رايت رايتس

لوحات نادرة لأسرة محمد علي تروي حكايات ” ألف ليلة وليلة”

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 10 دقيقة قراءة
10 دقيقة قراءة
كتاب ألف ليلة وليلة

“بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد …” كلمات حفظتها الذاكرة العربية وتواترتها ألسن القراء والمتخصصين على مدار قرون، استهلت بها “شهرزاد” حكاياتها وأساطيرها على مسامع الملك “شهريار” في سرد حكايات جمعها كتاب أسطوري أسهم في تشكيل الفكر العربي والغربي ونشأة دراسة الاستشراق.

- مساحة اعلانية-

وتحت عنوان “ألف ليله وليلة” يستضيف حاليا متحف قصر محمد على بالمنيل في القاهرة معرضا للوحات تروي بعضا من قصص الليالي، تستمر فعالياته لمدة أربعة أشهر.

يضم المعرض نحو 115 لوحة تحكى أكثر من 30 حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، عن الترجمة الفرنسية للمستشرق والطبيب الفرنسي جوزيف شارل ماردروس، وهي مجموعة نادرة تمثل أسلوب المدرسة المغولية الهندية الإيرانية في التصوير الإسلامي، اقتنتها أسرة محمد علي منذ أكثر من مئة عام.

- مساحة اعلانية-

تتناول لوحات المعرض حكاية هارون الرشيد والجارية العربية، والجواري الست مختلفة الألوان، ورحلات السندباد البحري، والتاجر والعفريت، وحلاق بغداد، ودليلة المحتالة، والكتاب السحري، وعبدالله البحري وعبدالله البري، وغيرها من الحكايات.

ويعد كتاب ألف ليلة وليلة من أهم الكتب التراثية التي مثلت جزءا من الموروث الثقافي والشعبي العربي، من خلال ما يضمه بين دفتيه من حكايات وصل عددها إلى نحو 200 حكاية تخللتها أشعار امتزج فيها الواقع بالأسطورة، ليحكي قصصا من التاريخ والعادات وأخبار الملوك وعامة الناس، واللصوص والجن، فضلا عن قصص جاءت على ألسنة الحيوانات.

ولا يُعرف حتى الآن مؤلف للكتاب، ويقول النقاد إن أسلوب السرد المتبع في تأليفه يشير إلى أن واضعه ليس شخصا واحدا بل أكثر من شخص، في حين أجمع البعض على أن البناء الأساسي للقالب الدرامي لهذه الحكايات يعتمد على ما يُعرف بالألف خرافة الفارسية أو “هزارأفسان”، ويميل البعض إلى الجزم بأن أصل الكتاب هندي مع إقرار بعض الفضل للفرس والعرب في كتابته.

- مساحة اعلانية-

فما هي قصة هذا الكتاب؟

يحتل كتاب ألف ليلة وليلة مكانة بارزة في الأدب الشعبي العربي والغربي، وداعبت حكاياته عقول أجيال قرونا طوالا، كما ورد ذكر بعض الليالي في بعض المصادر العربية القديمة، غير أن الفضل الأكبر في اكتشافه يعود إلى المستشرقين الذين انفردوا عن سواهم بدرس هذا الأثر الأدبي وتقديمه إلى العالم، ونسخه وطبعه طبعات متعددة ربما أسهمت في حفظه من الضياع.

وتأتي الترجمة الفرنسية على يد أنطوان غالان عام 1704 سابقة على الطبعة العربية بأكثر من مئة عام، إذ ظهرت طبعة عربية تعرف باسم “كلكتا” عام 1814، تلتها طبعة عربية للكتاب تعد الأولى في المنطقة العربية، والمعروفة باسم “طبعة بولاق” في مصر عام 1833، التي اعتمدت على نسخة هندية مترجمة عن مخطوط مصري الأصل، ومن طبعة بولاق خرجت طبعات مصرية عديدة.

كان غالان أول من لفت نظر الفكر الغربي إلى كتاب ألف ليلة وليلة، وهو أستاذ تخصص في دراسة العلوم الشرقية في فرنسا وله ترجمة فرنسية للقرآن محفوظة في مكتبة فرنسا الوطنية في باريس، وكان من المهتمين بجمع التحف والمخطوطات الشرقية النادرة لحسابه ولحساب الغير.

حصل غالان على أربعة مجلدات من الكتاب، بدأ ترجمتها عام 1704 وانتهى في عام 1717، وخرجت في 12 مجلدا. ومازالت النسخة التي استخدمها غالان في ترجمته محفوظة في مكتبة فرنسا الوطنية، بعد أن ضاع منها مجلد من المجلدات الأربعة.

لاقت ترجمة غالان نجاحا كبيرا بين القراء، ويقول غالان فى مذكراته إن أحد رجال الدين، ويدعى الأب “نيبوس”، قرأ المجلد التاسع عند صدوره على ضوء شمعة داخل عربة يجرها حصان خلال رحلة من فرساى إلى باريس، وهى مسافة تصل إلى 15 كيلومترا.

لكن النقاد أعابوا على ترجمة غالان عدم أمانتها، وأنه لم يترجم كل الليالي، بل زاد عليها قصص السندباد، وتصرف بالإضافة والحذف وتهذيب النص بما يتلاءم مع الذوق الفرنسي، وأقحم كثيرا من القصص في ترجمته لا أصل لها في النص العربي.

ظلت ترجمة غالان خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تمثل للمجتمع الفرنسي والأوروبي المعنى الدال على قصص ألف ليلة وليلة، بل المصدر الوحيد الذي تلقفته الدول غير الناطقة بالفرنسية، فخرجت منها ترجمات إنجليزية وألمانية وإيطالية وإسبانية وغيرها من لغات دول أوروبا.

ثم بدأ المستشرقون يهتمون بنقل النص العربي الأصلي دون الاعتماد على ترجمة غالان، وتسابقوا في اقتناء النسخ المختلفة والاجتهاد في ترجمة النص العربي قدر الإمكان، وكان أولهم النمساوي فون هامر برغشتال، الذي ترجم قصصا لم تحتويها ترجمة غالان، ثم ترجمة الألماني ويل بين عامي 1837 و 1841، واعتمد فيها على نسخة بولاق، ثم ترجمة الألماني هاننغ عام 1896 عن العربية معتمدا أيضا على نسخة بولاق المصرية بعد حذفه الأشعار محاولا الأمانة قدر المستطاع.

وفي انجلترا، خرجت ترجمات إنجليزية اعتمدت في البداية على ترجمة غالان الفرنسية، كما فعل جوناثان سكوت في ترجمته الإنجليزية عام 1811، تبعه هنري تورنز وترجمته عام 1838، حتى أنتج المستشرق إدوارد وليام لين ترجمته الإنجليزية معتمدا على النص العربي خلال الفترة بين عامي 1839 و 1841، والتي اعتبرها النقاد أفضل التراجم وأقربها إلى الكتاب الأصلي بفضل درايته ومعايشته المجتمع العربي، لاسيما مصر في تلك الفترة.

وعلى الرغم من نجاح ترجمة غالان في الأسواق الفرنسية واهتمام القراء بها قرابة قرنين بلا منازع، ظهرت ترجمة فرنسية أقرب إلى النص العربي بدون حذف أو تصرف، عالجت كثيرا من العيوب التي نُسبت إلى ترجمة غالان، وهي ترجمة الطبيب الفرنسي المستشرق جوزيف شارل ماردروس.

ولد ماردروس عام 1868 في القاهرة وتعلم بها في مدارس “الجزويت” ورحل إلى باريس ودرس الطب. لكنه في ذات الوقت كان شغوفا بالأدب، فجمع العديد من المخطوطات الشرقية، وتنقل مع البعثات العلمية في الشرق الأوسط، وترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية، وكتاب ألف ليلة وليلة، وجاءت ترجمته في 16 مجلدا أمينة إلى درجة عالية من النص الأصلي، وتحتوي على ترجمة للأشعار والأمثال.

أصول الكتاب وأثره

لم يقتصر اهتمام الغرب على النقل والترجمة فحسب، بل أثارت الترجمات المختلفة شهية الباحثين لمعرفة أصول الكتاب، فتباروا من كل حدب وصوب من أجل اقتناء نسخ متفرقة لعلهم يصلون إلى أقدم النسخ، ثم البحث النظري في طبيعة الكتاب وأسلوب السرد والتأليف لعلهم يصلون إلى مؤلف أو جامع لها.

كان غالان أول من أشار في ترجمته إلى أن ألف ليلة وليلة من أصول هندية، وذهب كثيرون إلى أقوال مختلفة إلى أن لفت النمساوي فون هامر النظر إلى نص ورد في كتاب “مروج الذهب” للمسعودي في الجزء الرابع، يشير فيه إلى وجود كتاب بهذا الاسم مترجما عن الفارسيه اسمه “ألف ليلة” (وليس ألف ليلة وليلة) كان معروفا في القرن الرابع الهجري.

ودعم فون هامر وجهة نظره عام 1839، حين نشر نصا يشير إلى كتاب ألف ليلة وليلة، ورد في كتاب “الفهرست” لمحمد بن اسحق بن النديم في الجزء الثامن عند كلامه عن الخرافات. وكان أهم ما جاء في النص أن كتابا بعنوان “هزارأفسان” كان أول عمل في كتابة الخرافات، وأن وصفا لهذا الكتاب يكاد ينطبق من حيث المقدمة وطريقة السرد على كتاب ألف ليلة وليلة.

بداية الاستشراق

نهض كتاب ألف ليلة وليلة بدور كبير في إذكاء شغف الأوربيين والتطلع إلى معرفة شعوب الشرق التي أنتجت هذا الأثر الأدبي.

وترى سهير القلماوي في دراستها عن ألف ليلة وليلة أن هذا الشغف كان الحافز لعناية الغرب بالشرق، عناية تتعدى النواحي الاستعمارية التجارية والسياسية، وتضيف أن قوة حركة الاستشراق وانتشارها ترجع إلى ما ترك هذا الأثر الأدبي في نفوس الغربيين، وحفز الأدباء والرحالة على زيارة بلاد الشرق وتدوين رحلاتهم وعدم الاكتفاء بقراءة كتب عن الشرق فقط.

كان اهتمام الغرب بالشرق، قبل معرفة ألف ليلة وليلة، اهتماما تجاريا بحتا، وكان التجار ينقلون آثارا كثيرة أسهمت في التأثير على الأدب الغربي، كما أشار كتاب ألفه الفرنسي بيير مارتينو بعنوان “الشرق في الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر والثامن عشر” عام 1906، إلى أن غالان ظن بترجمته أنه يضيف إلى الأدب الأوروبي، والفرنسي تحديدا، لونا جديدا من ألوان تأليف أدب الرحلات عن الشرق.

ودفعت الترجمات العديدة، ورواج طبعاتها، الأدباء إلى تقليد الكتاب مباشرة، مثل الفرنسي غازوت الذي نشر كتابا بعنوان “تكملة ألف ليلة وليلة”، وكذا الإنجليزي بورتون الذي أخرج كتابا بعنوان “ليال ملحقة بألف ليلة وليلة” في سبعة أجزاء.

وتدفق العديد من الأدباء والعلماء والسياسيين نحو الشرق مدفوعين بقراءة كتاب ألف ليلة وليلة، واكتشاف شامبليون لرموز الكتابة المصرية القديمة “الهيروغليفية”، ونشوء علم دراسة تاريخ مصر القديم، وأيضا تأثير كتاب “وصف مصر” الذي وضعه علماء حملة نابليون بونابرت على مصر (1798-1801) ودوره في زيادة الولع بالشرق ومصر، حتى أصبحت القاهرة تعرف باسم مدينة ألف ليلة وليلة.

ويشير الكاتب الفرنسي جون ماري كاريه في كتابة “رحالة وكتاب فرنسيون في مصر” عام 1933 إلى مذكرات كتبها أدباء فرنسيون أمثال الشاعر تيوفيل غوتييه، والشاعر جيرار دو نرفال، داعبتهما زيارة مدينة ألف ليلة وليلة، وبلدان الشرق حتى وإن فاقت تكلفة الرحلة قدرتيهما.

ويصرح الكاتب الفرنسي فولتير بأنه لم يتمكن من مزاولة كتابة فن القصة كتابة جيدة وبناءة إلا بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة، في إشارة صريحة لتأثيرها في نفوس القراء والأدباء منذ قرون حتى يومنا هذا.

شارك هذه المقالة
ترك تقييم