عملية ميونيخ التي تسببت في “غضب الرب”

الديسك المركزي
11 دقيقة قراءة
11 دقيقة قراءة

في 26 أغسطس/آب من عام 1972 انطلقت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ميونيخ بألمانيا والتي ارتبطت ذكراها بالمآسي بدلا من الإنجازات الرياضية، فقد شهدت مقتل 11 إسرائيليا بعد أن أخذهم أعضاء جماعة فلسطينية مسلحة “أيلول الأسود” كرهائن في 5 سبتمبر/أيلول من ذلك العام.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=4]

وقد لقي اثنان حتفهما في القرية الأولمبية في ميونيخ، فيما قُتل الآخرون خلال معركة بالأسلحة النارية مع شرطة ألمانيا الغربية في مطار قريب حيث حاول المسلحون الخروج برهائنهم من البلاد.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن عملية ميونيخ هي هجوم “إرهابي” على أعضاء الفريق الأولمبي الإسرائيلي في الألعاب الصيفية لعام 1972 في ميونيخ والتي دبرها أعضاء من جماعة أيلول الأسود الفلسطينية المسلحة.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=3]

وكانت أولمبياد ميونيخ أول عودة للألعاب الأولمبية إلى مدينة ألمانية منذ دورة الألعاب الأولمبية عام 1936 في برلين. وتعرض استخدام أدولف هتلر لتلك الألعاب كمنصة لنشر الأيديولوجية النازية لانتقادات شديدة، وذلك فضلا عن العنصرية الصارخة ومعاداة السامية التي اتسمت بها تلك الدورة.

لقد عملت ألمانيا الغربية من خلال تنظيم دورة ميونيخ على أن تقدم للعالم صورة مناقضة لمشهد برلين المرعب عام 1936.

وأنفق منظمو أولمبياد ميونيخ نحو مليوني دولار على الأمن، وكان أفراد الأمن غير مسلحين وغير ظاهرين.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=5]

وبدأت تلك الأولمبياد في 26 أغسطس/آب من عام 1972 حيث شارك الآلاف من الرياضيين من أكثر من 120 دولة في الحفل الافتتاحي لما أطلق عليه المنظمون اسم “الألعاب المبهجة”.

هجوم على القرية الأولمبية

انطلقت الألعاب واستمرت دون حوادث لأكثر من أسبوع. وفي صباح يوم 5 سبتمبر/أيلول من عام 1972 قام 8 مسلحين فلسطينيين ينتمون إلى منظمة أيلول الأسود، وهو فرع متطرف من حركة فتح الفلسطينية، بتسلق السياج المحيط بالقرية الأولمبية في ميونيخ وهم متنكرون في زي رياضي، وباستخدام مفاتيح مسروقة، شقوا طريقهم إلى مقر سكن الفريق الأولمبي الإسرائيلي.

وبينما قُتل إسرائيليان في القرية الأولمبية واحتُجز 9 آخرون كرهائن، أصر رئيس اللجنة الأولمبية الدولية أفيري بروندغ على استمرار الألعاب.

وطالب المسلحون بإطلاق سراح أكثر من 200 فلسطيني معتقلين في السجون الإسرائيلية، وإطلاق سراح أندرياس بادر وأولريك ماينهوف من الجيش الأحمر المعتقلين في السجون الألمانية وتوفير طائرة لنقلهما إلى وجهة آمنة في الشرق الأوسط.

وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات جارية، كان لا بد من إلغاء محاولة الإنقاذ المخطط لها عندما تم إدراك أن تصرفات شرطة ألمانيا الغربية تم بثها على الهواء مباشرة إلى ما يقرب من مليار شخص حول العالم وإلى العديد من أجهزة التلفزيون في جميع أنحاء القرية الأولمبية.

وكانت حكومة ألمانيا الغربية قد عرضت دفع أي ثمن مقابل إطلاق سراح الرياضيين، لكن زعيم المسلحين قال إنه لا يهتم “بالمال ولا بالأرواح”.

ووافقت السلطات الألمانية على مطالب المسلحين بتزويدهم بطائرة، وتم توفير 3 مروحيات لنقلهم إلى المطار.

مذبحة” فيورشتينفيلدبروك

في مساء يوم 5 سبتمبر/أيلول، اقتاد المسلحون، معتقدين بأنهم توصلوا إلى اتفاق، رهائنهم المقيدين ومعصوبي الأعين من أماكنهم إلى حافلة نقلتهم إلى المروحيات.

وقد نقلتهم المروحيات إلى قاعدة فيورشتينفيلدبروك الجوية التي تبعد 25 كيلومترا غرب القرية الأولمبية، حيث كانت الشرطة قد أعدت كمينا.

وعلى الرغم من أن الجيش الألماني كان لديه تدريب ومعدات أفضل لمثل هذه المهمة فإنه بموجب دستور ما بعد الحرب في ألمانيا الغربية مُنعت القوات المسلحة من مساعدة الشرطة المدنية.

وتم إرسال السيارات المصفحة التي كان من المفترض أن تساعد في إنقاذ الإسرائيليين بعد فوات الأوان وأصبحت عالقة في حركة المرور. ومع عدد لا يحصى من الإخفاقات في كل من التخطيط والتنفيذ، كانت النتيجة كارثة على كل المستويات تقريبا.

ووصلت المروحيات حوالي الساعة 10:30 مساء وعلى الفور توجه اثنان من المسلحين لتفتيش الطائرة، وعندما وجداها فارغة وأدركا الخداع صاحا في رفاقهم، وعند هذه النقطة أطلقت شرطة ألمانيا الغربية عليهم النار.

واندلعت معركة بالأسلحة النارية أسفرت عن مقتل عدد من المسلحين وضابط شرطة. وركض أعضاء أطقم المروحيات بحثا عن مخبأ، لكن الرياضيين الإسرائيليين كانوا مقيدين ببعضهم البعض ومحاصرين.

وفي منتصف الليل، أعلن مسؤول ألماني أنه تم إطلاق سراح جميع الرهائن وقتل جميع المسلحين، وهو تقرير ثبت أنه سابق لأوانه بشكل مأساوي.

وبعد منتصف الليل بقليل، ألقى مسلح قنبلة يدوية على مروحية مما أسفر عن مقتل جميع الرهائن الإسرائيليين الذين كانوا على متنها باستثناء واحد هو ديفيد بيرغر، المصارع الأمريكي المولد ، الذي تمكن رجال الإنقاذ من الوصول إليه.

كما أمطر مسلح ثان مروحية أخرى بالرصاص من مسافة قريبة مما أدى إلى مقتل الإسرائيليين الخمسة المتبقين.

لقد قُتل 11 إسرائيليا إلى جانب شرطي من ميونيخ، وقُتل خمسة من مسلحي أيلول الأسود وتم القبض على 3 آخرين.

لخص جون ماكاي، الذي كان يبث من القرية الأولمبية لمدة 14 ساعة دون توقف، النتيجة المأساوية لعملية الإنقاذ الفاشلة بعبارة “لقد ماتوا جميعا”.

ولأول مرة في التاريخ، تم تعليق الألعاب الأولمبية لمدة 24 ساعة تكريما للرياضيين القتلى.

تقاعس أمني

كانت إسرائيل قد اتهمت سلطات ألمانيا الغربية بالتقاعس عن توفير الأمن اللازم خلال دورة الألعاب، حسبما أظهرت وثائق أرشيفية رسمية إسرائيلية.

وقال تسيفي تسامير، رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابق، في ذلك الوقت بعد عودته من ميونخ إن الشرطة الألمانية “لم تبذل أقل ما كان ينبغي لها أن تبذله من جهود لإنقاذ حياة الضحايا”.

وفي الأشهر التي سبقت الألعاب الأولمبية، طلبت اللجنة المنظمة لأولمبياد ميونيخ من عالم النفس الشرطي جورج سيبر وضع عشرات السيناريوهات الأمنية في أسوأ الحالات.

ومن بين الاحتمالات الـ 26 التي اقترحها سيبر، كانت الهجمات على الألعاب من قبل الجيش الجمهوري الأيرلندي، وفصيل الجيش الأحمر، ومنظمة إيتا، وجماعات أخرى.

واقترح الاحتمال الـ 21 لسيبر أن يتسلق عشرات المسلحين الفلسطينيين سياج القرية الأولمبية الساعة 5:00 صباحا، ويحتجزون رهائن إسرائيليين، ويقتلون واحدا أو اثنين، ويطالبون بالإفراج عن سجناء من السجون الإسرائيلية وطائرة لنقلهم إلى الشرق الأوسط.

ولكن قررت اللجنة المنظمة أن الاستعداد لتهديدات مثل تلك التي اقترحها سيبر سيخلق بيئة أمنية لا تتماشى مع رؤيتهم للألعاب.

 وفي غضون ساعات من الهجوم على القرية الأولمبية، تم فصل سيبر من منصبه الاستشاري من قبل جهاز إداري بدأ بالفعل العمل لإخفاء الأدلة على أخطائه.

وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1972، بعد أقل من شهرين على الحادث، خطف مسلحان من أيلول الأسود طائرة لوفتهانزا من طراز بوينغ 727 كانت في طريقها من العاصمة السورية دمشق إلى فرانكفورت وهددا بتفجيرها مع الطاقم والركاب إذا لم تتم تلبية مطالبهم. .

وتوجهت الطائرة المخطوفة إلى زغرب في يوغوسلافيا (كرواتيا الآن)، بينما نُقل المسلحون الثلاثة الناجون من ميونيخ، الذين كانوا ينتظرون المحاكمة، إلى زغرب في طائرة خاصة حيث نُقلوا على متن طائرة البوينغ التي طارت بعد ذلك إلى العاصمة الليبية طرابلس حيث تم إطلاق سراح الركاب وأفراد الطاقم وتم الترحيب بالمسلحين بوصفهم “أبطال عملية ميونيخ”.

ولم يتم استشارة إسرائيل في أي وقت بشأن عملية التبادل، وأثار التسرع الذي استجابت به سلطات ألمانيا الغربية لمطالب الخاطفين تساؤلات عديدة.

وتمثلت إحدى الخطوات الإيجابية التي اتخذتها ألمانيا الغربية في أعقاب أحداث ميونيخ في تشكيل وحدة متخصصة لمكافحة الإرهاب باتت تعتبر واحدة من أكثر وحدات مكافحة الإرهاب فاعلية في العالم.

غضب الرب

تشكلت لجنة إسرائيلية سرية برئاسة رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير، ووزير الدفاع موشيه دايان، للرد على مقتل الرياضيين الإسرائيليين الـ 11، ويقال إن هذه اللجنة أقرت اغتيال كل مَن له علاقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمنظمة “أيلول الأسود” بحسب دائرة المعارف البريطانية.

وتكونت فرقة الاغتيال، التي حملت الاسم الرمزي بايونيت، من أعضاء من الموساد مدعومين بفرق العمليات الخاصة من الجيش الإسرائيلي. وقد أمضت المجموعة سنوات في تعقب وقتل المشتبه بهم في التخطيط أو المشاركة في مذبحة ميونيخ.

وقد قتلت فرقة الاغتيال في البداية وائل زعيتر، ممثل منظمة التحرير في إيطاليا، حيث أطلقت النار عليه في بهو مبنى شقته في العاصمة الإيطالية روما في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1972، ثم استُهدف محمود الهمشري، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، بعد ذلك.

وخلال الأشهر التالية تم اغتيال 4 آخرين هم باسل الكبيسي وحسين البشير وزياد مونشاسي ومحمد بودية.

وجاءت المهمة الأكثر إثارة في حملة غضب الرب في أبريل/نيسان من عام 1973.

فقد وضع إيهود باراك، قائد وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي”ساريت متكال” خطة جريئة لضرب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

وتضمنت المهمة التي أُطلق عليها اسم عملية “ربيع الشباب”، عملية إنزال برمائية لفريق كوماندوز في بيروت، وبمجرد وصول أعضاء ذلك الفريق إلى الشاطئ، نسقوا جهودهم مع عملاء الموساد الموجودين بالفعل في المدينة وصرفوا الانتباه من خلال ارتداء ملابس مدنية.

وبينما قامت فرق كوماندوز أخرى بشن غارات لتشتيت الانتباه في جميع أنحاء المدينة، هاجمت مجموعة من المظليين الإسرائيليين مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مستهدفة محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، مما أسفر عن مقتل الثلاثة.

وبعد سلسلة من العمليات تم تعليق هذا البرنامج في يوليو/تموز من عام 1973 عندما قتلت فرقة الاغتيال بالخطأ رجلا بريئا في ليلهامر بالنرويج حيث كان المُستهدف هو القيادي البارز في حركة فتح علي حسن سلامة الملقب لدى الموساد بـ”الأمير الأحمر”.

وأسفر التحقيق الذي أجرته السلطات النرويجية عن اعتقال وإدانة 5 من عملاء الموساد، فضلا عن كشف شبكة واسعة من عملاء الموساد والمخابئ السرية والملاذات الآمنة في جميع أنحاء أوروبا.

ورضخت غولدا مائير لضغوط الدول الأوروبية وأوقفت برنامج الاغتيالات السري، لكن ظل سلامة مستهدفا.

يذكر أن العديد من الأفلام أُنتجت حول عملية ميونخ، وأبرزها فيلم ميونيخ في عام 2005 للمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ.

المصدر: “BBC”

شارك هذه المقالة
ترك تقييم