رايت رايتس

الهند تسعى لتصبح “مصنع العالم” بدلا من الصين.. هل هذا ممكن؟

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 11 دقيقة قراءة
11 دقيقة قراءة

في ظل التحولات الاقتصادية العالمية وتزايد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أصبحت هناك تساؤلات متزايدة حول مصير مكانة الهند في الساحة العالمية كمركز للتصنيع العالمي، مع انتقال العديد من شركات التكنولوجيا والإلكترونيات من الصين إلى دول أخرى بحثاً عن بيئة أكثر استقراراً.

- مساحة اعلانية-

وتسعى الهند لكي تصبح البديل الصناعي الأول للصين، وتصبح أكبر مصنع في آسيا مع تحول الشركات بعيداً عن الصين، لكن عليها أولا أن تهزم فيتنام، بحسب تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية.

هذا الطرح يثير جدلاً واسعاً بين المهتمين والاقتصاديين، وخصوصاً أن الهند تمتلك إمكانيات هائلة، وقاعدة بشرية كبيرة وسوق داخلي ناشئ. ومع ذلك، تواجه تحديات عديدة قد تكبح طموحها لتحقيق هذا الهدف ولعل أبرزها البيروقراطية والضرائب بحسب خبراء.

- مساحة اعلانية-

ومع تزايد المنافسة مع الصين، اتبعت الولايات المتحدة أجندة “حشد الأصدقاء”، إذ شجعت إدارة بايدن الشركات الأميركية على نقل عمليات تصنيع الإلكترونيات والتكنولوجيا من الصين إلى دول أكثر ودية، وخاصة فيتنام والهند.

وقال موكيش آغي، الرئيس والمدير التنفيذي لمنتدى الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند: “يرى كل من الديمقراطيين والجمهوريين أن الصين تمثل تحديًاً، وكل مجلس إدارة في الولايات المتحدة يسأل رئيساً تنفيذياً عن استراتيجيته في إزالة المخاطر من الصين”.

الهند لا تستطيع منافسة الصين

- مساحة اعلانية-

يرى الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” في لندن طارق الرفاعي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الهند لا تستطيع منافسة الصين على الأقل في الأعوام الخمسة المقبلة، مشيراً إلى أن الهند لديها قطاع تكنولوجي كبير جداً، ولكن من ناحية الصناعة الدقيقة مثل الرقائق وصناعة الآيفون فهي غير قادرة على المنافسة مع الصين.

وأضاف الرفاعي: “إن هناك الكثير من الشركات تتجه من الصين نحو الدول الأرخص تكلفة بالنسبة للصناعات والأقل بيروقراطية من الهند مثل فيتنام وتايوان وكوريا وحتى المكسيك، وقوة الهند تتمثل في الخدمات التكنولوجية وليس في صناعة التكنولوجيا، وهذه عقبة كبيرة أمامها، صحيح أنه هناك الكثير من شركات التكنولوجية تتجه للاستثمار في الهند، ولكن المنافسة ستكون شديدة مع الدول المذكورة”.

“من الأفضل للشركات الأميركية التي تبتعد عن الصين وتستثمر في دول أخرى لا بد من أن تأخذ بعين الاعتبار الكفاءة التكنولوجية العالية وهي ليست موجود في الهند”، بحسب الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية”، الذي ذكر على سبيل المثال أن شركة آبل وعندما تأجج الصراع بين أميركا والصين قبل نحو عام ونصف العام، وجدت التكنولوجيا العالية لصناعة الآيفون في فيتنام ولم تذهب إلى الهند.

 وتحاول شركة آبل الآن إنشاء بعض الصناعات في الهند لكن ليس بالكفاءة التكنولوجية المتقدمة، لأن الهند تحتاج للاستثمار لسنوات طويلة في هذا المجال، وشركات التكنولوجيا ليس لديها الصبر لهذا الاستثمار الطويل، طبقاً لما قاله الرفاعي.

9 تحديات أما طموح الهند

قال الخبير الاقتصادي عبد الله الشناوي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إنه لا يمكن تجاهل الطموح الهندي المتصاعد لمنافسة الصين في التصنيع، على اعتبار أن الصين تمثل مصنع العالم.

وأضاف: “إذ سلمنا جدلاً بصحة وإمكانية تحقيق ذلك فلابد من الإشارة الى عدة عقبات أو تحديات تلقي بظلال من الشك حول إمكانية تحقيق هذا الطموح وهي:

تصاعد الدين الحكومي في الهند والذي لا شك يؤثر على قدرة الهند على دعم وتوسيع التصنيع لديها، حيث بلغت القروض الحكومية حوالي 16 تريليون روبية في العام المالي 2023- 2024.

ضعف البنية التحتية وعدم كفايتها في الهند والتي لا تماثل مثيلتها في الصين حيث لا تزال غير كافية بما في ذلك إمدادات الطاقة وشبكات النقل والخدمات اللوجستية.

نقص العمالة الماهرة حيث لا تزال هناك فجوة في المهارات بين القوى العاملة المتاحة ومتطلبات التصنيع الحديث، وهذا يمثل مصدر قلق، مما يتطلب معالجتها حتى تتمكن من الاستفادة الكاملة من إمكاناتها التصنيعية.

لاتزال تعاني الهند من الاثار التخريبية والمالية لجائحة كورونا والتي ساهمت في تفاقم وضع الدين الحالي لديها.

تواجه الهند منافسة شرسة من عمالقة التصنيع مثل الصين وفيتنام، والذي يتطلب ضرورة تقديم ميزة تنافسية من الهند من حيث التكلفة والجودة وهذ أمر بالغ الأهمية.

لا يمكن تجاهل أن الصين لاتزال تهيمن على الإنتاج الإقليمي والعالمي حيث يمثل إنتاجها 45 بالمئة من إجمالي الإنتاج الصناعي العالمي.

ارتفاع التعريفات الجمركية على الواردات الهندية وهي أعلى المعدلات في الأسواق الناشئة، وهو ما يعمل كأحد العوائق أمام تحسين تكامل السوق الهندية.

ضعف النظام البيئي لسلاسل التوريد في الهند، وتأخر دخول البلاد إلى مشهد التصنيع التكنولوجي.

الفجوات الكبيرة بين البنية التحتية الحضرية والريفية التي أدت إلى تفاوتات بين تكلفة الوقود في جميع أنحاء البلاد.

هل يمكن تحفيز التصنيع في ظل تفاقم الديون

قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق: “على الرغم مما تشهده الهند من النمو القوي في قطاع التصنيع في السنوات القليلة الماضية، إلا أنه نمواً في (المنطقة الناشئة) وليس نمواً كالذي تشهده الأسواق الأكثر نضجاً مثل (ألمانيا وأميركا)، وتواجه الحكومة الهندية انتخابات عامة في العام المقبل واستخدمت ميزانية 2023 التي تم الكشف عنها في فبراير، لإظهار دعمها للتصنيع والنمو الاقتصادي، مع تدابير تشمل حوافز لإنتاج بطاريات الليثيوم أيون وتصنيع الإلكترونيات، لكن هل تستطيع سياسات الحكومة الهندية تحفيز التصنيع في ظل تفاقم ديونها؟”.

وفي هذا الصدد يشرح الشناوي أن الهند أنفقت مبالغ كبيرة على إغاثة الفقراء وتأثيرات كوفيد-19، مما ترتب عليه تفاقم الديون الى مستويات قياسية، ولذلك حذر صندوق النقد الدولي أنها بحاجة إلى خطة أكثر طموحًا لضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط، وفي ضوء ما سبق يمكن القول إن الهند اتخذت العديد من الإجراءات لتحفيز ودعم قطاع التصنيع مثل تطبيق برامج الحوافز المرتبطة بالإنتاج، وتبسيط إجراءات تسجيل الشركات ورفع شعار (صنع في الهند) بهدف تحويل الهند الى مركز تصنيع عالمي.

مصنع العالم

ورداً على سؤال حول إمكانية أن تصبح الهند “مصنع العالم” بديلاً عن الصين أجاب الشناوي: “ترتب على جائحة كورونا توقف الأنشطة الاقتصادية في الدول النامية والمتقدمة مما دفع الصين الى إغلاق عملياتها لفترة طويلة، بعد ما كانت تتمتع بحصة مسيطرة على توريد بعض المواد الخام الأكثر أهمية، ما أدى إلى اضطراب سلاسل التوريد، الامر الذي دفع الدول إلى البحث عن شركاء تجاريين يمثلون البديل للصين لاستمرار تنفيذ الأنشطة الاقتصادية. ولذلك اتجهت الولايات المتحدة إلى الهند حيث تعمل على تحويل سلاسل توريد التكنولوجيا الحيوية بعيدًا عن الصين”.

وفي الوقت نفسه، خفضت الهند أيضاً وارداتها من الصين، ورغم ما تمت الإشارة إليه من تأثيرات سلبية تواجه الصين وصفقة التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والهند كأحد أشكال الصراعات الجيوسياسية إلا أن الاقتصاد الصيني لازال متفوقاً على الهند في مجال التصنيع حيث لاتزال الهند متخلفة عن الصين في الصناعات الكيميائية والصيدلانية بشكل كبير وفي مجال الملابس يبلغ إنتاج الصين حوالي 75 بالمئة من الإنتاج العالمي بينما الهند 3.5 بالمئة فقط، بحسب تعبيره.

وأيضا رغم انخفاض الأجور في الهند مقارنة بالصين إلا أن الهند تحتاج إلى اقناع الشركات لتحويل التصنيع اليها، كما ان الصين تمتلك مزايا جغرافية وتجارية وبنية تحتية متقدمة، وامتلاك الصين لمساحات واسعة من الأراضي للتوسع فيه من أجل التصنيع مقارنة بكثافة السكان في الهند. بالإضافة الى امتلاك الصين إنتاج أكثر من نصف إنتاج السيلكون في العالم، وحوالي63 بالمئة من إنتاج العالم من المعادن.

ويختم الشناوي بقوله: “لا يزال أمام الهند طريق طويل لتقطعه للحاق بجارتها العملاقة في الشمال، ولكن من الواضح أن هناك فرصة يجب على الهند أن تغتنمها، ليس فقط من خلال سياسات تعزز قطاع التصنيع بشكل مباشر ولكن من خلال سياسات الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، كما أن الهند تسعى إلى المشاركة بشكل أكبر في سلاسل التوريد العالمية والعمل كبديل للصين، وحتى العالم يتطلع إلى أن تصبح الهند الداعم الثاني لهم في التصنيع، خاصة بعد تعطل سلسلة التوريد، ومع ذلك، فمن غير الواقعي الاعتقاد بأن أنشطة التصنيع سوف تنتقل بالكامل إلى خارج الصين.

بدائل صناعية جذابة

وبالعودة إلى تقرير الشبكة الأميركية، فإن الهند وفيتنام تعدان من البدائل الصناعية الجذابة للمستثمرين والشركات الأجنبية، ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض تكاليف العمالة. لكن فيتنام تتقدم كثيراً على الهند حيث يبلغ إجمالي صادرات عام 2023 نحو 96.99 مليار دولار، مقارنة بـ 75.65 مليار دولار للهند.

وقال سمير كاباديا، الرئيس التنفيذي لشركة “إنديا إندكس” والمدير الإداري لمجموعة فوغل: “لقد اشتهرت فيتنام بقدرتها على تصنيع الإلكترونيات، بينما الهند تدخل هذه المجال للتو ما يوفر لفيتنام ميزة تنافسية”.

بدوره قال ناري فيسواناثان، المدير الأول لاستراتيجية سلسلة التوريد في شركة البرمجيات كوبا: “لفيتنام اليد العليا عندما يتعلق الأمر بوفورات التصنيع ذات الحجم الكبير، حيث يكون العمل اليدوي في الغالب”.

وأشار فيسواناثان إلى أن القطاعات التي تتطلب عمالة يدوية مكثفة ولها هوامش ربح منخفضة مثل صناعة الملابس “لن تغير الاتجاه” بالنسبة للهند.

ويعمل عمالقة التكنولوجيا الأميركيون بشكل متزايد على جلب جزء من سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى الدولة الواقعة في جنوب آسيا.

وذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” في ديسمبر الماضي أن شركة أبل أخبرت موردي المكونات أنها ستستورد البطاريات من المصانع الهندية لجهاز iPhone 16 القادم.

وقد فكرت الشركة في توسيع عملياتها في الهند منذ عام 2016، عندما زار الرئيس التنفيذي تيم كوك رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ومن المقرر أيضًا أن يبدأ إنتاج هواتف ( Pixel ) في الهند بحلول الربع الثاني.

وتتلخص إحدى العقبات التي تعترض طموحات الهند في أن تصبح مركزاً للتصنيع في فرض رسوم استيراد تبلغ 10 بالمئة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد، وهذا أعلى من متوسط رسوم الاستيراد في فيتنام البالغة نحو 5 بالمئة، بحسب أندي هو، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة “VinaCapital”.

وفي هذا السياق، ذكر سمير كاباديا، أن عام 2024 سيكون العام الذي يقوم فيه رئيس الوزراء مودي بتخفيض العديد من هذه التعريفات.

تم وضع علامة:
شارك هذه المقالة
ترك تقييم