حظيت أكبر مجموعتان في العالم لصناعة الطائرات بصفقات غير مسبوقة مع شركات طيران هندية خلال معرض “لو بورجيه” الدولي للطيران في فرنسا، إذ تعاقدت الشركات الهندية مع مجموعة الطيران الأوروبية “إيرباص” ونظيرتها الأميركية “بوينغ” على شراء ما يصل إلى 1000 طائرة بداية من العام الحالي ولسنوات عدة مقبلة.
وتسعى نيودلهي إلى تطوير السفر الجوي الداخلي فيها ضمن إستراتيجية تطوير النقل والمواصلات، إذ تستعد الحكومة الهندية لإنشاء نحو 100 مطار في أنحاء البلاد خلال العام المقبل 2024.
وتأتي صفقات الطائرات غير المسبوقة التي تصل قيمتها إلى نحو 70 مليار دولار، في وقت زادت التوقعات بانتعاش الطلب على السفر الجوي عالمياً، خصوصاً الرحلات القصيرة والسفر لغير أغراض العمل.
ربما تكون الصفقات غير المسبوقة لمجموعة “إيرباص” مع شركات الطيران الهندية تعزيزاً لإستراتيجيتها الإنتاجية، خصوصاً بعد فترات الإغلاق وانهيار السفر الجوي تقريباً خلال أزمة وباء كورونا.
أما “بوينغ” الأميركية، فربما تساعدها تلك الصفقات على تجاوز مشكلاتها الحالية نتيجة التعثر، خصوصاً بالنسبة إلى طراز “737 ماكس”.
وأعلنت “بوينغ” في بيان أول من أمس الثلاثاء على هامش معرض “لو بورجيه”، توصلها نهائياً إلى طلبيات 220 طائرة لشركة “إير إنديا”، مع خيارات تتيح شراء 70 طائرة أخرى، كما توصلت الشركة الهندية إلى اتفاق مماثل مع مجموعة “إيرباص” لشراء 250 طائرة.
وقبل ذلك بـ24 ساعة قدمت شركة “إنديا غو” للطيران منخفض الكلفة طلب شراء إلى مجموعة “إيرباص” الأوروبية لشراء 500 طائرة من طراز “أي 320” لتكون أكبر صفقة شراء طائرات على الإطلاق.
صفقات غير مسبوقة
إلى ذلك تسارع نيودلهي سواء من قبل شركات الطيران أو الحكومة لتطوير مجال السفر الجوي الداخلي من خلال توفير المطارات الإقليمية وزيادة شركات تسيير الرحلات الداخلية وبأسعار معقولة، مما يجعل الجمهور يعتاد على التنقل جواً.
وفي تعليقه على صفقات شركته، قال الرئيس التنفيذي لـ”إير إنديا” كامبل ويلسون إن “الصفقات ستجعل شركته تستخدم أكثر الطائرات المتقدمة وعالية الكفاءة من ناحية استهلاك الوقود”.
ويرى أنه “خلال خمسة أعوام سيتعزز الوضع الدولي للهند في مجال الطيران والسفر الجوي”، مضيفاً “نفخر بأن نعمل مع شركائنا جميعاً، بما فيهم ’إيرباص‘ على هذا المسار لإعادة بناء شركة طيران دولية تعكس الوضع عالي الثقة الذي تتبوأه الهند على الساحة الدولية”.
أما الشركات التي تعاقدت معها “إير إنديا”، فكانت تصريحاتها في السياق ذاته تقريباً، إذ قال مصدر في القطاع التجاري لشركة “إيرباص” إن “التوسع الهندي في قطاع الطيران أحد أكثر المشاريع طموحاً في مجال قطاع السفر الجوي حاليا”، بينما قال الرئيس التنفيذي لشركة “بوينغ” ستان أي ديل إن “الصفقة مع الشركة الهندية تظهر ثقتها بمنتجاتنا وخدماتنا في سوق الطيران العالمي الذي ينمو بسرعة”.
وتعليقاً على الصفقات بحسب ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، فإن مجموعة “إيرباص” هي المستفيد الأكبر، إذ يقول محلل شؤون الطيران في شركة “بويد غروب إنترناشيونال” مايك بويد إن “إيرباص لديها الآن أفضل طرز الطيران في السوق”، مستدركاً “لكن المجموعة تواجه اختناقاً في قدراتها الإنتاجية مع الطلبيات المتأخرة”.
ويرى بويد أنه “ربما لم تتمكن إيرباص من تلبية كل طلبيات الشركات الهندية فذهبوا إلى بوينغ”، معتبراً أن الصفقة يمكن أن تساعد الشركة، لكنه أشار إلى أنها “في تراجع بالفعل”، قائلاً “لم يكن مستغرباً أنه حتى مع الإعلان عن الصفقة الكبيرة، أن ينخفض سهم بوينغ في البورصة الأميركية بنسبة ثلاثة في المئة أول من أمس”.
تطوير الطيران الهندي
في غضون ذلك أعلنت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيذرامان أن “الحكومة تخطط لافتتاح 100 مطار جديد في البلاد خلال العام المقبل 2024، مما يمكن أن يضاعف أسطول الطيران في البلاد من 600 طائرة إلى 1200 طائرة”، مضيفة أن “حكومتها تسعى إلى جعل السفر بالطيران عبر شبكة جديدة من المطارات الإقليمية أسهل وأرخص، لذا بدأت هذا المشروع الطموح ضمن مشاريع تطوير البنية التحتية لسبل السفر والنقل في البلاد”.
ويبدو واضحاً من تفاصيل الصفقات أن الشركات الهندية تشتري أساطيل جديدة ليس للعمل على الوجهات الداخلية أو الإقليمية القصيرة فقط، إنما تستهدف أيضاً الرحلات الطويلة لوجهات عالمية، خصوصاً شركة “إير إنديا”.
وتشمل صفقة “إير إنديا” مع “بوينغ” شراء 199 طائرة من طراز “737 ماكس” و20 طائرة من طراز “787 دريملاينر”، إضافة إلى 10 طائرات من طراز “777 إكس” مع خيارات شراء 50 طائرة أخرى من الطراز نفسه.
أما طلبية الشركة الهندية من “إيرباص”، فتشمل 210 طائرات من طراز “أي 320 نيو” وطراز “أي 321 نيو” الأضيق مساحة، إضافة إلى 40 طائرة من طراز “أي 350” الكبيرة، على أن تبدأ مجموعة “إيرباص” بتسليم الطائرات الكبيرة من طراز “أي 350” العام الحالي.
وحددت صفقة “إيرباص” مع شركة “إنديا غو” موعد تسليم الطائرات مطلع العقد المقبل، بينما لم تعلن “بوينغ” مواعيد تسليم الطائرات التي تعاقدت عليها مع الشركة الهندية.
وتنتج “إيرباص” حالياً طائرات بمعدل 65 طائرة شهرياً ولديها طلبيات تغطي الإنتاج حتى عام 2029، لكن المجموعة تستهدف زيادة قدراتها الإنتاجية إلى 75 طائرة شهرياً بحلول عام 2026.
انتعاش القطاع
الطموح الهندي على مستوى الحكومة والشركات يتزامن مع رفع مؤسسات دولية من تقديراتها لنمو الطلب العالمي على السفر الجوي حول العالم.
ففي تقرير حديث رجحت مؤسسة “ستاندرد أند بورز” استمرار نمو الطلب على السفر الجوي الحالي حتى العام المقبل أيضاً، خصوصاً في مجال الرحلات القصيرة أو الرحلات الترفيهية.
في المقابل لم يتوقع التقرير أن يتعافى الطلب على السفر الدولي للرحلات الطويلة أو السفر لأغراض الأعمال بالقدر ذاته، على رغم أنه اعتبر العام الحالي 2023 العام الأول بعد أزمة وباء كورونا الخالي تماماً من كل قيود السفر التي فرضت خلال الجائحة، خصوصاً بعد إلغاء الصين كل قيود الإغلاق مطلع هذا العام.
ومع عودة مستويات السفر الجوي للرحلات الداخلية والقصيرة تقريباً لمستويات ما قبل أزمة “كوفيد-19″، تشير بيانات الاتحاد الدولي للسفر الجوي (أياتا) إلى أن الرحلات الطويلة في أوروبا وأميركا تظل عند نسبة 87 في المئة من المستوى الذي كانت عليه عام 2019 قبل أزمة الوباء، وذلك في مقابل أن طيران الرحلات القصيرة قد يصل بالفعل هذا العام إلى نسبة 95 في المئة من مستويات السفر في 2019.
أما السفر لغرض العمل بحسب بيانات “أياتا”، فيظل عند مستوى 70 في المئة مقارنة بما كان عليه قبل أزمة وباء كورونا، متوقعة أن يظل السفر لغرض العمل أقل من معدلاته في 2019 بنسبة ما بين 15 و20 في المئة حتى العام المقبل 2024.
ويبدو أن شركات طيران كبرى وسريعة النمو من دول خارج أوروبا وأميركا يمكنها الاستفادة من نافذة النمو المتوقع في السفر الجوي لأن شركات الطيران الأوروبية والأميركية ما زالت في مرحلة “ضبط دفاترها” نتيجة تبعات أزمة وباء كورونا، وربما لهذا السبب انطلقت الهند في هذا الهدف الطموح بصفقات الطائرات وبناء المطارات.