رايت رايتس

الحلم الأميركي في لوحات إدوارد هوبر

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 5 دقيقة قراءة
5 دقيقة قراءة
لوحة البيت بجوار السكة الحديد من فيلم سيكو لأفريد هيتشكوك احدى لوحان ادوارد هاربر

اشتهر الرسام الأميركي إدوارد هوبر (1882-1967) بلوحاته التي تجمع بين حقلين شديدي التناقض في التعبير عن نمط الحياة الأميركية، فهي تارة شديدة الحداثة، وتارة أخرى مدعاة للرثاء لما فيها من الفردانية الموحشة والوحدة.

- مساحة اعلانية-

يقدم هوبر الشعور بالوحدة التي هي نتاج العصر الحديث في شكل أفراد يشربون قهوتهم بمفردهم، أو يقضون لياليهم بمعزل عن أي مشاركة اجتماعية، أو يظهرون في شوارع مظلمة وفارغة لا يمشي فيها أحد.

العيش في الفراغ

- مساحة اعلانية-

الأفراد في لوحات هوبر منفصلون ومنعزلون عاطفيا وجسديا، وغير منخرطين في أي مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية، وقد وظف الفراغ عبر عدد كبير من لوحاته كشعور وليس فقط كمساحة مرئية، ليعطي انطباعا عن مدى الفقر العاطفي والاجتماعي الذي يعيش فيه إنسان العصر الحديث، حسب ما ترى الناقدة الفنية أماندا هادلي.

كما يعتبر الناقد الفني بيتر كجيلدال أن هوبر يتركنا في مواجهة مع وحدتنا التي نغض الطرف عنها فقط لتستمر الحياة اليومية.

وإلى جانب هادلي وكيجدال يرى المؤرخ الفني لورانس فولر أن هوبر لم يكن متخصصا في رسم مشاهد من الحياة الأميركية، فهو لم يكن يحب أن يلقب برسام الحياة الأميركية، بل كان مهتما بتصوير بنية عاطفية ومشاعرية معينة تطغى على إنسان القرن العشرين في المجتمع الأميركي على وجه التحديد، تلك البنية هي الضياع النفسي والوحدة، كان يرسم البنية النفسية والعاطفية لأشخاص ضائعين في أنفسهم وتائهين في ذواتهم.

- مساحة اعلانية-

صقور الليل

لوحة صقور الليل
لوحة صقور الليل

تبرز لوحة “صقور الليل” (Nighthawks) المرسومة عام 1924 بوصفها عمل هوبر الأكثر تعبيرا عن تلك البنية المشاعرية السلبية التي غرق فيها الفرد الأميركي في المجتمع المعولم الحديث الذي بسبب حداثته فقد قدرته على أن يكون إنسانيا، 4 أفراد متعثرون في لون أصفر باهت في مقهى تغلفه العتمة وشارع كأنه مهجور.

مشهد بسيط لكنه يختزل ما لحق النفس البشرية من أضرار لا يمكن غض الطرف عنها، خاصة بعد قصف بيرل هاربور في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1941 ودخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.

في تلك الفترة تدرب سكان نيويورك على تعتيم الأماكن والاعتماد على الأضواء الخافتة في الأماكن العامة خوفا من هجوم النازيين، وبذلك اعتبرت تلك اللوحة رد فعل من هوبر على تلك الأيام القاتمة التي كان يعيشها العالم بأسره.

مساحات من الغياب

العديد من النساء مجهولات الهوية ظهرن في عدد من لوحات هوبز، ومثلهن مثل باقي الشخوص في لوحاته يظهرن في أجواء مشحونة بالسقم واليأس والوحدة، ثم بعد هؤلاء النسوة رسم عددا من اللوحات لا يظهر فيها لا رجال ولا نساء على الإطلاق، بل هي مجرد مساحات من الفراغ والغياب.

أشهر هؤلاء النسوة تلك التي تظهر في لوحة “المقهى الآلي” (Automated) المرسومة عام 1927، حيث تجلس امرأة وحيدة تحدق في فنجانها في مقهى آلي ليلا.

هذه الصورة وإن بدت غريبة بعض الشيء -فجميع لوحات هوبر تحمل إحساسا بالغرابة- فإنها صارت واقعية الآن وحقيقية للغاية، إنها نوع من السريالية المفهومة على حد تعبير الناقد مايكل روز.

لوحة "المقهى الآلي"
لوحة “المقهى الآلي”

الحلم الأميركي والعيش في الفراغ

يُنظّر هوبر في لوحاته وأعماله لحالة الازدواجية التي تكتنف الحياة الحضرية، حيث هناك مراعاة للتقارب بين المباني وأحيانا الأشخاص، لكن هناك أيضا مسافة نفسية ووجودية بينهم وبين بعضهم البعض.

هنا تظهر موهبة هوبر التي جعلته ذائع الصيت، حيث يعبر بالرسم والجماليات عن القبيح الكامن في الواقع المحيط به، فلقاء المعاني على سطح اللوحة وتحويلها إلى صور جمالية ذات صدى في النفوس والعقول هو ما ميزه كرسام عن غيره من معاصريه

يمثل هوبر حرجا لممارسي الفن الحديث والطليعي، لأنه إذا اعتبرنا أن مهمة الفن الأساسية -حسب ما يرى هيغل- هي إنجاز المصالحة بين ما هو روحاني وما هو حسي عن طريق ما ينتجه الفن من أشكال وصور ملموسة فإن هوبر انتقد الفنون الأميركية التي تصدرت دور العرض في النصف الثاني من القرن العشرين بالذات، لأنها تنكرت لما هو روحاني وحسي، بل غضت الطرف كليا عن المآلات المرعبة للحلم الأميركي.

اعتبر هوبر أن التجريدية التعبيرية -متمثلة في رائدها جاكسون بولوك- ما هي إلا وهم تحاول به الأوساط الفنية الأميركية تمرير التشظي والتفكك والضياع الذي صبغ المجتمع الأميركي بوصفه فردانية وحرية مطلقة وأنماطا حديثة من الحياة لا تخضع لقيود الماضي، في سياق معتاد يخدم فيه عالم الفنون السلطات السياسية لتجميل وجه “الحلم الأميركي” الباهت، وبذلك تنكرت الحركات الفنية الطليعية لشعلة الإبداع المصقول والحقيقي التي اشتعلت لأول مرة في عصر النهضة.

تم وضع علامة:
شارك هذه المقالة
ترك تقييم