تُجرى حاليا في مستشفى أبردين الملكي باسكتلندا (Aberdeen Royal Infirmary) تجربة لمعرفة ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي مساعدة أطباء الأشعة الذين يفحصون الآلاف من صور أشعة الثدي (“الماموغرام”) كل عام للكشف عن الإصابة بسرطان الثدي.
هذه التجربة ساعدت في اكتشاف إصابة السيدة جوون – وهي عاملة بالمجال الصحي وإحدى المشاركات في الدراسة – بمرحلة مبكرة من سرطان الثدي، وهي تستعد الآن للخضوع لجراحة لاستئصال أحد ثدييها.
يستخدم جهاز الماموغرام مستوى منخفضا من الأشعة السينية لاكتشاف الإصابة بسرطان الثدي، من خلال رصد أي تغيرات يصعب الشعور بها أو رؤيتها لكونها متناهية الصغر.
ووفقا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (NHS)، تساعد صور أشعة الماموغرام في إنقاذ حياة 1300 امرأة كل عام.
وفي حين أن عدد النساء اللاتي يخضعن لفحص سرطان الثدي الروتيني بعد تلقي دعوة من الهيئة قد شهد ارتفاعا في اسكتلندا خلال الأعوام الثلاثة التي سبقت عام 2022، فإن عدد أطباء الأشعة الذين يفحصون النتائج آخذ في الانكماش.
يشار إلى أن تقنية الذكاء الاصطناعي، التي تتضمن تنفيذ أجهزة الكمبيوتر لمهام بعينها تتطلب في العادة ذكاء بشريا، تُستخدم حاليا بالفعل على نطاق واسع في عدد من الصناعات.
وفي حين تصدرت مؤخرا تصريحات لخبراء بارزين في هذا المجال أعربوا فيها عن مخاوفهم من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فناء البشرية – عناوين الأخبار، فإن التطبيقات الأكثر عملية للتقنية أثبتت بالفعل فعاليتها في القطاع الصحي.
وتعني إمكانية تسريعها لعملية اكتشاف الأمراض وتصنيع الأدوية أن العديد من العلماء والأطباء ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة قوية وناجعة يمكنها أن تساعد المتخصصين بدلا من أن تحل محلهم.
ووفقا لبيانات الصحة العامة في اسكتلندا، فإن عدد حالات الإصابة بسرطان الثدي التي تم رصدها من خلال أشعة الماموغرام للنساء من كافة الأعمار ارتفع إلى 1830 حالة بين عامين 2021 و2022 في اسكتلندا.
ومن بين متوسط 5000 سيدة يراجع أطباء الأشعة نتائج فحوص الماموجرام التي تجرى لهن كل عام، يتم إعادة فحص ما بين 250 و300 منهن، ومن بين هؤلاء تكون نحو 30 إلى 40 سيدة في حاجة إلى إجراء المزيد من الفحوص الدقيقة أو العلاج.
يقول الدكتور جيرارد ليب المدير الطبي لبرنامج فحوص سرطان الثدي بشمال شرق اسكتلندا إن “هناك فرصة للإخفاق في اكتشاف بعض حالات الإصابة بالسرطان بسبب هذا العدد الكبير”.
وتمت الإشارة إلى مشروع GEMMINI – وهو مشروع مشترك بين هيئة الخدمات الصحية الوطنية وجامعة أبردين والقطاع الخاص بهدف فهم تأثير استخدام الذكاء الاصطناعي على فحوص سرطان الثدي – في استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي دشنتها اسكتلندا في عام 2021.
وقد طورت شركة خيرون مديكال تكنولوجيز Kheiron Medical Technologies نموذجا للذكاء الاصطناعي أطلقت عليه اسم “ميا” (Mia)،وهو النموذج الذي استخدم في تجربة مستشفى أبردين، ووفرت شركة مايكروسوفت خدمات الحوسبة السحابية اللازمة لدعمه.
وحيث إن القواعد المطبقة في الوقت الحالي والتي وضعتها لجنة الفحوص الطبية الوطنية تحظر الاستخدام التلقائي للذكاء الاصطناعي في الفحص الطبي، فإن الدكتور ليب وغيره من أطباء الأشعة يجربون حاليا استخدامه كفحص إضافي في المرحلة النهائية لمراجعة فحوص الماموغرام.
وقد أجريت لجوون، وهي إحدى المشاركات في التجربة والتي خضعت لجراحة متعلقة بسرطان الثدي من قبل، عملية استئصال نسيج من الثدي بعد أن أخبرها الدكتور ليب كيف ساعدت أداة الذكاء الاصطناعي في رصد تغير مثير للقلق.
وقد شرح الدكتور ليب لبرنامج بي بي سي كليك كيفية عمل تقنية الذكاء الاصطناعي باستخدام نتائج فحص ماموغرام لسيدة بدون الكشف عن هويتها.
“ما نراه الآن هو عبارة عن صورتي ماموغرام أخذتا من الجانب الأيمن والجانب الأيسر، وما نبحث عنه هو الاختلافات”.
ومن خلال الضغط على زر، يستطيع أطباء الأشعة رؤية وفحص الاختلافات التي رصدها الذكاء الاصطناعي بين الصورتين.
وأشار الدكتور ليب إلى منطقة أحاطها برنامج الذكاء الاصطناعي بدائرة، وحددها على أنها المنطقة الرئيسية المثيرة للقلق.
وأضاف: “عند إجراء الفحوص، الهدف هو تحديد المشكلات في مهدها وقبل أن تتفاقم”.
بعد بضعة أسابيع من استئصال عينة من نسيج الثدي، أخبرت جوون برنامج كليك بأن استخدام الذكاء الاصطناعي عوضا عن شخص ثان جعل العملية تبدو أقل اقتحاما للخصوصية.
وقالت جوون: “أنت تعلم أن الصور معروضة على الشاشة، وأن أشخاصا ينظرون إليها. أما عندما يستخدم الذكاء الاصطناعي، يختفي ذلك الشعور بأن شخصا ما ينظر إلى تلك الصور”.
وقد أشارت نتائج فحص عينة نسيج جوون إلى أنها بحاجة إلى الخضوع إلى الجراحة مرة ثانية.
أضافت جوون: “أظهر فحص النسيج أنني مصابة بالسرطان في مراحله الأولى، فمن المؤكد أنهم رصدوه في مرحلة أبكر هذه المرة. ولأنني لدي تاريخ سابق [مع السرطان]، فإنني سوف أخضع لجراحة استئصال الثدي”.
“إنه ليس العلاج الذي أريده، لكن في الوقت ذاته من المطمئن أنه تم اكتشاف الإصابة”.
“نقص مزمن في أطقم العمل“
أشارت مراجعة موسعة لبرنامج فحص سرطان الثدي في اسكتلندا نشرت العام الماضي إلى أن عددا هائلا من أطباء الأشعة اقتربوا من سن التقاعد أو بلغوه بالفعل.
وذكرت أن انخفاض عدد أطباء الأشعة ذوي المهارات العالية الذين يُعتمد عليهم في مراجعة عدد كبير للغاية من النتائج يعني المجازفة بترك ذلك القسم في “وضع هش”.
كما نبهت الكلية الملكية لأطباء الأشعة إلى أن المملكة المتحدة تواجه “نقصا مزمنا في أطقم العمل”، حيث يضطر المرضى حاليا إلى الانتظار لفترات أطول مما ينبغي قبل إجراء فحوص أو تلقي علاجات السرطان الضرورية.
ونظرا إلى أن هناك حاجة إلى اثنين من أطباء الأشعة لقراءة النتائج وكتابة تقارير حولها، فإن المراجعة التي أجرتها الحكومة الاسكتلندية ذكرت أن إحلال الذكاء الاصطناعي محل قارئ بشري بإمكانه تنفيذ نصف المهمة المتمثلة في قراءة حوالي 1.72 مليون صورة أشعة سنويا”.
لكن هل يمكن للتقنية التي تختبرها مستشفى أبردين حاليا أن تحل محل البشر؟
يقول الدكتور ليب: “في رأيي أن الهدف من ذلك التقييم هو تحديد أفضل وسيلة يمكننا من خلالها الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، سواء تمثلت في أن يحل محل واحد من أطباء الأشعة، أو القيام بعملية قراءة جزئية لبعض أشعة الماموغرام الطبيعية، أو أن يقوم بدور شبكة أمان هدفها تحسين عملية رصد السرطان”.
ويقول بيتر كيسكيميثي المؤسس المشارك لشركة خيرون إن التقنية سوف تستخدم من قبل أكثر من 30 إدارة تابعة لهيئة الخدمات الصحية عبر مختلف أنحاء المملكة المتحدة، وسوف يكون بإمكان الملايين من الأشخاص الاستفادة منها.
وحيث إن بعض الإدارات الصحية في إنجلترا تعكف حاليا على دراسة كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لإعطاء نتائج أفضل وأسرع لمريضات سرطان الثدي، يبدو أن التقنية سوف تواصل لعب دور كبير في مساعدة الأطباء على إنقاذ حياة المريضات.