يواجه الاقتصاد المغربي تهديدات متزايدة، في ظل استمرار موجة الجفاف الأعنف في القرن الحالي، التي لم تشهدها البلاد منذ ما يتجاوز الـ 40 عاماً، بحسب تقدير الخبراء.
وقبل الأزمة الحالية، غطت المساحات الخضراء المزروعة، ما يربو على ربع مساحة المملكة الإجمالية، وهي المساحة التي لها أهمية خاصة في الاقتصاد المغربي، إذ تشكل نحو 14 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي، وكذلك توفر دخلاً ثابتاً لنحو 40 بالمئة من سكان المملكة.
أزمة ضخمة
يوضح محمد جدري، الخبير والمحلل الاقتصادي المغربي، أنّ الأمن الغذائي في المغرب، يواجه تحديات كبيرة تخص أزمات القطاع الزراعي، التي وصفها بأنها ذات أبعاد مترامية، ومستمرة خلال السنوات القليلة الماضية، أبرزها: ارتفاع معدلات التضخم العالمية، وتكرار مواسم الجفاف، التي لم تمر بها البلاد منذ عدة عقود.
ويضيف في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه يجب التعلم من دروس الفترة الماضية، لكي يواصل القطاع الزراعي دوره الاقتصادي المهم في توفير عملات أجنبية للبلاد، بجانب فرص العمل التي تتوفر نتيجة لزيادة التوسعات، مع تحقيق أهداف الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، مثل: اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والخضروات والفواكه.
ويرى جدري أنّه أصبح من الصعوبة بمكان الوصول لهذه الأهداف، من دون خطوات وإجراءات محددة، تتواكب مع المتغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، والتي يُجملها في الآتي:
● زيادة المساحات المزروعة، وتحديداً بالمحاصيل التي تُستهلك محلياً، كالحبوب، والذرة والشعير والقطاني والنباتات الزيتية وقصب السكر والبنجر.
● مواصلة العمل من أجل حل أزمة الجفاف وندرة المياه، من خلال استثمارات في ربط الأحواض المائية وتحلية مياه البحر وإنشاء محطات لمعالجة المياه العادمة، ومواصلة إنشاء السدود الصغيرة والمتوسطة.
● تشجيع صناعات الأعلاف والأسمدة؛ لأنها تساعد منتجي اللحوم الحمراء والبيضاء في التحكم في أسعار العلف والأسمدة.
● مواصلة الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس؛ نظراً لانخفاض تكلفة الإنتاج على المزارعين، عكس ما حدث العام الماضي؛ حيث لامست فاتورة الطاقة بالمملكة المغربية مستويات قياسية تاريخياً، تجاوزت 15 مليار دولار.
● خلق توازن بين محاصيل المعدة للتصدير، وتلك الموجهة للسوق المحلية.
وبحسب بيانات مكتب الصرف المغربي الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاءات، استورد المغرب العام الماضي قرابة 50 مليون طن من محاصيل الحبوب بزيادة 23.2 بالمئة على أساس سنوي.
آثار التضخم
أشار تقرير صادر مؤخرا عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إلى أن تصنيف المغرب مرهون بضعف مؤشرات التنمية والحوكمة، وارتفاع الدين العام، فضلاً عن تقلب الناتج الزراعي.
وأضاف التقرير أن الانتعاش الاقتصادي للمغرب يواجه عوامل غير مواتية، إذ تباطأ النمو الاقتصادي في عام 2022 إلى 1.2 بالمئة، بعدما سجل 7.9 بالمئة في 2021، وتراجع الإنتاج الزراعي 15 بالمئة؛ بسبب الجفاف الشديد.
وتوقعت الوكالة تعافي نمو الناتج المحلي في 2023 إلى ثلاثة بالمئة، مدعوماً بتحسن الإنتاج الزراعي، فيما لا يزال أداء القطاع نفسه يعتمد أساساً على الظروف المناخية.
تسبب ضعف الإنتاج المحلي، وارتفاع أسعار المواد الأولية المستخدمة في قطاع الزراعة إلى ارتفاع التضخم لمستويات لم يسبق لها مثيل في الأشهر القليلة الماضية.
وبلغ التضخم في نهاية فبراير الماضي على سبيل المثال 10.1 بالمئة، نتيجة زيادة أسعار المواد الغذائية بأكثر من 20 بالمئة.
تحرك حكومي
وفي هذا الصدد، حاولت الحكومة المغربية التخفيف من آثار زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة على الأسر، لا سيّما بعدما طال التضخم أسعار الخضروات والفواكه، التي يحقق فيها المغرب اكتفاء ذاتياً واعتمدت حزمة سياسات، تضمنت:
• تقديم دعم عام للمواد الغذائية الأساسية.
• الحد من زيادة أسعار السلع.
• إعفاء منتجات الأسمدة من الضرائب.
• إلغاء ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الزراعية؛ لخفض نفقات المزارعين.
• الحد من صادرات بعض السلع؛ لضمان توفرها في السوق كالطماطم التي ارتفع سعرها خلال شهر رمضان الماضي.
وبحسب تقرير البنك الدولي الصادر في فبراير الماضي، تطلب ذلك تعبئة إنفاق عام إضافي يصل إلى نحو 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.
ورغم هذه التدابير، لا تزال الأسر صاحبة الأوضاع المعيشية المتواضعة، والأكثر احتياجاً، تعاني من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وغيرها من الأسعار بسبب التضخم.
ووفق حسابات البنك الدولي فإن معدل التضخم السنوي كان أعلى بنسبة الثلث تقريباً، بالنسبة لأفقر 10 بالمئة من السكان، بالمقارنة مع أغنى 10 بالمئة من المواطنين، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى آثار زيادة أسعار الغذاء، التي تستحوذ على حصة كبيرة من إنفاق الأسر الأكثر فقراً.
ويتوقع التقرير تسارع النمو الاقتصادي في المغرب إلى 3.1 بالمئة في عام 2023، وذلك بفضل القطاعات الرئيسية.
ولكن لا تزال مخاطر التطورات السلبية قائمة بسبب التوترات الجيوسياسية، ومنها الحرب الأوكرانية، وتباطؤ أنشطة الشركاء التجاريين الرئيسيين للمغرب في أوروبا، والصدمات المناخية المحتملة.
التغيرات المناخية
من جهته، يقول إدريس العيساوي، المحلل الاقتصادي المغربي، في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنّ البلاد وضعت خططاً في أوقات سابقة؛ لمواجهة التقلبات المناخية المحتملة، مثل الجفاف للحفاظ على الأمن الغذائي، تضمنت هذه الخطط: بناء السدود، واستخدام المياه المتوفرة عنها في الزراعة.
ويوضح العيساوي أنّ رغم ذلك لا تزال الزراعة في المغرب معتمدة بشكل رئيسي على الأمطار، لذلك فهي مرتبطة دائماً بالظروف المناخية واستقرارها، مما يؤثر على زراعة الحبوب، التي لم تكن كافية لتغطية احتياجات البلاد.
ويحتاج المغرب إلى نحو 10 ملايين طن من الحبوب سنوياً، ووفقاً لإحصائيات مكتب الصرف المغربي استوردت البلاد القمح اللين في العام الماضي، بقيمة 25 مليار درهم (2.4 مليار دولار) بزيادة 81 بالمئة، عن عام 2021.
ولفت العيساوي، إلى أنه دخول المغرب لنادي الدول المنتجة للطاقة الشمسية النظيفة في العقد الماضي بافتتاح محطة “نور 1″ و”نور 2” في الصحراء الشرقية المغربية، يسهم في تقليل تكاليف الطاقة التي تحتاجها البلاد؛ للحفاظ على الأمن الغذائي بشتى الطرق.
مضيفاً أنّ الاستثمار في القطاع الزراعي يحتاج تمويلات كبيرة، وتكنولوجيا متطورة، وعلى المغرب الاهتمام بها بشكل أكبر خلال الفترات المقبلة.
مصادر أخرى للمياه
يقول الخبير الاقتصادي المغربي، الدكتورهشام بنفضول، إنّ المغرب تتجه حالياً لمواجهة تأثير الجفاف على الأمن الغذائي، عبر السدود الموجودة ذات السعة الكبيرة بالفعل، والتي توفر 20 مليار متر مكعب صالحة للري أو الشرب.
وأضاف أنّ الحكومة المغربية تعتزم دعم قطاع الزراعة ببناء محطات تحلية مياه البحر، لتوفير 150 مليون متر مكعب لمواجهة مخاطر تكرار موجات الجفاف التي تعيش البلاد ذروتها في الفترة الحالية.
ويقول بنفضول، إن الحكومة دشنت منذ عام 2008 برنامجاً امتد حتى عام 2020، سمي بمخطط “المغرب الأخضر”، بهدف تطوير الإنتاج، وجعل القطاع محركاً أساسياً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، والحفاظ على الموارد الطبيعية.
كما كشفت تصريحات رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، أمام البرلمان بداية الشهر الجاري، مساهمة المخطط في الاستغلال الكامل لإمكانيات المغرب الزراعية، ومضاعفة الناتج الداخلي الخام، ومضاعفة الصادرات 3 مرات، مع تمكنه من خلق ما يزيد عن 50 مليون يوم عمل إضافي.
وأشار إلى أن هناك مخطط جديد؛ لاستكمال للمخطط الأول، ويمتد من 2021 إلى 2030، يهدف لتطوير محاصيل لا تحتاج للكثير من مياه الري كأشجار الخروب واللوز والزيتون والصبار.
وبحسب “رويترز” استورد المغرب في الشهرين الماضيين، نحو 20 ألف رأس ماشية من البرازيل؛ لسد النقص في اللحوم وخفض أسعارها في السوق المحلية، بعد تأثر البلاد بتداعيات أزمة الجفاف.
المصدر: سكاي نيوز عربية