شاه جهان ملك المغول في الهند، والذي خلف وراءه إحدى عجائب الدنيا أو أيقونة الحب “تاج محل” الذي بناه تخليدا لذكرى زوجته المفضلة ممتاز محل. فمن هو هذا الرجل؟ وما هي قصته مع زوجته؟ وما هي حكاية تاج محل؟
ملك الدنيا
الاسم الأصلي لشاه جهان، ويعني هذا اللقب ملك الدنيا وقد عُرف حتى عام 1628 بالأمير خرام، هو شهاب الدين محمد خرام وقد وُلد عام 1592 في لاهور بباكستان الحالية وتوفي في 22 يناير/كانون الأول من عام 1666 في أغرا بالهند، وقد جلس على عرش إمبراطورية المغول في الهند بين عامي 1628 و1658 وهو من بنى تاج محل.
وكان الابن الثالث للإمبراطور المغولي جاهانغير وأميرة راجبوت مانماتي. وفي عام 1612 تزوج من ممتاز محل ابنة شقيق نور جهان زوجة جهانغير.
وقد تمرد خورام، الذي كان طموحا للفوز بالخلافة، على والده في في عام 1622 لكنهما تصالحا في عام 1625. وبعد وفاة جاهانغير في عام 1627، مكن دعم آصف خان، والد ممتاز محل وشقيق نور جهان، شاه جهان من إعلان نفسه إمبراطورا في أغرا في عام 1628.
وشهد عصر شاه جهان تمددا كبيرا للإمبراطورية المغولية في الهند، كما شهدت إمبراطوريته حالة من المد والجذر في شمال غرب شبه القارة الهندية .
ونقل شاه جهان عاصمته من أغرا إلى دلهي عام 1648 حيث أنشأ مدينة شاه جهان أباد الجديدة هناك.
وكان لدى شاه جهان شغف بالبناء، ففي عاصمته الأولى أغرا بنى مسجدين كبيرين، هما مسجد موتي “مسجد اللؤلؤ” والمسجد الجامع “المسجد الكبير”، وكذلك الضريح الرائع المعروف باسم تاج محل.
وتاج محل هو تحفة حكمه وقد شُيد تخليدا لذكرى زوجته ممتاز محل المفضلة بين زوجاته الثلاث. وفي دلهي، بنى شاه جهان مجمعا ضخما لقصر الحصون يسمى القلعة الحمراء بالإضافة إلى مسجد جامع آخر، وهو من بين أرقى المساجد في الهند.
وقد شهد عهد شاه جهان أيضا فترة نشاط أدبي كبير كما كان هناك اهتمام بفنون الرسم والخط. وكان بلاطه مظهرا للأبهة والفخامة، وربما كانت مجموعته من المجوهرات الأكثر روعة في العالم.
وقد وصف الكتاب الهنود عموما شاه جهان بأنه المثل الأعلى للحاكم المسلم.
ورغم أن روعة البلاط المغولي بلغت ذروتها في ظل حكمه، إلا أنه أطلق حملات عسكرية أدت في النهاية إلى انهيار الإمبراطورية.
وفي عام 1657 مرض شاه جهان، مما أدى إلى صراع على الخلافة بين أبنائه الأربعة دارا شيكوه ومراد بخش وشاه شجاع وأورنغزيب. وقد أعلن المنتصر أورنغزيب نفسه إمبراطورا وحاصر شاه جهان بصرامة في حصن أغرا حتى وفاته.
ممتاز محل
وُلدت ممتاز محل، وأُطلق عليها أيضا أرجوماند بانو في عام 1593 وتوفيت في عام 1631، وهي زوجة شاه جهان.
وبعد أن توفيت في سن مبكرة بعد سنوات قليلة فقط من حكم زوجها، ألهمت ذكراها بناء تاج محل حيث دُفنت.
وكانت ممتاز محل تنتمي لعائلة جاءت لقيادة البلاط الداخلي لسلالة المغول في القرن السابع عشر، وقد تم تأمين المكانة العالية لعائلتها عندما تزوجت خالتها مهر النساء، من والد شاه جهان جاهانغير “وبعد ذلك عُرفت باسم نور جهان”.
وقد عُيِّن جد أرجوماند ميرزا غياس بك المعروف أيضا باسم “عماد الدولة” الذي دخل البلاط الملكي في عهد أكبر الذي حكم من 1556 إلى 1605، وزيرا للإمبراطورية. كما نال أبو الحسن آصف خان، والد أرجوماند وشقيق نور جهان، أيضا مرتبة عالية داخل البلاط وأصبح فيما بعد وزيرا أعظم في عهد شاه جهان.
وقد كانت أرجوماند مخطوبة للأمير خورام في عام 1607، ولكن لم يُسمح لهما بالزواج حتى عام 1612، وهو التاريخ الذي اختاره المنجمون في البلاط.
في غضون ذلك، تزوج الأمير بأخرى، وبالتالي أصبحت أرجوماند زوجته الثانية، وقد أنجبت ممتاز محل 14 طفلا خلال زواجهما، توفي 7 منهم في سن الطفولة، وكان ابنهما الثالث أورنغزيب آخر أباطرة المغول العظماء.
وعندما اعتلى شاه جهان العرش في عام 1628 منح أرجوماند لقب ممتاز محل وقد اشتهرت بأعمالها الإنسانية ومساندتها للمحتاجين.
في عام 1631، وعلى الرغم من أنها كانت حاملا، رافقت شاه جهان في حملة عسكرية، وأثناء وجودها في برهانبور أنجبت طفلهما الرابع عشر وتوفيت بعد فترة وجيزة جراء النزيف.
دفنت مؤقتا في برهانبور حتى تم نقل جثمانها إلى أغرا في 1632، وفي الشهر نفسه، بدأ البناء في تاج محل فوق موقع دفنها.
تاج محل
يتميز تاج محل المُشيد بالرخام الأبيض بأنه أفضل مثال على العمارة المغولية ويضم مزيجا من الأساليب الزخرفية الهندية والفارسية والإسلامية. ويشمل مجمع ضريح تاج محل كل من المسجد المزدوج والحدائق الجميلة والمتحف.
ويعد تاج محل أحد المعالم الأثرية الأكثر شهرة في العالم حيث يزوره ملايين السياح كل عام. وقد صنف كموقع للتراث العالمي لليونسكو في عام 1983.
ونُسبت مخططات مجمع الضريح إلى العديد من المهندسين المعماريين في تلك الفترة، رغم أن المهندس الرئيسي كان على الأرجح أحمد لهاوري، وهو هندي من أصل فارسي.
وقد تم تصميم العناصر الرئيسية للمجمع وهي البوابة الرئيسية والحديقة والمسجد والضريح ككيان موحد الأمر الذي لم يسمح بأي إضافة أو تغيير على مجمع الضريح لاحقا.
وبدأ البناء في حوالي عام 1632 حيث تم توظيف أكثر من 20 ألف عامل من الهند وبلاد فارس والإمبراطورية العثمانية وأوروبا في هذه العملية. وقد استمر بناء المجمع الذي تبلغ مساحته 42 فدانا نحو 22 عاما.
وكان شاه جهان ينوي في الأصل بناء ضريح آخر عبر النهر لإيواء رفاته. وكان من المفترض أن يُشيد ضريحه من الرخام الأسود وأن يكون متصلا بتاج محل بواسطة جسر، ولكن تم خلعه في عام 1658 من قبل ابنه أورنغزيب، وسجن لبقية حياته في قلعة أغرا.
وللضريح قبة مركزية مهيبة يصل ارتفاعها إلى حوالي 73 مترا، ويعكس الرخام الأبيض المُستخدم في بناء الضريح درجات الألوان وفقا لشدة ضوء الشمس أو ضوء القمر، وداخله غرفة رخامية مثمنة الأضلاع مزينة بنقوش منحوتة وأحجار مصقولة تسمى بيترا دورا.
ويوجد في تلك الغرفة تابوتان زائفان لممتاز محل وشاه جهان حيث تقع المقبرتان الحقيقيتان في مكان ما قرب الحديقة، وتقف مآذن الضريح الأربعة الأنيقة بعيدا عن المبنى المركزي في كل ركن من الزوايا الأربع للقاعدة المربعة للضريح.
وتعرض تاج محل على مر القرون للإهمال، وقد تم إجراء ترميم كبير له في بداية القرن العشرين تحت إشراف اللورد كرزون، نائب ملك بريطانيا في الهند آنذاك.
وفي الآونة الأخيرة، تسبب تلوث الهواء الناجم عن الانبعاثات من المسابك والمصانع المجاورة وعوادم السيارات في إتلاف الضريح، ولا سيما واجهته الرخامية.
وقد تم اتخاذ عدد من الإجراءات للحد من الخطر على النصب من بينها إغلاق بعض المسابك، وتركيب معدات لمكافحة التلوث في أخرى، وإنشاء منطقة عازلة حول الضريح، وحظر حركة المرور بالقرب منه. وقد بدأ برنامج ترميم لتاج محل في عام 1998، لكن التقدم في تحسين الظروف البيئية حول النصب كان بطيئا.
وكان تاج محل خاضعا للتفاعلات السياسية في الهند من وقت لآخر حيث تم حظر المشاهدة الليلية في مجمع الضريح بين عامي 1984 و 2004 لأنه كان يُخشى أن يكون النصب هدفا للمتشددين السيخ.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبح يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه رمز ثقافي هندي حيث حاولت بعض الجماعات القومية الهندوسية التقليل من أهمية التأثير الإسلامي في تفسير أصول وتصميم تاج محل.