كانت الحملة التي أعدتها فرنسا بمشاركة بريطانية للإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي عام 2011 خطأً كارثياً، بحسب رئيس جهاز التجسس الفرنسي في العاصمة الليبية وقتذاك.
القصة الداخلية والفوضوية للعمليات السرية لإسقاط الديكتاتور الليبي، نشرها رئيس محطة طرابلس السابق للمديرية العامة للأمن الخارجي التابعة لوزارة الدفاع الفرنسية الجاسوس جان فرانسوا لولييه، في كتاب أثار غضب جهاز المخابرات الذي عمل فيه 27 عاماً.
وفي الكتاب الذي يحمل عنوان “رجل طرابلس: مذكرات عميل سري”، يصف لولييه تنفيذ ما يسميه القرار غير المفهوم للرئيس ساركوزي بدعم المتمردين ضد القذافي بعد أن أقام علاقة متينة معه.
لولييه (69 سنة)، كان ضابطاً برتبة مقدم عند تقاعده عام 2014، وتسبب بالحرج للمديرية العامة للأمن الخارجي من خلال كشفه عن الخلل الوظيفي للوكالة التي تتمتع بشهرة كبيرة، حتى إن مسلسلاً تلفزيونياً شهيراً يدعى “The Bureau” تقوم حلقاته على أحداث من المفترض أنها نشاطات لعملائها.
وفي حديث مع قناة “فرنسا-2” نقلته صحيفة “تايمز” البريطانية، قال لولييه إن “العملية العسكرية أُنجزت ببراعة، لكن التفكير السياسي لم يرافقها على الإطلاق مما قاد إلى عواقب وخيمة، وكان هناك خداع لأن القذافي كان يمد يده إلى الغرب، إلا أننا لم نقم فقط بإمساك اليد التي كانت ممدودة لنا، ولكننا قطعنا الرأس أيضاً، وكان ذلك عملاً غير أخلاقي”.
وأضاف، “لقد قضينا على القذافي ودمرنا بلاده من دون أن نهتم بكونها حصناً في مواجهة الإرهاب الإسلامي، كما لم نستشرف عواقب هذه الحملة الكارثية، وكان من غير المفهوم رغبة ساركوزي في الحصول على رأس القذافي”.
وعلى رغم عدم تطرق لولييه، إلى الادعاءات التي قادت ساركوزي إلى المحكمة خلال مايو (أيار) الماضي بتهمة تمويل القذافي حملته الانتخابية عام 2007، إلا أنه تحدث عن علاقته الوثيقة مع الدائرة المقربة من القذافي والذين قالوا له إنهم سلموا الملايين إلى ساركوزي.
وبحسب صحيفة “تايمز” مجدداً، فقد نفى لولييه في كتابه مزاعم قيام عملاء فرنسيين بقتل القذافي، لكنه أكد أن قوات تابعة للمديرية العامة للأمن الخارجي كانت تعمل إلى جانب المتمردين، شأنها شأن القوات الجوية البريطانية الخاصة.
وفي سخرية منه حول مدى السرية داخل مديرية الأمن، يذكر لولييه قيام شخص إسكتلندي يدعى بيرس بدعوته إلى الغداء في تونس وطلب منه وضع القوات الجوية الخاصة البريطانية على اتصال مع جنود مديرية الأمن الخارجي الموجودين في ليبيا، ليعلق “لقد أبلغني أحد أعضاء جهاز خارجي بوجود زملاء لي داخل البلاد، في وقت لم أكن أنا نفسي أعلم عنهم”.
وفي حادثة أخرى تشي بالتنافس على اكتساب الغنائم بين الحلفاء، يقول لولييه إنه في مارس (آذار) 2011 سافر رئيس المديرية العامة للأمن الخارجي إلى تونس للقاء وزير خارجية القذافي وقتذاك موسى كوسا لإقناعه بالفرار إلى فرنسا، لكن وبينما كان الفرنسيون يرتبون طائرة له علموا أن جهاز المخابرات السرية البريطاني (MI6) أخذه منهم دون علمهم ونقله إلى لندن، ليضيف “لا بد من أن حلفاءنا البريطانيين قدموا له عرضاً أكثر سخاء”.
يذكر أن المديرية العامة للأمن الخارجي التي يديرها الآن الدبلوماسي السابق برنارد إيمي، كانت قد عبرت عن استيائها الشديد من نشر هذا الكتاب وعدم الطلب منها تفحصه قبل نشره، وكان بيان صادر عنها ذكر أنه “من خلال نشر مثل هذه الأعمال فإن أعضاء الخدمة السابقين ينقضون عهدهم [بالحفاظ على السرية] ويلحقون الضرر بالمؤسسة”.