أهلاً بكم في عصر “تربية بمشاركة المنصات الرقمية” “شيراتنتغ” Sharenting بإدماج عبارة تولي الوالدين التربية Parenting ومشاركة عبر المنصات الرقمية للتواصل الاجتماعي Sharing].
فلنبدأ بتحذير مهم. إن حاجة الوالدين إلى عبء إضافي من الذنب تعادل حاجة العالم إلى جائحة أخرى.
ويضاف القلق بشأن مبالغتنا في نشر الصور إلى لائحة لا تنتهي من الهموم، من نوع هل أعمل أكثر من المطلوب أم أقل منه؟ هل يشعر طفلي بالتعاسة في روضة الأطفال أو ينقصه التحفيز في المنزل؟ هل يتعلم كيف يهدأ وحده وينام؟ هل أصيب بصدمة نفسية ستلازمه مدى الحياة؟ هل اصطحابه إلى صف تايكواندو للأطفال مرهق أم مثر؟
الإيجابيات:
بغية المحافظة على سلامة عقولنا، علينا أن نتذكر النقاط الإيجابية في مشاركتنا الرقمية تجربة كوننا والدين يربون أطفالاً، وهي تلك التي لا تذكرها العناوين التي تثير الذعر.
تعتبر الأمومة في أحسن حالاتها تجربة مجبولة بالعزلة، ثم أضيف إليها “كوفيد”. أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة طوق النجاة بالنسبة إلى كثيرين.
على سبيل المثال، فإن مشاركتك الصور بشكل شبه يومي على “واتساب” ، تساعد ابنتك وجديها في الشعور بالتقارب، حتى فيما لو تسكنوا بلدين مختلفين، وتساعدتك أيضاً في متابعة نشأة بنات إخوتك وأولادهم.
لا يمكنن التشديد بما فيه الكفاية على المزيج الخاص للضغوط النفسية والضجر الذي يصاحب تربية أطفال صغار العمر تماماً.
كل من يتغنى بوضع الهاتف جانباً والعيش في لحظة تربية طفل، لم يقض على الأرجح وقتاً طويلاً مع طفل عمره سنتين.
ليس من المفاجئ أبداً أن يلجأ الوالدان إلى مواقع التواصل الاجتماعي كي يتمتعا بلحظات الفرح في خضم بحر من العناء. إذ تتيح لنا مشاركة الصور جمع لحظات منتقاة من واقعنا، وهذا ليس دائماً أمراً سيئاً.
حينما تتأملون هاتفكم قبل النوم، يخفف عنكم شعوركم السيئ تجاه الصباح الذي قضيتموه مع طفلة، وقد امتلئ بمناديل ورقية مسحتم بها المخاط، وإرهاق ونوبات صراخ بسبب عدم رضاها عن لون جزمتها.
يعبر اتجاه “التربية بمشاركة المنصات الرقمية” ثقافة من الانفتاح، مفيدة ومضرة في آن معاً.
في صفحة المتسلقة المحترفة شونا كوكسي على “إنستغرام”. إذ تظهر أنها استمرت بالتسلق (بشكل آمن) خلال فترة حملها، وتشارك فيديوهات لتدريباتها برفقة رضيع.
تساعد تلك المنشورات الرائعة الجمال أساساً، في تحدي الصور النمطية المحيطة بالأمومة، بالتالي، فإن الحمل لا يعني الهشاشة، والتضحية بالذات ليست من المسلمات.
يعتبر كثيرون من الوالدين صغار السن إن “تيك توك” يشكل مصدراً للمعلومات.
إذ يستخدم 40 في المئة من الجيل “زد” Z “تيك توك” و”إنستغرام” بدلاً من “غوغل” للبحث عن المعلومات.
“الجيل زد هم من ولدوا بين أواخر تسعينيات القرن الـ20 والعقد الأول من القرن الـ21”.
السلبيات:
بالطبع، ليس من الضروري أن يبحث المرء طويلاً كي يرى الجانب الآخر.
إذ تكثر النصائح الجيدة في الفضاء الإلكتروني لكن ما من روادع كثيرة كي تمنع أشخاصاً لا يفقهون شيئاً وليس لديهم سوى مثل واحد أمامهم عن نشر تفاهات، بكثير من القناعة.
أقل ما يقال عن التحقق من عدد الذين سجلوا إعجابهم على صور طفلكم البكر، أنه أمر بائس.
ومن أكثر الأمور التي تقضي على العفوية هو أن يطلب منك الركض مجدداً بين أوراق الأشجار المتساقطة في الخريف فيما يفتح والداك شاشة الهاتف.
وقد ذكرت كايت أوكيف، التي تعمل في “مركز باتركبس لسنوات التعلم الأولى” في ساوثامبتون، “لاحظنا أنه كلما فعل الأطفال شيئاً، يقولون لنا ‘التقطوا صورة. التقطوا صورة’.
نبالغ في تصوير كل شيء في حياتهم، بالتالي فقد باتوا ينتظرون الكاميرا”.
أنا أفهم هذه النقطة. سألت ابنتي إذا كنت أبالغ في التقاط الصور، وأجابتني بشكل مؤلم “أحياناً، يمنعني ذلك من الاستمتاع”.
استكمالاً، علينا النظر إلى الجانب الثاني للمشاركة المتمثل في تلقي تلك المشاركة.
قد يكون الانفتاح مصدر قوة، وقد يضحي مصدر ألم كذلك.
في المملكة المتحدة، أكثر من حال حمل واحدة من بين كل خمسة تنتهي بالإجهاض غير الإرادي فيما يعاني زوجان من كل سبعة من صعوبات في الحمل، وفقاً لهيئة “الخدمات الصحية الوطنية”.
يعني ذلك أن عدداً كبيراً من الأشخاص قد يستصعبون رؤية هذا السيل من صور الأطفال.
عن الجانب البشع
يحمل الموضوع جوانب أخلاقية مخيفة أكثر كذلك.
ما معنى الخصوصية إذا بلغتم سن الرشد ووراءكم مجموعة من الفيديوهات التي توثق كل هفواتكم؟
هل تكون صور الأطفال اليوم وليمة تتغذى عليها الصور المزيفة المصنوعة بتقنية “التزييف العميق” Deep Fake في المستقبل؟
إلى أي مدى يتمتع والداك بحق الملكية على صورك؟ كمجتمع، ما زلنا في السنوات الأولى من ثورة الهواتف الذكية ولا نملك إجابات عن تلك الأسئلة.
تتمثل النقطة الأكثر وضوحاً بأن نموذج العمل الذي تستند إليه شركات التكنولوجيا العملاقة، الذي يحول الاهتمام إلى قيمة نقدية، مملوء بالمشكلات.
وبفضل التقلبات الغريبة لقانون المنافسة، فلن تستفيد كثيراً إذا حاولت تفادي “فيسبوك” فيما تشكل منصة “إنستغرام” وتطبيق “واتساب” جزءاً من شركة “ميتا” كذلك.
مهما فعلت، ثمة احتمال بأن الفيديو الذي صورته لابنك وهو يقود الدراجة، يضاعف أرباح شركة جشعة للغاية كسرت قوانين الديمقراطية فعلياً. ابتسم أيها الصغير!
في الواقع
على غرار معظم الأمور المتعلقة بعصر الإنترنت، لا تكون “التربية بمشاركة المنصات الرقمية” إما سيئة أو جيدة بطبيعتها.
بل إنها الاثنين معاً. إن معظمنا عمليون، ونغير عاداتنا مع تقدم أطفالنا بالعمر.
حينما يكبر صغارنا وتنمو شخصياتهم الفريدة ولا يعود شكلهم كحبات البطاطس المتشابهة الظريفة، ويبدؤون في التعبير عن آرائهم الخاصة، نتراجع عن كثرة المشاركة.
من المفيد لنا جميعاً أن نبتعد عن هواتفنا ونقترب من الواقع، لكننا لا نحتاج إلى فورة ذعر أخلاقي لأننا نشارك حياتنا كوالدين عبر المنصات الرقمية.
المصدر: “إندبندنت عربية”