رايت رايتس

طفرة صناعية تجلب مشروعات مليارية لبلدات أمريكية صغيرة

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 14 دقيقة قراءة
14 دقيقة قراءة
موقع أحدث مصنع سيارات كهربائية لشركة "فورد موتور"

سيمضي عام على الأقل قبل أن تخرج أولى السيارات من خط التجميع بمصنع “ميتابلانت” العملاق الذي تبنيه شركة “هيونداي موتور” على أرض حراجية مساحتها ثلاثة آلاف فدان في براين كاونتي بولاية جورجيا، لكن مشروع صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات، الذي تبلغ قيمته 7.6 مليار دولار ويقع على مسافة نصف ساعة بالسيارة غربي مدينة سافانا، سلب ألباب من يعيشون قربه.

- مساحة اعلانية-

دارت شائعة هذا الصيف مفادها أن “هيونداي” كانت تزمع شراء ملعب غولف مجاور لتجعله مشروعاً سكنياً لبعض عاملي مصنعها المستقبليين، ويُتوقع أن يبلغ عددهم 8500، أو لتوفر لهم مصدراً للترفيه خلال أوقات الراحة.

في تلك الأثناء، قال وكلاء عقاريون محليون إن المطورين في المنطقة يتلهفون إلى تقسيم حقول فول الصويا، رغم أنهم حالياً في مأزق بسبب عدم كفاية خطوط المياه والصرف الصحي.

- مساحة اعلانية-

توسع قطاع التصنيع

في بلدة بيمبروك المجاورة التي يقطنها 2600 شخص فقط، قال شانون ثرستون إنه بات يرى وجوهاً جديدة في “تاكو ديبو”، المطعم المكسيكي الذي يديره مع زوجته، ويعتقد أنهم مسؤولون تنفيذيون كوريون أرسلتهم “هيونداي” ليشرفوا على المشروع.

قال ثرستون: “يتناول عدد ممن أظنهم من الإدارة العليا طعامهم هنا الآن… عليّ أن أتعلم بعض اللغة الكورية بالتأكيد”.

- مساحة اعلانية-

وصل الإنفاق على بناء منشآت التصنيع في أنحاء الولايات المتحدة إلى 198 مليار دولار في أغسطس، بزيادة قدرها تقريباً 66% على أساس سنوي، وهي أعلى زيادة منذ بدأ مكتب التحليل الاقتصادي يرصد البيانات في الخمسينيات.

موجة النشاط هذه مدفوعة بقانونين وافق الكونغرس عليهما العام الماضي يقدمان مئات مليارات الدولارات سويةً على هيئة دعم وخصومات ضريبية وغيرها من الحوافز بغرض تعزيز بناء منشآت تصنيع الرقائق والمصانع التي تنتج السيارات الكهربائية والبطاريات والمكونات.

هذا مسعى واشنطن للحاق بالصين في إنتاج السيارات عديمة الانبعاثات، واستعادة الريادة في تصنيع أشباه الموصلات، وهو قطاع كانت الولايات المتحدة رائدته.

يعِد ازدهار المصانع في الولايات المتحدة بجلب الاستثمارات والوظائف عالية الدخل إلى مناطق في أمسّ الحاجة إليها. لكن مجيء الجرافات وأطقم العمال ذوي الخوذات يقترن أيضاً بمخاوف حول ما إذا كانت هناك بنية تحتية ملائمة لدعم المصانع الجديدة، ومخاوف حول تغير نسيج التجمعات السكانية المحيطة بالمنطقة.

سياسات بايدن

بخلاف جورجيا، قلة من الولايات تحصد منافع مسعى سياسات إدارة الرئيس جو بايدن في قطاع التصنيع، حيث تطرح الإدارة المحلية وحكومة الولاية تخفيضات ضريبية وأراضي دون مقابل وميزات أخرى لجذب الوظائف في قطاع التصنيع. وصف براين كيمب، حاكم الولاية، مصنع “هيونداي” في براين كاونتي بأنه أكبر استثمار في مرافق جديدة في تاريخ جورجيا.

تستثمر شركة “ريفيان أوتوموتيف” الناشئة لتصنيع المركبات الكهربائية خمسة مليارات دولار في مصنع يقع على مسافة 72 كيلومتراً شرقي أتلانتا ويُفترض أن يوظف 7500 عاملاً بحلول 2028.

هناك أيضاً التأثير المضاعف لموردي قطع غيار السيارات وأنشطة أخرى تنتقل إلى جورجيا، التي تشتهر بلقب ولاية الخوخ، لخدمة المصنّعين الذين يتجهون إلى المنطقة.

تتخلف الولايات المتحدة بشدة عن أسواق رئيسية أخرى في تبنّي المركبات الكهربائية، إذ إن السيارات الكهربائية بالكامل، إلى جانب تلك الهجينة، مثلت زهاء 9% من إجمالي سيارات الركاب التي بيعت في النصف الأول من 2023، مقارنة مع 27% في الصين، وفقاً لـ بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس.

يحصل الطلب الأميركي الآن على دفعة من طرح تخفيضات ضريبية اتحادية تصل إلى 7500 دولار على شراء المركبات الكهربائية الجديدة أو استئجارها، وذلك عبر قانون خفض التضخم الذي وقعه بايدن وبدأ العمل به في أغسطس 2022.

تسعى شركات تصنيع السيارات التي تبني مصانع في الولايات المتحدة إلى الانتقال من مرحلة وضع حجر الأساس إلى الافتتاح خلال زمن قياسي، وذلك كي تستفيد من الحوافز الضريبية، التي تمتد حتى نهاية 2032 لكنها عرضة للإلغاء إذا تحقق مبتغى بعض الجمهوريين، وأمضى أوسكار كوون، الذي استعانت به الشركة ليرأس المشروع في جورجيا، أربع سنوات في الهند ليساعد في افتتاح مصنع لشركة “كيا”.

أمام كوون ما يربو قليلاً على عامين لتشغيل المنشأة التي تقع قرب سافانا، وتساهم الولاية والبلديات من خلال تقديم 1.8 مليار دولار في صورة خصومات ضريبية وإعفاءات ضريبية على المبيعات ومشروعات لبناء الطرق، وذلك لتساعد على إحراز بعض التقدم.

قال تريب توليسون، الرئيس التنفيذي لهيئة التنمية الاقتصادية في سافانا: “إنه سباق. يحاول الجميع بذل قصارى جهدهم لطرح سياراتهم”.

وظائف جديدة

ستضغط طموحات “هيونداي” وشريكتها “إل جي إنرجي سوليوشن” (LG Energy Solution) على الموارد المحلية من العاملين والمياه وغير ذلك، ويقدّر مايكل توما، الاقتصادي في جامعة جورجيا الجنوبية، أن مصنع “ميتا بلانت” سيدعم 20 ألف وظيفة إجمالاً، أقل من نصفها بقليل في المصنع نفسه وخمسة آلاف وظيفة إضافية في شركات توريد قطع غيار السيارات وآلاف الوظائف في الأنشطة الخدمية المتصلة بها. يوازي كل ذلك 10% من إجمالي عمالة منطقة سافانا.

جمعت مجموعة من المقاطعات موارد لتبني منشأة ضخمة لمعالجة مياه الصرف الصحي استعداداً لتشغيل المصنع، لكن مسؤولين في براين كاونتي، التي يبلغ تعدادها السكاني نحو 48 ألف نسمة، يوقفون أعمال التطوير الأخرى، كي يتمكنوا من تقييم احتياجات البنية التحتية بشكل أفضل.

بعد ارتفاع الطلبات المقدمة لإعادة تقسيم المناطق الزراعية قرب موقع المصنع للسماح ببناء مخازن ومجمعات سكنية للأسر، صوّت المفوضون لصالح تعليق الموافقات مؤقتاً.

قالت أودرا ميلر، مديرة التنمية المجتمعية في براين كاونتي: “بإمكاني إخبارك أنني لن أحصل على مجمع شقق سكنية خلال الأشهر الـ18 المقبلة. نعم، سيكون هناك نمو. لكن هل سيتماشى تماماً مع موعد افتتاح مصنع (هيونداي)؟ هذا مستبعد”.

حتى لو اضطر عدد كبير من قوة العمل المستقبلية في “هيونداي” لقطع مسافات طويلة للذهاب إلى وظائفهم، يُرجح أن تشهد بيمبروك وبلدات أخرى قريبة منها تغيراً في شكل الحياة بمجرد افتتاح المنشأة.

هذا ما حدث في ويست بوينت بولاية جورجيا، وهي مدينة تجاور ولاية ألاباما ويقطنها 3700 شخص فتحت فيها “كيا” أول مصانعها في الولايات المتحدة في 2009، وكانت المنطقة يوماً ما تضم تجمعاً لعدة مصانع نسيج، لكنها شهدت تدهور الأوضاع في الثمانينيات والتسعينيات مع اتجاه الوظائف إلى الخارج.

قال العمدة ستيف تراميل إن البلدة لم تشهد إطلاقاً حركة بناء المساكن الجديدة التي توقعتها وذلك لأن شركات التطوير العقاري وجدت أن بناء منازل أغلى وأقرب لأتلانتا ينطوي على ربحية أكبر، ورغم ذلك، قال تراميل إن هناك ما لا يقل عن 10 آلاف شخص يقودون سياراتهم إلى مصنع “كيا” ومورديها يومياً، وأن “وسط المدينة يشهد ازدهاراً”.

استثمارات ضخمة

جورجيا، إلى جانب تينيسي وولايتي كارولينا الشمالية والجنوبية، هي جزء من الحزام الجديد لصناعة المركبات الكهربائية والبطاريات الذي بدأ يتشكل في الولايات المتحدة. لكن تحول صناعة السيارات إلى المركبات عديمة الانبعاثات يجذب الاستثمارات أيضاً إلى منطقة نطاق الصدأ القديمة.

في مقاطعة فاييت بولاية أوهايو، في موقع صناعي تضاهي مساحته مساحة 60 ملعباً لكرة القدم وتحيط به حقول فول الصويا والذرة، تستثمر “هوندا موتور” و”إل جي إنرجي سوليوشن” ما يصل إلى 4.4 مليار دولار في مصنع لبطاريات أيونات الليثيوم مهيأ لأن يبدأ الإنتاج خلال عامين.

قال جايمي جينتري، مستشار التطوير الاقتصادي الذي كان جزءاً من الفريق الذي تفاوض لإبرام الصفقة، إن المقاطعة أمضت عقدين تحاول جذب مصنع كبير وقد باءت محاولاتها بالفشل، لكن اهتمام شركات السيارات بتفقد مواقع لبناء المصانع ارتفع على مدى العامين السابقين.

وقال: “أعمل في هذا المجال منذ 22 عاماً، ولم أر شيئاً كهذا من قبل”.

أثار استثمار “هوندا” و”إل جي” المشترك موجة تهافت للحصول على الأراضي. قال جاريت بيشوب، المطوّر في مدينة واشنطن كورت هاوس، وهي مقر إدارة المقاطعة، إن كل شققه في المنطقة مستأجرة منذ مجيء عمال البناء، ويعتزم بيشوب بناء مزيد من الوحدات السكنية على 150 فداناً من الأراضي الزراعية التي اشتراها.

جيسون لانغلي، وهو صاحب نشاط للعقارات والمزادات يُديره من مسرح بُني في عشرينيات القرن الماضي، متفائل بأن تدفق الأنشطة الجديدة سيساهم في إنعاش واجهات المتاجر في وسط المدينة. قال: “أحب فكرة أن الناس سيمكنهم أن يمكثوا هنا ويحظوا بوظائف أجرها مرتفع، وأنهم لن يحتاجوا لقيادة سياراتهم إلي خارج الولاية أو للانتقال منها”.

قالت مارشا أرنولد، إحدى مالكي مطعم “ورنرز سموكهاوس باربيكيو” في مدينة جيفرسون المجاورة، إنه لولا مصنع البطاريات، لم تكن ستستطيع هي وشركاؤها إعادة فتح المطعم بعدما أغلقوه في مارس 2022.

وقالت: “سيكون الأمر جيداً لنا وللمجتمع. ثمة مستقبل سيأتي مصحوباً بتحديات أيضاً، لكننا سنتمكن من اجتياز كل ذلك”.

نمو اقتصادي

لا يتضح عدد العمال الذين سينتقلون للسكن في المنطقة بدلاً من قطع مسافات طويلة من مدن مجاورة، مثل سينسيناتي وكولومبوس ودايتون، التي تقع كلها على مسافة أقل من ساعة بالسيارة، لكن بوب بيترسون، وهو مزارع ومفوض سابق في مقاطعة فاييت وهو الآن نائب عن الولاية، قال لا يمكننا أن نتخيل حجم التغيرات المقبلة.

يقلق السكان المحليون من أن يفقدوا طابع المنطقة الريفي، لكن بيترسون قال: “لا بد لنا من النمو الاقتصادي. لا بد من وجود وظائف. لا يمكن للجميع أن يعودوا إلى الزراعة”.

قد يسمي البعض ذلك تقدماً، لكن جين باومغاردنر ليس منهم، وزرع باومغاردنر الذرة وفول الصويا والقمح على مدى 20 عاماً على مساحة ثلاثة آلاف فدان على بُعد نحو ثمانية كيلومترات من مصنع “هوندا” و”إل جي”.

وقال: “نحن كمزارعين ندير قطاعاً، ولا أرى لِم علينا التخلي عن قطاع لصالح آخر”.

مساهمة “هوندا

قال توني أندرسون، وهو مفوض بمقاطعة فاييت، إن مسؤولين محليين التقوا بنظرائهم في يونيون كاونتي، التي تقع على بُعد نحو 100 كيلومتر شمالاً، في مارس ليستشرفوا ما يمكنهم توقعه. افتتحت “هوندا” مصنعاً للدراجات النارية هناك في 1979، وهو أول مشروعاتها للتصنيع داخل الولايات المتحدة، وأضافت مصنعاً لتجميع السيارات في 1982.

ساعد وجود “هوندا” منذ فترة طويلة في أوهايو، حيث تملك الآن خمسة منشآت إجمالاً، الشركة لتحصل على حوافز من الولاية قدرها 156 مليون دولار لإنشاء مصنع البطاريات الجديد، بما يشمل عشرات الملايين من أجل تحديث مرافق النقل والمياه، بالإضافة إلى 237 مليون دولار على هيئة منح من كيان التنمية الاقتصادية الخاص في أوهايو.

وتتضاءل تلك المبالغ مقارنة بالامتيازات التي يبلغ حجمها 2.1 مليار دولار التي وعدت سلطات الولاية بتقديمها إلى شركة “إنتل”، التي تحول منطقة شرقي كولومبوس إلى مركز عملاق لإنتاج أشباه الموصلات.

توظف “هوندا” والشركات التابعة لها نحو ثمانية آلاف عامل في يونيون كاونتي، وفقاً للمسؤول الإداري بيل ناردوتشي، وارتفع عدد سكان المقاطعة بثبات منذ بدأت شركة تصنيع السيارات اليابانية العمل في أميركا، فزاد من 29400 في 1979 إلى قرابة 67 ألف اليوم.

تضم المنطقة شركات من تسعة دول، توظف مجتمعةً نحو 40% من العاملين هناك.

وقال ناردوتشي: “الاقتصاد مختلف كثيراً اليوم عما كان عليه آنذاك من حيث قوة العمل، وهذا كفاح أعتقد أن كل تجمع سكاني يعانيه”.

أثر انتخابي

التقى ريك ريغل، مدير عمليات مشروع “هوندا” و”إل جي إنرجي” المشترك، بمسؤولين محليين وبعض السكان للتعامل مع أي مخاوف. قال: “لا ننوي تغيير المجتمع. نحن نريد أن نتفاعل وننمو معه”.

يعول بايدن والديمقراطيون على تحقيق مكاسب في انتخابات عام 2024، عبر المصانع الجديدة في أوهايو وغيرها من الولايات التي قد تكون متأرجحة.

“هيونداي” و”إل جي” تخططان لإنشاء مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في أميركا

لكن مقاطعة فاييت صوّتت لصالح دونالد ترمب في مواجهة بايدن بنسبة 75% في 2020، ويشكك جيف هوبس، وهو تقني معدات الزراعية يشغل منصب أمين بلدة جيفرسون منذ 22 عاماً، في أن مشروع “هوندا” و”إل جي” سيساهم في تحول الموالين للحزب الجمهوري في المنطقة عنه.

وقال: “أي شخص يصوت لصالح بايدن في هذه المقاطعة لابد أن يكون ديمقراطياً شديد الولاء”.

تبيّن أرقام جمعها البيت الأبيض لمشروعات الاستثمار الخاص المعلن عنها منذ تولي بايدن منصبه، عن التزامات حجمها 139 مليار دولار لقطاع المركبات الكهربائية والسيارات على مستوى البلاد، و231 مليار دولار لأشباه الموصلات والإلكترونيات.

وقالت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم، إنه إذا لم تكن التجمعات السكانية ترى المنافع بعد، فذلك بسبب أن عديداً من المشروعات لم تبدأ أو ما زالت في مراحل تشييدها الأولى.

أدلت غرانهولم بهذه التصريحات لـ بلومبرغ بزنس ويك أثناء وضع حجر الأساس في أغسطس لمشروع توسيع مصنع لإعادة تدوير البطاريات بتكلفة 250 مليون دولار في لانكاستر بولاية أوهايو، وهو مشروع أضحى ممكناً من خلال منح اتحادية.

وقالت غرانهولم: “عليهم أن يعرفوا أن هذا يحدث فعلاً، وأن الأمر ليس مجرد حديث بين السياسيين، لكنه أمر يحدث بالفعل في مجتمعاتهم. أعتقد أن الأمر سابق لأوانه قليلاً، لأن الناس لم تره بعد”.

المصدر: Bloomberg Business week

شارك هذه المقالة
ترك تقييم