كشفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن قيود صارمة على العمليات الجديدة لشركات تصنيع أشباه الموصلات في الصين، والتي تحصل على أموال فيدرالية للعمل في الولايات المتحدة.
وقال مسؤولون في وزارة التجارة الأميركية، المسؤولة عن صرف أموال المنح، لوكالة “بلومبرغ” إن قانون الرقائق والعلوم (CHIPS and Science Act)، الذي يكفل منحاً حتى 50 مليار دولار، سيحظر على الشركات التي تحصل على منح، زيادة إنتاجها بنسبة 5% للشرائح المتقدمة و10% للتكنولوجيا الأقدم في الدول التي تشكل “مصدر قلق”.
وتضمنت القيود الجديدة التي أعلنتها الوزارة “وضع سقف إنفاق بقيمة 100 ألف دولار على الاستثمارات في التقنيات المتقدمة في الصين، إلى جانب تدابير أخرى”.
وتهدف القيود الجديدة المرتبطة بقانون الرقائق “CHIPS Act” إلى فرض “المزيد من القيود المرهقة” على الشركات التي يُتوقع أن تحصل على محفزات، بما في ذلك تلك الرائدة مثل شركة “تايوان لتصنيع أشباه الموصلات TSMC” و”سامسونج للإلكترونيات”، وشركة “إنتل”، وجميعها تعمل في الصين.
ويمكن أن تعرقل تلك القيود الجهود طويلة المدى لمطاردة النمو في أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم، وتصعب من صناعة تقنيات متطورة في الداخل على بكين.
مبادرة “أمن قومي”
وأعلنت وزيرة التجارة جينا ريموندو الثلاثاء، أن مبادرة “الرقائق من أجل أميركا” (CHIPS for America) تمثل بالأساس مبادرة أمن قومي، وأن “حواجز الحماية” (القيود) ستساعد على ضمان عدم وصول “الجهات الفاعلة الخبيثة”، إلى التكنولوجيا المتطورة التي يمكن استخدامها ضد أميركا والحلفاء.
وجاء في البيان الذي اطلعت “بلومبرغ” عليه: “سنواصل أيضاً التنسيق مع حلفائنا وشركائنا لنضمن أن يدفع هذا البرنامج بأهدافنا المشتركة قدماً، وأن يعزز سلاسل التوريد العالمية، وأن يدعم أمننا الجماعي”.
وسيتم منع الشركات المتلقية للمنح الفيدرالية من المشاركة في بحوث مشتركة مع أي كيان أجنبي مثير للقلق، أو ترخيص التكنولوجيا له.
ويشمل هذا “أي بحث أو تطوير يقوم به شخصان أو أكثر”، إذ سيتم تعريف الترخيص بأنه “اتفاق لإتاحة براءات الاختراع أو الأسرار التجارية أو المعرفة لطرف آخر”، وفقاً لـ “بلومبرغ”.
وسيتم توسيع قائمة الكيانات الأجنبية المثيرة للقلق لتشمل أسماءً على قائمة الكيانات المحظورة من وزارة التجارة الأميركية وقائمة وزارة الخزانة الأميركية للشركات العسكرية الصينية، وقائمة لجنة الاتصالات الفيدرالية للمعدات والخدمات التي تشكل مخاطر على الأمن القومي.
وتضم هذه القوائم مجموعة من أكبر شركات التكنولوجيا الصينية، مثل “Huawei Technologies”، ومجموعة “SenseTime” العملاقة للذكاء الاصطناعي، والشركات الرائدة في مجال صناعة الرقائق مثل شركة “Yangtze Memory Technologies”.
وستسمح القواعد المقترحة بإبداء الملاحظات لمدة 60 يوماً قبل نشر اللوائح النهائية في وقت لاحق من هذا العام.
وصنفت الولايات المتحدة أشباه الموصلات باعتبارها “بالغة الأهمية للأمن القومي”، ما جعلها تخضع لضوابط أكثر صرامة من الرقائق القديمة الأخرى.
وتمثل “حواجز الحماية” تلك جزءاً من جهود واشنطن لإعاقة طموحات بكين، مع تأمين توريد المكونات التي تدعم التكنولوجيات الثورية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وأجهزة الكمبيوتر العملاقة إلى جانب الإلكترونيات العادية.
وفي السنوات الماضية، أدرجت الولايات المتحدة شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى ضمن قوائمها السوداء، وسعت إلى وقف تدفق المعالجات المتطورة وحظرت على مواطنيها تقديم مساعدات معينة لصناعة الرقائق في الصين.
القيود الجديدة
ولضمان عدم قدرة المستفيدين من التمويل الفيدرالي على زيادة القدرة الإنتاجية المتقدمة فيما يطلق عليه القانون “البلدان المثيرة للقلق”، والتي تتضمن الصين وروسيا، ستحظر القواعد الجديدة على هذه الشركات “إنفاق أكثر من 100 ألف دولار” عند إضافة قدرات إنتاجية للرقائق المتطورة بأكثر من 28 نانومتراً.
كما لن تستطيع هذه الشركات إضافة أكثر من 5% للقدرة الإنتاجية الحالية لأي مصنع ينتج أشباه الموصلات في الصين.
وبينما تحد القاعدة المقترحة من التوسع في التصنيع، تستطيع الشركات الحاصلة على المنح تطوير منشآتها الحالية لإنتاج أشباه موصلات أكثر تقدماً في حال حصولها على تراخيص من وزارة التجارة الأميركية للقيام بذلك، وفقاً لما قاله مسؤول مطلع لـ”بلومبرغ”.
ويشير العدد الأصغر في النانومترات إلى جيل أكثر تقدماً في الشرائح. وسيتم تفعيل القيود على الاستثمارات في القدرات التقنية المتقدمة على مدى 10 سنوات.
وأشارت “بلومبرغ” إلى أن كلفة آلة واحدة متقدمة لتصنيع الرقائق من شركة مثل “ASML” القابضة، أو “Applied Materials”، أو “Tokyo Electron” يمكن أن تبلغ عشرات الملايين من الدولارات.
كما لا يُسمح للشركات المتلقية للمنح بزيادة قدراتها التقنية بأكثر من 10% في منشآتها القائمة في “البلدان المثيرة للقلق” بالنسبة للرقائق بتقنية 28 نانومتراً أو الأقل تقدماً، والتي يعرفها القانون بأشباه الموصلات القديمة.
وحال رغبت الشركات في بناء مصانع جديدة لهذا النوع من الرقائق، فإنه يتعين استهلاك 85% من الإنتاج على الأقل في البلد المضيف، كما يجب أن تخطر الشركات وزارة التجارة الأميركية.
ورغم أن الرقائق ذات قياس الـ28 نانومتراً تقبع خلف أحدث أشباه الموصلات المتاحة بعدة أجيال، إلا أنها تستخدم على نطاق واسع في منتجات من قبيل السيارات والهواتف الذكية.
وتستطيع الولايات المتحدة استرداد مبلغ المنح الفيدرالية، حال انتهكت الشركات المتلقية للمنح هذه القواعد، وفقا لما قالته وزارة التجارة.
كما يمكن أن تسترد الحكومة الفيدرالية الائتمانات الضريبية بالكامل في حال زادت الشركات قدرتها الإنتاجية لأشباه الموصلات في بلد أجنبي “مثير للقلق” في غضون 10 سنوات من الحصول على المحفزات، وفقاً لبيان منفصل عن وزارة الخزانة.
ويعادل الائتمان في العموم 25% من الاستثمارات المؤهلة في منشأة لتصنيع أشباه الموصلات أو إنتاج ماكينات تصنيع الرقائق في الولايات المتحدة.
صعوبات في الصين
“بلومبرغ” أوضحت أن القيود الجديدة ستصعب على شركة “تايوان لصناعة أشباه الموصلات” توسيع مصنعها الصيني الأكثر تقدماً في مدينة نانجينج الشرقية، حيث تقوم بتصنيع رقائق بتقنية 28 نانومتراً ورقائق أكثر تقدماً بتقنية 16 نانومتراً.
وستواجه الشركات المُصنعة لرقائق الذاكرة، مثل “سامسونج”، قيوداً أكثر صرامة على توسعاتها في الصين، إذ ستوائم وزارة التجارة حواجز الحماية الجديدة مع حدود التكنولوجيا المحظورة التي تم الإعلان عنها في أكتوبر الماضي.
وتدير الشركة الكورية الجنوبية موقعاً رئيسياً في مدينة شيان المحورية، يقوم بتصنع ذاكرة فلاش NAND، فيما تمتلك “إنتل” منشأة “تجميع واختبار” شرائح في مدينة تشنجدو المهمة، وهي عملية متواضعة مقارنة بعمليات أخرى، وفقا لـ “بلومبرغ”.
طمأنة كورية
من جانبها، قالت وزارة التجارة في كوريا الجنوبية، الأربعاء، إن القواعد التي اقترحتها الولايات المتحدة، لمنع استغلال “دول مثيرة للقلق” لتمويل مخصص لشركات تصنيع الرقائق تبلغ قيمته 52 مليار دولار، لن تجبر الشركات على إغلاق مصانعها في الصين، وفق ما نقلت “رويترز”.
وأضافت وزارة التجارة أن القواعد المقترحة “تحد من نمو الطاقة الإنتاجية لتصنيع الرقائق في الصين بالنسبة للشركات المتلقية للتمويل، لكنها لا تقيد الاستثمارات في التكنولوجيا وتطوير العمليات واستبدال الآلات والمعدات الضروري للعمليات في المصانع القائمة”.
وذكرت وزارة التجارة في كوريا الجنوبية إن الحكومة تعتزم التواصل مع القائمين على القطاع في الداخل وتحليل القواعد المقترحة والتشاور مع النظراء في الولايات المتحدة خلال 60 يوماً.
ولدى أكبر شركتين في العالم لتصنيع رقائق الذاكرة، وهما “سامسونج إلكترونيكس” و”إس.كيه هاينكس”، منشآت لإنتاج الرقائق في الصين.
وتشيد “سامسونج” مصنعاً للرقائق في تكساس قد تتجاوز كلفته 25 مليار دولار، بينما أعلنت مجموعة “إس كيه هاينكس” العام الماضي خططاً لاستثمار 15 مليار دولار في قطاع الرقائق بالولايات المتحدة، وقد تتقدم الشركتان بناء على ذلك للحصول على تمويل.
المصدر: الشرق