدة لتعميق العلاقات بين إسرائيل والدول العربية بما يتجاوز التأثير السياسي والاقتصادي لاتفاقات إبراهام. لكن المسألة الفلسطينية تبقى مسألة شائكة بالنسبة للبعض.
تمت دعوة سياسيين وأعضاء المجتمع المدني من إسرائيل والدول العربية التي وقعت معاهدات سلام معها إلى قمة أطلق عليها اسم مبادرة “N7”.
في العامين الماضيين ومنذ توقيع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان اتفاقيات التطبيع التي تقودها الولايات المتحدة مع إسرائيل – أو اتفاقيات إبراهام – أدى التقارب إلى تعاون متزايد على المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
ومع ذلك، فإنه عندما يتعلق الأمر بتطوير العلاقات بين الأشخاص الذين يعيشون في هذه البلدان، لا يزال هناك طريق للمضي فيه. كان هذا ما توصل إليه كل من جيرالد إم فييرستين، كبير الزملاء في معهد الشرق الأوسط (MEI) ومقره واشنطن، ويويل جوزانسكي، الباحث غير المقيم في المعهد، في مقال نشر لهما مؤخراً.
ولتقليل التحيزات وتسهيل الحوار بين الجيل القادم، دعا مركز أبحاث الأطلسي ومقره واشنطن ومؤسسة جيفري إم تالبينز في نيويورك السياسيين وأعضاء المجتمع المدني من إسرائيل والدول العربية التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل إلى قمة أطلق عليها اسم مبادرة “N7” .
ويرمز حرف “N” إلى العلاقات مع إسرائيل أو كلمة التطبيع باللغة الإنجليزية، وسبعة لمصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب وإسرائيل. وانعقدت القمة في مدينة الرباط المغربية مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري.
قال أورين إيسنر، رئيس مؤسسة جيفري إم تالبينز ، لـ DW: “من المهم لإجراء التطبيع أن تجتمع الأجيال الشابة وتتعلم من بعضها البعض؛ ولهذا السبب نركز على التعليم والتعايش”.
وهدفت القمة إلى تقديم أفكار عملية مثل منصات التبادل الطلابي والشبابي، والمشاريع التي تعمل على زيادة التسامح الديني.
يذكر أنه تمت صياغة مصطلح “اتفاقيات إبراهام” في عام 2020 للدلالة على عمليات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية التي تم تسهيلها في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ومن خلال التوقيع على هذه المعاهدة، اعترفت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان بسيادة دولة إسرائيل وأقامت معها علاقات دبلوماسية كاملة.
لكن الدول الموقعة تعرضت لانتقادات أيضاً بسبب “تخليها” عن المسألة الفلسطينية، بينما احتفل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو – المنتمي لحزب الليكود المحافظ – بفصل القضية الفلسطينية عن مسألة إقامة علاقات مع الدول العربية.
ووفقًا لسينزيا بيانكو، الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) ، لا تزال القضية الفلسطينية تشكل جزءًا أساسيًا من المشاعر القومية العربية.
وقالت لـ DW :” لا أعتقد أن الصفقة الإماراتية – الإسرائيلية تمهد الطريق لإقامة علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية أو عمان أو قطر أو الكويت”، مضيفة أنه “في كل هذه الدول، وعلى الرغم من بعض فتور تجاه القضية الفلسطينية في أوساط الشباب العربي – وخاصة في السعودية – فإن المعارضة الشعبية للتطبيع ما زالت مرتفعة”.
كما يرى هيو لوفات، زميل السياسة الأول في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين تظل واحدة من أصعب القضايا بالنسبة للشعوب في الدول العربية. وقال في حديث لـ DW : “الاحتلال المفتوح سيستمر في تقييد الإمكانات الكاملة لاتفاقات ابراهام والمشاريع التعليمية المرتبطة بها”.
أفكار ومشروعات من إسرائيل
في حديثها مع DW عقب القمة، قالت داليت أتراكشي، رئيس العلاقات الدولية في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، إنها ستعود “إلى وزارة التربية والتعليم في إسرائيل مع مجموعة من الأفكار لمشاريع مدرسية متعددة الأطراف وطويلة الأجل بشأن التعليم غير الرسمي للمجموعات الرياضية والموسيقيين”
وتتمثل إحدى هذه الأفكار في مواءمة المناهج الدراسية بين الدول العربية وإسرائيل، وتنظيم مناقشات عبر الإنترنت بين الطلاب من العمر نفسه.
وقالت أتراكشي: “إنهم الجيل القادم من المدنيين الذين يمكنهم تحقيق تعاون حقيقي”، مضيفة أنه مع ذلك “سيكون من السذاجة للغاية القول إننا لسنا مضطرين للتغلب على العقبات أولاً، وقبل كل شيء التحيزات”، وسلطت الضوء على أهمية التفاعل الشخصي بين الطلاب.
وقالت لـ DW : “المحادثات المباشرة هي وحدها القادرة على قتل الأفكار المسبقة”. لهذا، لا يمكن أن تكون هناك “طريقة أفضل من مقابلة النظراء في سياق غير متعارض مع أقل عدد ممكن من الوسطاء”.
الرأي نفسه يردده أحمد المنصوري العضو السابق في المجلس الوطني الاتحادي بدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي قال لـ DW : “نعتقد أنه لن يكون هناك سلام إذا كان هناك قتال بين دول مختلفة في المنطقة وخاصة بين العرب واليهود”، مضيفاً: “نحن بحاجة إلى حل المشاكل في الشرق الأوسط باستخدام طرق حضارية مختلفة من الدبلوماسية، لأن جميع الأساليب المتبعة على مدى أكثر من سبعة عقود مضت كانت عديمة الجدوى “.
الاستثناء المغربي
ومع ذلك، في المغرب حيث عقدت القمة، كان الوضع مختلفاً بعض الشيء. فمنذ آلاف السنين عاشت أعداد كبيرة من اليهود في المغرب كما أنه لا يزال موطنًا لحوالي 3000 يهودي مغربي.
علاوة على ذلك، يتم تجديد الأحياء اليهودية المحلية، وحتى الملك المغربي محمد السادس انضم إلى افتتاح متحف يهودي يسمى “بيت الذاكرة Beit Dakira”، في اصويرة عام 2020.
أيضاً هناك العديد من اليهود من أصول مغربية يعيشون في إسرائيل. وفي كل عام، يقضي أكثر من 200 ألف سائح إسرائيلي عطلاتهم في المغرب.
ونتيجة لذلك، وجدت دراسة أجرتها شبكة الباروميتر العربي Arab Barometer – وهي شبكة بحثية مستقلة في الشرق الأوسط، ممولة من جامعات دولية ومرتبطة بها – أن “41٪ من المغاربة يؤيدون تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب”.
أكد ستيفن كروجر، رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في المغرب، أن الموقف الأكثر إيجابية تجاه إسرائيل هو في المغرب. وقال لـ DW لدى عودته من مؤتمر الرباط: “الفجوة بين السياسة المغربية والناس في الشارع ليست كبيرة كما هي في البلدان الأخرى”.
ومع ذلك، تفاجأ كروجر بأن المغرب أرسل شخصاً واحداً، وإن كان مؤثراً، إلى القمة. وقال لـ DW :” أندريه أزولاي هو مستشار الملك ومدافع رئيسي عن التقارب غير السياسي بين اليهود والمسلمين، لكنه كان الوحيد”.
قال كروجر إن أندريه أزولاي هو مستشار الملك ومدافع رئيسي عن التقارب غير السياسي بين اليهود والمسلمين
ولم يحضر وزير التربية المغربي رشيد بن مختار بن عبد الله، القمة. ومع ذلك، بدأت وزارة التربية والتعليم المغربية بالفعل في إدراج التراث اليهودي في الكتب المدرسية بعد مبادرة من أزولاي، الأمر الذي يمكن أن يمهد الطريق للتنفيذ المبكر لأفكار القمة للتعاون مع اليهود المغاربة في إسرائيل.
في غضون ذلك، لايزال يتعين معرفة كيف ستنفذ البلدان المشاركة الأخرى هذا التقارب من أجل زيادة التفاهم بين الشباب من الجانبين وهو أحد الأمور التي تمت مناقشتها في الرباط.