رايت رايتس

قصة الكتيبة 6888 التي شطبت من التاريخ

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 10 دقيقة قراءة
10 دقيقة قراءة
الميجور تشاريتي أدامز والكتيبة 6888

ظلت قصة كتيبة النساء السوداوات التي جاءت من الولايات المتحدة إلى إنجلترا إبان الحرب العالمية الثانية لحل أزمة البريد مستترة على مدى عقود، ولكنهن حصلن مؤخرا على التقدير الذي يستحققنه. تحدثت بي بي سي إلى بعض أقارب عضوات الكتيبة التي كانت معروفة باسم “6888”.

- مساحة اعلانية-

في عام 1945، بينما كانت الحرب مشتعلة في الكثير من أنحاء الكوكب، لبت 855 سيدة نداء الجيش الأمريكي لرفع معنويات الجند وحل مشكلة الخطابات والطرود البريدية التي تراكمت في إنجلترا على مدى عامين.

أبحرت الكتيبة من أمريكا إلى المملكة المتحدة، واستقر أفرادها في مدينة برمنغهام.

- مساحة اعلانية-

وأصبحت الميجور تشاريتي آدامز، التي كان عمرها آنذاك 26 عاما، أول سيدة سوداء تقود كتيبة تابعة للجيش الأمريكي خارج البلاد، وساهمت هي ووحدتها في حل مشكلة ضخمة.

مُنحت الكتيبة النسائية ستة شهور، ولكنها تمكنت من إنهاء المهمة في نصف تلك المدة حيث شكلت فرقا تناوبت العمل على مدى 24 ساعة، وأخذت ترتب وتصنف 17 مليون خطاب وطرد.

ومن خلال ذلك، تمكنت هؤلاء النسوة من رفع معنويات الجنود على الجبهات الأمامية، والذين كانوا قد فقدوا الاتصال مع أحبائهم في أرض الوطن.

- مساحة اعلانية-

تقول الكولونيل إدنا كَمينغز، الضابطة المتقاعدة التي خدمت في الجيش الأمريكي على مدى 25 عاما: “نادرا ما أسمع أي شيء عن النساء السوداوات اللاتي خدمن في الجيش خلال الحرب العالمية الثانية، وكأنهن قد شُطبن من التاريخ”.

اتخذت الكتيبة النسائية من مدرسة كينغ إدوارد بإدجباستون، برمنغهام، مقرا لها، ثم انتقلت فيما بعد إلى روين وباريس في فرنسا.

وقد واجهتهن العديد من التحديات، بما في ذلك المعدات التي عفا عليها الزمن، والاختلافات الثقافية والتفرقة ضد النساء.

عملت هؤلاء السيدات في مبان مكتظة خافتة الإضاءة تفتقر إلى التدفئة، وكانت أكوام الخطابات والطرود تصل إلى السقف، والكثير منهن قلن إنهن كن محاطات بالفئران والجرذان، التي كانت تحاول الوصول إلى الأطعمة التي فسدت داخل الطرود البريدية.

وعلى الرغم من ذلك، تحدت النساء كل العقبات واكتسبن سمعة طيبة لكفاءتهن وتفانيهن في العمل.

عندما عادت الوحدة، التي ضمت أيضا بعض النساء من أمريكا اللاتينية، إلى الولايات المتحدة في عام 1946، لم يتم الاحتفاء بها أو إبداء أي شكل من الاعتراف أوالامتنان لعضواتها لما حققن من إنجازات.

لكن بعد مرور حوالي 80 عاما، أخيرا حصلت الكتيبة على التكريم الذي تستحقه، فقصتهن هي موضوع فيلم سينمائي من تأليف تايلر بِري من المقرر عرضه على منصة نتفليكس.

تقوم ببطولة الفيلم كل من أوبرا وينفري وكيري واشنطن، وقد ولدت فكرة الفيلم عندما اطلع بِري على مقال بمجلة مختصة بتاريخ الحرب العالمية الثانية يتحدث عن الكتيبة، بقلم المؤرخ كفين إم. هايمل عام 2019.

كان هذا الفيلم، فضلا عن الجهود المحمومة التي قامت بها الكولونيل كَمينغز لتسليط الضوء على إنجازات هؤلاء النساء، بمثابة محفز للاعتراف بإنجازات الكتيبة 6888 على مستوى العالم.

فقد أقيم نصب تذكاري مكرس لعضوات الكتيبة في ولاية كانزاس الأمريكية عام 2018، وبعد ثلاث سنوات، وقع الرئيس جو بايدن على قانون “ميدالية الكونغرس الذهبية ل[الكتيبة] 6888” لعام 2021، والذي منح هؤلاء النسوة أرفع وسام مدني في الولايات المتحدة في مارس/آذار العام الماضي.

كما أن هناك خططا لإنتاج مسرحية غنائية تدور حول قصة الكتيبة من المقرر أن تعرض في أحد مسارح برودواي.

لكن من هن هؤلاء النسوة اللاتي جرى تكريمهن؟ لقد كانت هؤلاء الرائدات المتواضعات أمهات وجدات محبوبات، كما كنّ ركائز لمجتمعاتهن.

وقد سافر بعض أحفادهن من الولايات المتحدة إلى منطقة وست ميدلاندز حيث توجد مدينة برمينغهام لتتبع خطاهن.

الرقيبة فيرجينيا إم. لين

من بين النساء اللاتي خدمن في الكتيبة، الرقيبة فيرجينيا إم. لين.

في الفترة التي غادرت فيها النساء أمريكا، كانت حدة التوترات العرقية مرتفعة، وكان المجتمع منقسما حول قضية الفصل العنصري، وكانت الحقوق الإنسانية للسود محكومة بقوانين “جيم كرو” التي ظلت مطبقة حتى ستينيات القرن الماضي.

كانت القوانين قد صدرت في الولايات الأمريكية الجنوبية بعد إلغاء العبودية. حرمت تلك القوانين السود من المساواة في الحقوق مع البيض، ولم يكن مسموحا لهم باستخدام المرافق العامة المخصصة “للبيض فقط” مثل المدارس والمتنزهات.

تقول دانييل براون، 47 عاما، متذكرة حوارا دار بينها وبين جدتها: “، كانت تروي كيف كان يعاملها الناس، بوصفها امرأة أمريكية من أصل أفريقي”.

“على الرغم من وجود بعض العنصرية في إنجلترا، فقد قالت إن الناس هنا كانوا يعاملونها معاملة أفضل من تلك التي كانت تتلقاها في الوطن [الولايات المتحدة]، وكانت تتحدث عن ذلك باستفاضة.

تقول ساندرا فريزر دين، 67 عاما، وقد ثبتت صورة والدتها الرقيبة لين على صدرها بفخر، “كونها جزءا من الجيش أضفى على حياتنا صبغة من النظام والانضباط. لقد منحها هدفا وغاية، وكانت دائما تحثنا على أن نبذل قصارى جهدنا وأن نسافر”.

“كان هذا أحد الأشياء التي جعلتها تحب [الخدمة في الجيش]، فرصة زيارة أماكن أخرى”.

الإرث الذي تركته إنديانا هانت-مارتين لا يزال حيا في أبنائها أيضا.

ولدت إنديانا عام 1922، وكانت عاملة نظافة قبل أن تتطوع في فيلق النساء وتنضم إلى الكتيبة.

تقول ابنتها جانيس مارتن: “إنه لشيء حزين حقا أن هؤلاء النسوة…تمكنّ من كسر أحد الحواجز، ليس فقط لمجرد كونهن نساء في الجيش، ولكن أيضا لكونهن أمريكيات من أصل أفريقي، ومع ذلك لم يخبرنا أحد بقصتهن”.

“إنها لم تتحدث عن تجربتها إلا في العامين الأخيرين من حياتها”.

“كل ما أخبروننا به يركز على الحركة التي كانت تطالب بحق النساء في الاقتراع، لكننا لم نعرف أبدا الأدوار التي لعبتها أمهاتنا في الحركة النسوية”.

بعد انتهاء دورها في المجهود الحربي، عادت هانت-مارتن إلى بلادها وأصبحت عضوة في حركة ” رائدات شلالات نياغرا السوداوات” ومنظمة قدامى المحاربات الأمريكيات.

وقد توفيت عن عمر ناهز 98 عاما.

خلال جولة تهدف إلى تتبع خطى جداتهن، ظهرت بعض قريبات عضوات الكتيبة في صورة مماثلة للصورة الأيقوني، ويبدو أن التقليل من شأن إرثهن كان سمة مشتركة بين عضوات الكتيبة، إذ يقول روجر ماثيوز البالغ من العمر 65 عاما إن والدته فاشتي ميرفي لم تكن هي الأخرى تناقش فترة خدمتها في الجيش أثناء الحرب.

ولكنها كتبت عن تلك الفترة.

في مقطتفات نشرتها صحيفة ناطقة بلسان مجتمع الأمريكيين من أصل أفريقي في ذلك الوقت، روت ميرفي تجربة النوم في أماكن “مكتظة” ورغبتها الماسة في الاستحمام:

“أنا في غاية السعادة لأنني للمرة الأولى منذ أربعة شهور أستطيع الاستحمام…بمياه ساخنة.

“الماء عسر، ولكن بعد ارتداء خوذة لفترة طويلة جدا، فإنه ما زال رائعا”.

ولكن يبدو أنها بمجرد عودتها إلى بلادها، توقفت عن الحديث عن تجربتها خلال الحرب.

يقول ماثيوز: “لم تتحدث عنها مطلقا، فقد كانت ترى أنه شيء كان يتعين عليها القيام به ولم تعتبره شيئا متميزا، لقد كان أمرا عليها القيام به، هذا كل ما في الأمر”.

نصيحة أم

بدون أن تشعر ميرفي، شجعت هذه التجربة أبناءها على السعي إلى التفوق وتخطي الحواجز داخل المجال العسكري، وشارك ماثيوز في حرب فيتنام، وخدم في الجيش برتبة ملازم ثان على مدى 24 عاما.

في ذلك الوقت من عام 1974، كانت نصيحة أمه له: “إذا كان ينبغي أن تنضم إلى الجيش، فلتنضم إليه كضابط”.

يقول ماثيوز: “ما زال كلامها يرن في أذني”.

جدها جون إتش ميرفي كان المؤسس المشارك لصحيفة أفرو نيوزبيبر، وهي واحدة من أقدم الصحف الأمريكية المملوكة لعائلة، ولا تزال تصدر حتى اليوم، بعد مرور 130 عاما على صدورها.

كانت فاشتي ميرفي تعمل في مجال نحت الصور، ثم أصبحت باحثة وموظفة أرشيف بالصحيفة – كل ذلك بينما كانت تربي أطفالها الخمسة.

ساعد مؤرخ وست ميدلاند غاري ستيوارت، 51 عاما، وهو أيضا عضو في منظمة Recognize Black Heritage and Culture التي تطالب بالاعتراف بإرث السود وثقافتهم، في تنظيم إحدى محطات جولة أقارب نساء الكتيبة 6888، تلك التي شملت مدينة برمنغهام.

يقول سيتوارت: “بالنسبة لنا هنا في برمنغهام، هذه القصة مهمة جدا. فهي تمكنا من إظهار أن إرث السود في المدينة يعود إلى عام 1945 وما قبله بكثير”.

قصة النساء الـ 855 اللاتي ساعدن في رفع معنويات القوات لم تشكل حياة أبنائهن وأحفادهن فحسب، بل كانت أيضا في غاية الأهمية للبريطانيين السود الذين يعيشون في المدينة.

تقول أوليفيا بريكون-سميث، 33 عاما، والتي تعمل مدرسة رياضيات بمدرسة كينغ إدوارد: “الأثر الذي أحدثه تمركز كتيبة جيش كل أعضائها من النساء في المدرسة يعني الكثير لي، إنه مصدر إلهام لي بوصفي امرأة سوداء.

“كوني من أسرة تنحدر من جيل الويندراش (جيل المهاجرين الذين جاءوا إلى بريطانيا من جزر الكاريبي على متن السفينة إمباير ويندراش في عام 1948)، أستطيع أن أقول إن أحفاد ذلك الجيل يمثلون مجتمعا كبيرا في برمنغهام، ولكنه لا يحظى بالدعاية التي يستحقها، ومعرفة الناس بأن الكتيبة 6888 خدمت هنا تشكل أهمية كبيرة لتاريخ برمنغهام.

“سوف يشعر الطلاب بالمزيد من الثقة والقدرة على أن تكون لهم طموحات كبيرة عندما يعرفون أنه في وقت ليس ببعيد، كانت هناك وحدة بأكملها تحدث فرقا، وتغير العالم وتغير المواقف، وباستطاعتهم هم أيضا أن يكونوا جزءا من جيل المستقبل الذي سيفعل شيئا مماثلا”.

شارك هذه المقالة
ترك تقييم