خاضت القوات المسلحة السودانية وقوات “الدعم السريع”، الجمعة، اشتباكات عنيفة في أجزاء من مدينة بحري في الخرطوم، في وقت حذرت الأمم المتحدة من “حرب أهلية شاملة” في السودان، ستكون لها “تداعيات أكبر” على المنطقة والدول المجاورة.
ونقلت “رويترز” عن سكان بشمال مدينة بحري قولهم إنهم استيقظوا في الصباح الباكر على صوت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، وتركزت الاشتباكات فيما يبدو حول جسر الحلفايا.
وقال سكان من بحري، إنهم سمعوا دوي ضربات جوية، وقذائف مدفعية، وأعيرة نارية، استمرت إلى ما بعد الظهيرة.
وكشف مصدر عسكري للوكالة، أنَّ الجيش نجح في طرد قوات “الدعم السريع” من أحياء في أقصى شمال المدينة، بحسب “رويترز”.
حرب بيانات
وقال الجيش السوداني في بيان، إنه نفذ عمليات برية في المدن الثلاث في العاصمة، وإن تلك العمليات “نجحت”.
واعترف الجيش بتكبده بعض الخسائر في بحري، لكنه وصف الأرقام التي أعلنتها قوات “الدعم السريع” عن خسائره، بأنها مبالغ فيها.
لكن قوات “الدعم السريع” زعمت في بيان، أنها استطاعت هزيمة قوات الجيش، وقتل المئات من أفرادها.
وبحسب رواية “الدعم السريع” فإنَّ الجيش “حاول الهجوم على مواقع تمركز قوات الدعم السريع بمدينة بحري بمحورين من ناحية (حطاب)، والآخر باتجاه جسر الحلفايا، مع حجب كامل لشبكة الإتصالات”.
وقالت قوات “الدعم السريع” إنها تمكنت من التصدي للقوات المهاجمة، “وسحقها بالكامل والاستيلاء على 130 مركبة بكامل عتادها، إلى جانب الاستيلاء على عدد من الآليات العسكرية”.
كما تحدثت قوات “الدعم السريع” عن أسر العشرات من أفراد الجيش، منهم ضابط برتبة عميد ركن، بحسب ما جاء في البيان.
نزوح مدنيين
ووفقاً لـ”رويترز”، أفاد سكان في ولاية الخرطوم الأوسع نطاقاً، بانقطاع الاتصالات لعدة ساعات خلال الصباح. كما أفاد شهود بوقوع اشتباكات أيضاً حول قاعدة للجيش في جنوب الخرطوم.
وبينما ركزت قوات “الدعم السريع” على الانتشار بسرعة في أنحاء العاصمة في أول أيام القتال، ركز الجيش على الضربات الجوية والمدفعية، التي لم تسهم إلا بالقليل في تغيير المشهد. ونفذ الجيش مزيداً من العمليات البرية في الأسابيع القليلة الماضية، وبالتحديد في أم درمان.
وتسبب القتال في نزوح مدنيين من ولاية الخرطوم، التي تتكون من مدن الخرطوم وبحري وأم درمان.
إلى ذلك، كشف والي ولاية النيل الأبيض عمر الخليفة عبدالله إبراهيم لـ”الشرق” عن استضافة الولاية لأكثر من مليون لاجئ ونازح.
وأشار إلى أن الولاية قامت بتكوين لجان مشتركة مع ولاية أعالي النيل لتنسيق العودة الطوعية للنازحين إلى ديارهم، مضيفاً أن “حركة الترحيل والبضائع سهلة ومنسابة، ونحن على تواصل مع ولاية البحر الأحمر ولجان الطوارئ هناك”.
حرب أهلية
وبالتزامن مع هذه اشتباكات مدينة بحري، حذَّر المبعوث الأممي إلى السودان فولكر بيرتس، الجمعة، من أن البلاد تواجه ما وصفه بكارثة إنسانية، وتقف على شفا “حرب أهلية شاملة”.
ونقلت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، في بيان، عن بيرتس قوله إنَّ “ما بدأ كخلاف بين جنرالين، على وشك التحول إلى صراع أيديولوجي عرقي، مما يجعله أقرب بكثير إلى حرب أهلية شاملة”.
وأضاف “بمجرد أن يتحول الصراع إلى حرب أهلية ذات جبهات متعددة وتتشرذم البلاد، يصبح إيقافه أكثر صعوبة مع تداعيات أكبر على المنطقة. كما أننا نرى خطر انجرار الدول المجاورة إلى الصراع”.
وأكد بيرتس أن تفتيت البلاد “لن يكون مجرد انهيار داخلي، بل سيكون انفجاراً يؤثر على العديد من البلدان المجاورة”.
وقال بيرتس إنه لا ينبغي للمجتمع الدولي “أن يقف مكتوف اليدين وأن يراقب فقط”، مشدداً على أهمية دعوة طرفي الصراع إلى وقف إطلاق النار فوراً، منبهاً إلى أن “وقف الأعمال العدائية سيسمح ببدء عملية سياسية. لم نصل إلى هناك بعد”.
واعتبر أن أوروبا ستلعب بالتأكيد دوراً في محادثات السلام وجهود إعادة الإعمار المستقبلية، قائلاً: “من المهم أيضاً أن توضح الجهات الفاعلة الدولية، أنه مع جميع الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في الأشهر الثلاثة الماضية، يجب أن تكون هناك مساءلة”.
وانزلق السودان إلى هاوية الاقتتال بين الجيش و”الدعم السريع” في 15 أبريل الماضي، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية، كان من المفترض أن تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية.
كارثة إنسانية
على صعيد الوضع الإنساني، أكد الممثل الأممي على الحاجة إلى “زيادة المساعدات الإنسانية داخل البلاد، وكذلك في البلدان المجاورة مثل تشاد ومصر وجنوب السودان وإثيوبيا”.
وقال بيرتس: “لكون أوروبا مانحاً إنسانياً رئيسياً، من المهم إطلاعها على مجريات الأمور، لأن الاحتياجات في السودان هائلة”.
وتطرق المسؤول الأممي إلى ما سماها “انتهاكات” حقوق الإنسان في السودان، في ضوء الصراع الدائر هناك منذ ثلاثة أشهر. وقال: “السودان أصبح كارثة إنسانية مرة أخرى. انتهاكات حقوق الإنسان تبدأ من القتل والاغتصاب والنهب أينما كان القتال، وفي بعض الأحيان حيث لم يحدث القتال، إلى التطهير العرقي في ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة”.
وذكر بيان البعثة الأممية أنه “لسوء الحظ لا يوجد حل سياسي في الأفق”، معتبراً أن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) “ما زالا مصممين على القتال”.
كانت “المحكمة الجنائية الدولية” عبّرت الخميس، عن قلقها الشديد مما وصفته بـ”تدهور الحالة الأمنية” في السودان جراء الصراع.
وأكد المدعي العام للمحكمة كريم خان في تقرير إلى مجلس الأمن، على أن ولاية مكتبه “لا تزال سارية، ويمكن التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المزعومة التي ارتكبت خلال الأعمال العدائية الحالية، ضمن اختصاص المحكمة ومقاضاة مرتكبيها”.
وأضاف: “تماشياً مع هذه الولاية، يجري المكتب حالياً تحقيقات في ما يتعلق بالحوادث التي وقعت في سياق الأعمال العدائية الحالية”.
وتأتي الاشتباكات الجديدة بعد يوم من ترحيب كلا الطرفين بجهود وساطة جديدة تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة منذ ثلاثة أشهر.
ولم تنجح جهود وساطة إقليمية ودولية حتى الآن في إنهاء القتال. وجرت أحدث محاولة وساطة في مصر الخميس. ورحب الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع” بجهود الوساطة.
احتجاز وتعذيب
وفي سياق متصل، قالت منظمات ونشطاء معنيون بالدفاع عن حقوق الإنسان في السودان لـ”رويترز” الجمعة، إن لديهم أدلة على أن قوات “الدعم السريع” احتجزت أكثر من 5000 شخص “في ظروف غير إنسانية” بالعاصمة الخرطوم، وهو ما نفته القوات شبه العسكرية، مؤكدة أنها “لا تحتجز سوى أسرى حرب”، وأنهم “يلقون معاملة حسنة”.
وقالت المنظمات التي طلبت عدم نشر أسمائها مخافة أن تتعرض لأعمال انتقامية، إن ثمة مقاتلين بين المحتجزين في عدة أماكن في أنحاء الخرطوم، لكن من بينهم أيضاً 3500 مدني، منهم نساء ورعايا أجانب.
وأضافت مجموعة المنظمات، أنها ستقدم للأمم المتحدة توثيقاً لحالات وفاة جراء التعذيب، بالإضافة إلى “المعاملة المهينة واللاإنسانية والحاطة بالكرامة الإنسانية في ظروف اعتقال مهينة لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة”.
من جهتها، نفت قوات “الدعم السريع” في تصريحات لـ”رويترز” هذا الأمر، مشيرة إلى أنها تقارير “غير صحيحة”.
وأفادت المجموعة شبه العسكرية بأن “المنظمات تغض الطرف عن انتهاكات الجيش لحقوق المدنيين من قصف بالطيران والمدفعية الثقيلة والاعتقالات وتوزيع السلاح للمدنيين”.
إدانة أوروبية
من جهته، أدان الاتحاد الأوروبي، الجمعة، سقوط ما لا يقل عن 87 شخصاً في ولاية غرب دارفور السودانية، يُعتقد أنهم لقوا حتفهم على يد قوات “الدعم السريع” وجماعات مسلحة متحالفة معها.
ودعا الاتحاد الأوروبي في بيان، جميع أطراف الصراع في السودان، إلى السماح بالبحث عن جثث الضحايا وانتشالها.
يأتي ذلك بعدما أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الخميس، العثور على مقبرة جماعية تضم جثث ما لا يقل عن 87 شخصاً من “عرقية المساليت” وعرقيات أخرى، خارج مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور.
وقالت المفوضية في بيان إنه “يُزعم” أن هؤلاء الأشخاص “قتلوا بواسطة قوات الدعم السريع” وعناصر موالية لها، تنفيذاً لأوامر من “الدعم السريع”، بحسب معلومات موثوقة حصل عليها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
حل سلمي
وعلى صعيد الصراع الذي يشهده السودان منذ ثلاثة أشهر، ندد الاتحاد الأوروبي بما اعتبره عدم سعي الجيش وقوات “الدعم السريع” إلى التوصل لحل سلمي، مؤكداً ضرورة التوسط في وقف دائم لإطلاق النار من دون تأخير “لضمان حماية الشعب السوداني”.
كما حض الاتحاد في بيانه، على ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الدولي في السودان.
وشدد على أن جميع الأطراف السودانية ملزمة بالتعاون مع التحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية في “هذه الفظائع، وكل الجرائم المرتكبة أثناء الأعمال القتالية الحالية ضمن اختصاص المحكمة”.
المصدر: الشرق