رايت رايتس

في العيد الوطني لفرنسا..ماكرون يختار مودي ضيف شرف للاحتفال العسكري

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 10 دقيقة قراءة
10 دقيقة قراءة
ناريندرا مودي وإيمانويل ماكرون

يثير اختيار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ليكون ضيف شرف العرض العسكري السنوي بمناسبة العيد الوطني في 14 يوليو/تموز، الذي ستشارك فيه كتيبة هندية بثلاث مقاتلات رافال، انتقادات لجهة الانتهاكات الحقوقية وخصوصا ضد الأقليات الدينية وتراجع الديمقراطية الهندية في عهد مودي، وأيضا تساؤلات حول الرسالة من وراء هذا الخيار.

- مساحة اعلانية-

ويعتبر العيد الوطني حدثا رئيسيا في فرنسا لما يمثله من انتصار لقيم الحرية والإرادة الديمقراطية للشعب، ومن ثمة فإن دعوة مودي هي رمزية للغاية وتشريف له في بلد يكافح من أجل حقوق متساوية لكافة المواطنين منذ أكثر من 200 عام.

وسيحظى مودي الذي يزور فرنسا ليومين بمأدبة عشاء خاصة يحضرها أكثر من 200 ضيف ستقام في متحف اللوفر الشهير والأكثر زيارة بالعالم، وقالت الرئاسة الفرنسية، إن رئيس وزراء الهند سيتمكن من مشاهدة خاصة للقطع الفنية الشهيرة.

- مساحة اعلانية-

وعن الزيارة، كتب مودي على تويتر: “أتطلع إلى لقاء صديقي الرئيس ماكرون”، علما أنه وصل الخميس إلى باريس، بعد بضعة أسابيع من زيارة دولة لواشنطن أشاد خلالها بقوة بالعلاقات بين الولايات المتحدة والهند، رافضا الانتقادات التي تعرض لها في ملفي الحقوق والحريات.

وقبل ماكرون، استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن مودي في 20 حزيران/يونيو في زيارة دولة وصفها أحد المراقبين بأنها “عملية إغواء لناريندرا مودي”، وتضمنت الزيارة كلمة خلال جلسة مشتركة للكونغرس ومأدبة عشاء رسمية وتمخض عنها التوقيع على صفقات دفاعية كبرى.

بين الاستثمار والأسلحة

- مساحة اعلانية-

لكن من غير المتوقع أن يثير ماكرون مسألة حقوق الإنسان خلال زيارة مودي، وفق بعض الخبراء.

في هذا السياق أوضح جان لوك راسين الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) والباحث في معهد آسيا للبحوث، بأن “السياسة الخارجية الفرنسية يحددها الرئيس. قصر الإليزيه ينظر إلى قضية حقوق الإنسان من حين لآخر، لكن الموقف الرئيسي هو أن العالم هو ما هو عليه، إنها مسألة سياسة واقعية”.

وتابع راسين: “بين التجارة، الاستثمار والأسلحة، يكمن أساسا مفتاح السياسة الواقعية التي تقود العلاقات الهندية الفرنسية”.

من جانبه، يرى كريستوف جافريلوت، مدير الأبحاث في مركز البحوث الدولية في جامعة العلوم السياسية بباريس، والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، بأن هناك حججا أخلاقية لمناهضة زيارة ناريندرا مودي إلى فرنسا، وهو يقول ههنا: “قيم الثورة الفرنسية، التي يرمز لها في 14 يوليو/تموز، تدلل على شخصية الضيف”. لكن الأسوأ من ذلك هو “السماح لزعيم سلطوي بشكل متزايد بالمشاركة فيه (العيد الوطني) يسمح له باستغلاله لزيادة شعبيته”.

فبعد أن كانت الهند في ضوء دستور 1947 جمهورية اتحادية وبرلمانية مستوحاة من مؤسسات القوة الاستعمارية البريطانية سابقا، وبلدا متعدد الطوائف وعلمانيا، لدرجة أنها كانت تعتبر في كثير من الأحيان أكبر ديمقراطية في العالم، شوّه وصول ناريندرا مودي إلى السلطة عام 2014 هذه الصورة. وحقق الأخير صعوده السياسي داخل حزب بهاراتيا جاناتا اليميني الذي يربط الهوية الهندية بالهندوسية وهي ديانة 80 بالمئة من السكان.

يضيف جافريلوت في تعقيبه على زيارة مودي: “تواصل باريس التصرف كما لو أن الهند لا زالت أكبر ديمقراطية في العالم، حتى بلا يقين، لشرعنة عمق العلاقة التي نبنيها معها”.

على الرغم من ذلك، فإن بيع معدات عسكرية متطورة لدولة ما يخلق روابط قوية للغاية معها، قد تستمر لعدة عقود، يضيف جافريلوت. ينبغي حسبه أن تخضع عقود السلاح القديمة أو المستقبلية إلى نقاش عام.

من منبوذ دبلوماسيا إلى ضيف الشرف

لكن وبالرغم من التكريم الذي يلقاه مودي في أكثر من دولة، فإن أشباح عام 2002 لا تزال تطارد رئيس الوزراء الهندي.

ففي وقت سابق من هذا العام، أنتجت بي بي سي فيلما وثائقيا تحت عنوان “الهند: سؤال مودي” يعيد النظر في سجل مودي كرئيس وزراء لولاية غوجارات خلال واحدة من أسوأ أعمال الشغب الطائفية التي شهدتها البلاد.

ويحقق الوثائقي في مزاعم كون حكومة ولاية مودي متهمة بالتواطؤ في أعمال العنف لتشجيعها العصابات الهندوسية وتحريض الشرطة على عدم التدخل، فيما كانت الأسر المسلمة ضحية للهجمات.

في المقابل، ينفي مودي وحزبه القومي الهندوسي بهاراتيا جاناتا هذه المزاعم منذ عقود، كما كان رد فعل الحكومة الهندية على الوثائقي سريعا، إذ لجأت إلى قوانين الطوارئ لحظر الفيلم.

وعندما نظم طلاب في جامعة نيودلهي عرضا للوثائقي، انقطعت الكهرباء، كما داهمت سلطات الضرائب مكتب القناة البريطانية في الهند، تحرك وصفته مجموعة حقوقية بحملة “مضايقات قانونية” ضد وسائل الإعلام المستقلة.

معاناة المسلمين في الهند

وقبل أن يتحول إلى ضيف شرف في عواصم غربية، كان مودي منبوذا دبلوماسيا، ففي أعقاب أعمال الشغب التي شهدها ولاية غوجارات (شمال غرب) عام 2005، حظرت الولايات المتحدة تأشيرة دخول مودي بسبب “الانتهاكات الجسيمة للحريات الدينية”، حظر تم رفعه لاحقا بعد أن أدى اليمين كرئيس للوزراء في مايو/أيار 2014. كذلك، فرضت بريطانيا مقاطعة دبلوماسية استمرت 10 سنوات بعد مقتل ثلاثة مسلمين بريطانيين إثر أعمال الشغب في نفس الولاية.

وكانت غوجارات قد شهدت أيضا في مارس/آذار 2002، أعمال شغب مناهضة للمسلمين إذ انتشر متظاهرون مسلحون بالعصي والسيوف في الشارع الرئيسي ما أدى إلى مقتل أكثر من 1000 شخص معظمهم من المسلمين.

وفي مايو/أيار 2022، قال عدد من كبار رجال الدين في الهند إن أكثر من 900 مسجد في غرب ولاية ماهاراشترا حيث تقع مومباي أكبر مدن البلاد، وافقت على خفض صوت الأذان بعد شكاوى من سياسي هندوسي محلي. ويرى زعماء مسلمي الهند، البالغ عددهم 200 مليون، أن هذه الخطوة هي محاولة أخرى من قبل الهندوس المتشددين لتقويض حقوقهم في حرية العبادة والتعبير الديني، بموافقة ضمنية من حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الحاكم.

على الرغم من كل ذلك، أجرى الغرب تحولات كبيرة في علاقة مع الزعيم الهندي، فمن المقاطعة والحظر إلى زيارات الدولة والدعوات المرموقة، حوّل هذا التغيير الراديكالي مودي من منبوذ دبلوماسيا إلى ضيف شرف.

هذا الوفاق استمر بالرغم من عدم إدانة نيودلهي الغزو الروسي لأوكرانيا وسط زيادة في وارداتها من النفط الروسي الرخيص، ويبدو أن الأسواق والجغرافيا السياسية وصفقات الدفاع والهواجس من التوسع الصيني هي بمثابة المحفزات الأساسية التي دفعت بايدن والآن ماكرون إلى غض الطرف عن الانتهاكات المرتكبة في عهد مودي، وخصوصا القائمة الطويلة من المعارضين الذين لا يزالون يقبعون في سجون الهند.

الهند جدار منيع ضد التوسع الصيني

ومن الناحية الاستراتيجية، يقف العملاق الهندي في مواجهة مع الصين في ظل علاقات معقدة وسعي بكين لبناء تحالفات دبلوماسية عديدة. والهند حاضرة أيضا بقوة على مفكرة باريس التي تسعى إلى دور نشط في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، علما أنها موجودة أصلا هناك عبر أراضي ما وراء البحار.

تسعى فرنسا لأن تكون لاعبا في المنطقة وجسر عبور بين الغرب الليبرالي وغالبية الدول الأخرى، ويؤكد الإليزيه أن “الهند هي ركن في استراتيجيتنا في آسيا-المحيط الهادئ التي تستند إلى طموح مشترك نحو فضاء حر ومنفتح، يتم فيه احترام القانون الدولي في شكل تام”، في إشارة لسياسة التوسع لدى بكين التي تتهمها دول عدة بأنها تهزأ بهذه المبادئ.

وتربط بين فرنسا والهند القوتين النوويتين شراكة استراتيجية عمرها 25 عاما، تستند خصوصا إلى التعاون على صعيد الدفاع والذي تجلى في شراء نيودلهي مقاتلات رافال. وقد يتم خلال زيارة مودي إعلان عقود أو شراكات اقتصادية بين البلدين، لكن لم يؤكد أي مصدر ذلك. وتبحث باريس ونيودلهي خصوصا بيع طائرات “رافال مارين” المصممة لحاملات الطائرات، إضافة إلى غواصات.

لعنة مودي

يثير مودي الجدل والانقسام حتى في خارج بلاده، يقول غانيش [اسم مستعار]، وهو مواطن هندي يقيم بفرنسا، في تصريحات لفرانس24: “أكرهه أكثر من أي شيء آخر في العالم”.

تعيش عائلته الهندوسية في الهند، وهو غير مرتاح لدرجة أن عدم الكشف عن هويته لا يكفي لطمأنة هذا الشاب البالغ من العمر ثلاثين عاما، وهو يخشى السلطات لدرجة أنه يصر على عدم نشر أي تفاصيل أخرى عنه.

يضيف غانيش: “زرع مودي أتباعه في جميع أنحاء الهند، وحتى في الخارج. يقومون بالتدقيق في كل ما يقال حول السلطة” في الهند.

ولعل زيارة مودي الأخيرة إلى واشنطن، قد كشفت عن بعض ما قد يتعرض له كل من يستجوب مودي، إذ يجد اليمين الهندي له بالمرصاد.

فخلال مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض، سألت مراسلة وول ستريت جورنال صابرينا صديقي مودي عن محنة الأقليات في الهند وتراجع حرية التعبير، أسئلة محرجة للزعيم الهندي الذي عادة ما يتجنب هذا الامتحان الإعلامي.

وحسب جمعية مراسلي البيت الأبيض (WHCA)، فقد تعرضت الصحافية منذ تلك المواجهة مع مودي إلى “مضايقات شديدة عبر الإنترنت” من قبل أشخاص مرتبطين بحزب ناريندرا مودي.

المصدر: فرانس 24

شارك هذه المقالة
ترك تقييم