بمساعدة الإعانات السخية، تعمل شركات تصنيع الرقائق في الصين على زيادة الطاقة الإنتاجية على الرغم من المخاوف بشأن زيادة العرض.
هذا ما عكسته أخيراً تصريحات الرئيس التنفيذي للشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، الشركة الرائدة في صناعة الرقائق في الصين، والذي توقع حدوث “تخمة في العرض العالمي” في أنواع أشباه الموصلات التي تنتجها شركته، إلا أنه في الوقت نفسه أعلن عن زيادة قدرها 7.5 مليار دولار في النفقات الرأسمالية.
ووفقا لإحدى الشركات الاستشارية، فإن قدرة إنتاج الرقائق في البلاد سوف تنمو بنسبة 60 بالمئة في السنوات الثلاث المقبلة، ويمكن أن تتضاعف خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقالت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، إنه باعتبار أن القيود الغربية المفروضة على صادرات معدات صناعة الرقائق إلى الصين تعني أنها لا تستطيع إنتاج رقائق المعالجات الأكثر تقدما، فإن الكثير من هذا الإنتاج سيكون من رقائق المعالجات الأساسية، والتي تستخدم على نطاق واسع في السيارات والسلع المنزلية والأجهزة الاستهلاكية.
يشعر مسؤولو السياسة التجارية في الغرب بالتوتر إزاء احتمال إغراق الصين السوق بأنواع معينة من الرقائق.
أشار الرئيس التنفيذي لشركة TSMC، شركة تصنيع الرقائق التايوانية الرائدة عالميًا، مؤخرًا إلى القلق بشأن القدرة الفائضة في القطاعات الأساسية.
يرى المحللون الأكثر تشاؤما أن استثمار الصين في الألواح الشمسية بمثابة تشبيه، ويشعرون بالقلق من أن الاستثمار في صناعة الرقائق في البلاد سيؤدي إلى انخفاض الأسعار وبالتالي انخفاض أرباح الشركات الغربية.
وفي هذا السياق، دعا عضو الكونغرس الجمهوري مايك غالاغر، إدارة بايدن إلى استخدام التعريفات الجمركية إذا لزم الأمر لمنع الصين من اكتساب “نفوذ مفرط” على الاقتصاد العالمي.
الرقائق
هناك أنواع عديدة من الرقائق الأساسية، يتم إنتاجها في مصانع مختلفة، بمواد مختلفة، بواسطة شركات مختلفة، ما يعني أنه ليس من المضمون أن تفوز الشركات الصينية بحصة سوقية في كل قطاع.
على سبيل المثال، أدى النقص الكبير في فترة انتشار الوباء إلى دفع بعض شركات صناعة السيارات الغربية بالفعل إلى توقيع صفقات توريد طويلة الأجل، لذا فمن غير المرجح أن تشتري المزيد من الموردين الصينيين حتى لو كانت أسعارهم أقل.
ومع ذلك، فإن حكومات الولايات المتحدة وأوروبا واليابان تناقش جميعها الاستجابات المحتملة لقدرة الرقائق الصينية الزائدة.
ويشير تقرير الصحيفة البريطانية، إلى أن التعريفات الجمركية هي الأداة المعتادة للتعامل مع الإغراق، لكن الغرب لا يستورد بشكل مباشر كميات كبيرة من الرقائق الصينية؛ فهي مضمنة داخل الأجهزة النهائية.
وغالبًا ما تشكل الرقائق التأسيسية جزءًا صغيرًا من تكلفة المنتج، حتى أن بعض الشركات لا تعرف حتى أصل الرقائق الموجودة داخل مكوناتها.
ونظراً للتعقيد الإداري للتعريفات الجمركية، يبحث المسؤولون عن البدائل، ويتلخص أحد الأساليب في دعم استخدام الرقائق غير الصينية، رغم أن هذا يتطلب من الحكومات إيجاد أموال جديدة.
والخيار الثاني هو الحد من وصول شركات صينية محددة إلى الأسواق.
وقامت شركة SMIC بتصنيع معالج الهاتف الذكي المثير للجدل الذي تبلغ سعته 7 نانومتر من هواوي في عام 2023، وتجري وزارة التجارة تحقيقًا رسميًا فيما إذا كان القيام بذلك ينتهك القانون الأميركي.
واختتم تقرير الفاينانشال تايمز بالإشارة إلى أنه من الممكن ببساطة حظر الرقائق الصينية من حالات الاستخدام “الحرجة”.
وينظر الأوروبيون إلى مشكلة القدرة الفائضة في المقام الأول من خلال عدسة الضرر التجاري، وليس الأمن، لذا فإنهم سوف يرفضون أي استجابة يعتبرونها غير متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
ويركز صقور الصين في الولايات المتحدة واليابان بشكل أكبر على العواقب الأمنية، وكان لديهم القليل من المخاوف بشأن الحظر الفعلي لشركة هواوي من البنية التحتية للاتصالات، وسوف يحذون حذوهم بحظر الرقائق الصينية “غير الجديرة بالثقة” من القطاعات الحيوية أيضًا.. ومع ذلك، فإن الحظر الشامل قد لا يكون ضروريا إذا تم ردع الشركات الغربية عن شراء الرقائق الصينية.
اهتمام أوروبي
يرى أخصائي التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، أن اهتمام أوروبا بسوق الرقائق دؤوب ومتطلع، ويخصص له قدر كبير من البحث العلمي، إلا أنه يواجه مشكلات عديدة، منها: الحاجة للعمالة المهرة، والوصول للتقنيات المتقدمة في الصناعة، ما يمنعها من مزاحمة الكبار في هذا المجال، ويقلل من استحواذها على حصة سوقية كبيرة في قطاع الرقائق الإلكترونية.
ويضيف الناطور في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن أوروبا وإن كانت في الوقت الحالي تعتمد على شرق آسيا، وخاصة تايوان وكوريا الجنوبية، لاستيراد الرقائق، تدرك في الوقت نفسه أهمية أن يكون لها سوق للرقائق، لذا أطلق الاتحاد الأوروبي خطته في العام الماضي 2023، يستهدف بها تعزيز حصته بالسوق لتصل إلى 20 بالمئة في 2030، لتتضمن تمويل الصناعة بـ43 مليار دولار على هيئة استثمارات بحثية وبناء مصانع جديدة وإبرام تعاقدات مع الدول والشركات المتطورة في الصناعة، لجذب المستثمرين في مجال الرقائق.
ويبين الناطور أن المنافسة الحالية بين الصين وأميركا فرصة قوية لاجتذاب المستثمرين وخلق أرض خصبة للاستثمارات الأميركية.
ويضيف: “على أوروبا أن تستثمر هذا الصراع وأن تستفيد من العقوبات التي فرضتها أميركا على الصين، وأن تطور تقنيات صناعة الرقائق مثل تقنية التصنيع باستخدام أشعة الليزر أو النانو تكنولوجي، وأن تدرك جيدًا نقاط ضعفها ونقاط قوتها، خاصة وأن القطاع يشهد تطوراً سريعا في الآونة الأخيرة”.
تأخر أوروبي
كذلك يؤكد مدير مركز كوروم للدراسات، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن تأخر الاتحاد الأوروبي في سوق إنتاج الرقائق الإلكترونية يرجع إلى الأسباب التالية:
السياسات الاقتصادية التي يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات في تغييرها، والتي تفرض عليه مناخا صعباً يحول بينه وبين استثمار سوق الرقائق، مقارنة بينه وبين دول مثل الصين وأميركا (..).
تكلفة الطاقة والكهرباء: في السنوات الماضية تسببت أزمة الطاقة في ارتفاع تكلفة الكهرباء في الدول الأوروبية؛ ما أدى إلى إغلاق بعض مصانع التكنولوجيا والسيارات داخل الاتحاد الأوروبي، واتجاهه إلى الاعتماد على مناطق الكهرباء فيها أقل تكلفة، مثل دول أوروبا الشرقية وتركيا والصين وأميركا.
اضطرابات
وإلى ذلك، يؤكد خبير العلاقات الدولية محمد ربيع الديهي، أن سوق الرقائق تشهد خلال الآونة الأخيرة حالة من الاضطراب نتيجة الحرب التجارية بين الصين وأميركا التي وضعت قيودا على الشركات لمنعها من تصدير أشباه الموصلات المتقدمة إلى الشركات الصينية مثل هواوي.
ويشير خبير العلاقات الدولية في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى الأزمة المشتعلة بين الصين وتايوان، والتي تسيطر على أكثر من 50 بالمئة من الإنتاج العالمي للرقائق العادية ومتوسطة القوة، وأكثر من 90 بالمئة من الإنتاج العالمي للرقائق فائقة التطور.
وينوه الديهي أن هذه الأزمات ذات تأثير بالغ على التحول التكنولوجي العالمي، وتشكل خطراً لا لبس فيه، على مستقبل الصناعات التكنولوجية بشكل عام.