على كرسي متحرك، تمسك نجوى عوان بيدها اليمنى المضرب وتدير مسار الكرسي بيسراها، وكل مباراة تفوز بها تأكيد على تفوقها في رياضة كرة المضرب التي كانت طوق نجاة بالنسبة لها.
عضة كلب تلاها خطأ طبي انتزعا من نجوى عوان وهي في سن التاسعة أحد ساقيها، لكنهما لم يتمكنا من انتزاع حبها للحياة ولم ينالا من عزيمتها القوية التي قادتها نحو النجاح والتألق، لتصبح واحدة من أبرز البطلات المغربيات في عالم الكرة الصفراء.
واقترن اسم نجوى عوان (23 عاما) منذ عام 2017 ببطولة المغرب في التنس على الكراسي المتحركة كبطلة للمملكة منذ ذلك العام، واحتلت عام 2018 المركز 36 عالميا في التنس الأرضي.
حادث غير حياتها
لم تكن تعلم نجوى ماذا يخفي لها القدر في أحد أيام يناير 2008 عندما كانت منهمكة باللعب رفقة أصدقائها خارج منزل عائلتها بمدينة الدار البيضاء قبل أن يهاجمها كلب شرس من فصيلة “بيتبول” وينقض عليها بعضة في الساق، نقلت على إثرها صوب إحدى المستشفيات الخاصة وأجرت هناك عملية جراحية.
تحكي نجوى كيف أنها لم تتمكن بعد ذلك من المشي بشكل طبيعي وكيف تفاقم وضعها الصحي ومعه الألم بعد مرور 6 أشهر على الحادث، قبل أن يكتشف الأطباء وقوع خطأ طبي خلال أول عملية جراحية لها.
تقول نجوى لموقع “سكاي نيوز عربية”: “أجريت 17 عملية جراحية بعد اكتشاف ذلك الخطأ الطبي، وباءت جميعها بالفشل، فلم يجد الأطباء آنذاك بدا من بتر الساق من أجل إنقاذ حياتي من الخطر”.
تضيف نجوى ” أتذكر جيدا ذلك اليوم الذي كنت فيه بين الحياة والموت، حيث لم أبارح غرفة العمليات لحوالى 17 ساعة، ليخبرنا الطبيب في آخر المطاف أنه لم يعد أمامهم حل آخر سوى بتر الساق”.
المعاناة النفسية
الوضع الجديد الذي أصبحت تعيشه نجوى بعد فقدانها لساقها اليسرى أدخلها في معاناة نفسية، وأوصد الأبواب في وجهها، حيث باتت تعتقد أنها لن تستطيع العودة إلى حياتها الطبيعية.
تقول نجوى ألا شيء كان يثير انزعاجها، أكثر من نظرة الناس السلبية اليها وإلى الأشخاص الذين يعانون أوضاع صعبة، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة.
وعانت نجوى من اكتئاب، بينما هي لا تزال في سن 13 عاما، فظلت حبيسة غرفتها، تميل إلى الانطواء والإنعزال عن العالم الخارجي، وهي مرحلة قاسية لم تكن لتتجاوزها لولا مساندة أفراد أسرتها، حيث استطاعت بفضل دعمهم مواجهة قدرها و تقبل مصيرها، والتأقلم مع وضعها الجديد.
الإعاقة.. حافز لتحقيق النجاح
قبل سنتين من وقوع الحادث الذي تسبب في بتر ساقها، اقتحمت نجوى عالم ألعاب القوى وكانت مواظبة بشكل متواصلة على التدريب ومتفوقة في سباقات العدو.
وبالرغم من المعاناة النفسية التي عاشتها جراء الحادث، عادت نجوى لممارسة الرياضة، عبر بوابة كرة المضرب على الكراسي المتحركة، ويعود الفضل في ذلك لأحد أعضاء فريقها الطبي الذي شجعها على هذه الخطوة.
ولم يكن من السهل على نجوى تقبل فكرة ممارسة هذه الرياضة على كرسي متحرك في بداية مشوارها، مما دفعها للانقطاع عن التدريب لمدة سنتين.
قرار عودة نجوى إلى ميادين التنس من جديد اتخذته خلال مشاركتها في أحد المخيمات في بلجيكا، حينما عبر المدربون العالميون عن انبهارهم بتقنياتها العالية في اللعب وبتطور مستواها في وقت وجيز.
وبعد عودتها من بلجيكا قررت الشابة احتراف اللعبة وانخرطت في تدريبات مكثفة مما مكنها من حصد لقب بطلة المغرب عام 2017 و بطولة إفريقيا، إلى جانب بلوغها الأدوار النهائية في مجموعة من البطولات القارية والعالمية، وهو ما خول لها تسلق ترتيب الإتحاد الدولي حيث انتقلت من المركز 184 عالميا إلى المركز 36.
تفاؤل وطموح
وبعد أن كانت بحاجة إلى الدعم النفسي بعد الحادث الأليم، تحولت نجوى اليوم إلى مصدر للقوة ومنبع للطاقة الإيجابية التي تشاركها مع أزيد من 170 ألف شخص من متابعيها على موقع إنستغرام وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر بينهم ثقافة التصالح مع الذات وتقبل الاختلاف، في مقابل الدعم المعنوي والتشجيع المتواصل الذي تتلقاه منهم من أجل مواصلة مسارها الرياضي وإثبات تميزها.
تقول الشابة أنها تحاول إلهام أشخاص يعيشون وضعا صحيا مماثلا، و ترى بأن ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب يفتقرون للعناية والاهتمام اللازمين، كما يعانون من نقص في الولوجيات داخل المرافق والفضاءات العامة.
سقف أحلام وطموح نجوى لا حدود له، حيث تسعى اليوم إلى بلوغ المراكز الخمس الأولى على الصعيد العالمي في رياضة كرة المضرب، وهو ما سيسمح لها بتعزيز حظوظها و حضورها في مختلف الملتقيات والبطولات العالمية الكبرى.
ولا تخفي البطلة المغربية الحاصلة على شهادة الإجازة تخصص علوم رياضية تطبيية، الصعوبات التي تلقاها من أجل الموازنة بين دراستها والتدريب اليومي والمشاركة في المباريات داخل وخارج المغرب.